ثقافة وفن

أثبتت أنها قادرة على الوصول بالمجتمع إلى أرقى درجات الازدهار والتقدم … المرأة السورية خلال سنوات الحرب الإرهابية نموذج للصمود والتضحية

| وائل العدس

يقول سقراط: «المرأة العظيمة هي التي تعلمنا كيف نحب عندما نريد أن نكره، وكيف نضحك عندما نريد أن نبكي».
اليوم الدولي للمرأة أو اليوم العالمي للمرأة هو احتفال عالمي في الثامن من شهر آذار من كل عام، ويقام للدلالة على الاحترام العام، وتقدير وحب المرأة لإنجازاتها الاقتصادية والسياسية والاجتماعية.
الاحتفال بهذه المناسبة جاء إثر عقد أول مؤتمر للاتحاد النسائي الديمقراطي العالمي والذي عقد في باريس عام 1945، وكان أول احتفال عالمي بيوم المرأة العالمي رغم أن بعض الباحثين يرجح أن اليوم العالمي للمرأة كان إثر بعض الاضطرابات النسائية التي حدثت في الولايات المتحدة.
موضوع الاحتفال باليوم العالمي للمرأة لعام 2020 هو «أنا جيل المساواة.. أعمال حقوق المرأة»، ويتماشى هذا الموضوع مع الحملة المتعددة الأجيال لهيئة الأمم المتحدة للمرأة، المسماة «جيل المساواة».

تاريخ يوم المرأة
في 1856 خرجت آلاف النساء للاحتجاج في شوارع مدينة نيويورك على الظروف اللاإنسانية التي كنّ يجبرن على العمل تحتها، ورغم أن الشرطة تدخلت بطريقة وحشية لتفريق المتظاهرات إلا أن المسيرة نجحت في دفع المسؤولين على طرح مشكلة المرأة العاملة على جداول الأعمال اليومية.
وفي 8 آذار 1908 عادت الآلاف من عاملات النسيج للتظاهر من جديد في شوارع مدينة نيويورك، لكنهن حملن هذه المرة قطعاً من الخبز اليابس وباقات من الورود في خطوة رمزية لها دلالتها واخترن لحركتهن الاحتجاجية تلك شعار «خبز وورود».
طالبت المسيرة هذه المرة بتخفيض ساعات العمل ووقف تشغيل الأطفال ومنح النساء حق الاقتراع. فشكلت بداية تشكل حركة نسوية متحمسة داخل الولايات المتحدة وخصوصاً بعد انضمام نساء من الطبقة المتوسطة إلى موجة المطالبة بالمساواة والإنصاف رفعن شعارات تطالب بالحقوق السياسية وعلى رأسها الحق في الانتخاب، وبدأ الاحتفال بالثامن من آذار كيوم المرأة الأميركية تخليداً لخروج مظاهرات نيويورك سنة 1909.
غير أن تخصيص يوم الثامن من آذار كعيد عالمي للمرأة لم يتم إلا بعد سنوات طويلة من ذلك، لأن منظمة الأمم المتحدة لم توافق على تبني تلك المناسبة سوى سنة 1977 عندما أصدرت المنظمة الدولية قراراً يدعو دول العالم إلى اعتماد أي يوم من السنة تختاره للاحتفال بالمرأة، فقررت أغلبية الدول اختيار الثامن من آذار.

المرأة السورية
من ميادين العلم والعمل إلى مواقع صنع القرار، أثبتت المرأة السورية حضورها وتأثيرها وقدرتها على إحداث تغيير إيجابي في مجتمعها منذ عقود، مستندة إلى دستور كفل حقوقها وقوانين وتشريعات أمنت لها الحماية والقوة والدعم.
إن المرأة السورية أثبتت أنها قادرة بعملها وإرادتها ووجدانها على الوصول بالمجتمع إلى أرقى درجات الازدهار والتقدم متخطية كل العقبات، وهي جديرة بأن تتحمل أي عبء وتكون أهلاً للثقة والمسؤولية بعملها إلى جانب الرجل.
وقد وصلت إلى مواقع ومفاصل مهمة في العمل الحكومي والأهلي والخاص ولم تغب عن أسرتها وأدوارها المؤثرة في أبسط مجالات الحياة، بل زاولت مهام كثيرة كانت للرجال فقط نتيجة ظروف فرضتها الحرب على سورية، واستطاعت أن تختصر الزمن والمسافات.
وقد وُضعت المرأة السورية في المكان اللائق الذي تستحقه، وكعادتها انتهزت الفرصة واختصرت عقوداً من الزمن مقارنة بمثيلاتها في دول العالم.
إن العالم ينظر إلى نموذج تمكين المرأة في سورية لكونه أنموذجاً يمكن تطبيقه في مجتمعات أخرى من العالم، وما يجعل المرأة السورية أنموذجاً مثالياً هو نجاحها في تحقيق كل تلك المكاسب من دون التضحية بعاداتها وتقاليدها المجتمعية، ودون كسر تلك العادات، مع التأكيد على دورها في بناء المجتمع والنهوض به وتربية أبنائها على حب الوطن والتضحية في سبيله وتقديم الغالي والنفيس لأجله.
ويحفل التاريخ بإنجازات المرأة السورية وهي اليوم تواصل دورها في تنمية المجتمع وتطويره والحفاظ على تماسكه.

خلال الحرب
أصبحت المرأة السورية خلال سنوات الحرب الإرهابية نموذجاً للصمود والتضحية إلى جانب أنها نبع الحنان والعطاء، كما أن الأدوار والمسؤوليات الجديدة التي ألقيت على عاتق المرأة خلال سنوات الحرب رفعت مستوى التحدي لكنها أثبتت جدارتها في الاستجابة للواقع الجديد وحققت النجاح.
وهي الأم والعاملة والفلاحة والطبيبة والقاضية التي ناضلت على كل الصعد وسجلت تضحيات وبطولات ولاسيما خلال سنوات الحرب، هي تلك السيدة التي عاشت الأزمة بكل تفاصيلها، صمدت وعملت، إنها المقاتلة البطلة في الجيش العربي السوري، والأم التي قدمت الشهيد، إنها الطبيبة والمهندسة، المدرّسة والموظفة، الكاتبة، المنتجة والمزارعة، أمضت في بلادها سنين الحرب بكل قساوتها، وقاومت العقوبات الاقتصادية وكل الضغوط.

مناصب عديدة
المرأة السورية التي حضرت في الأسرة والعمل وميادين القتال تبوأت مناصب عديدة على كل المستويات من بينها نائب رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الشعب ووزيرة وقائدة للمنظمات الشعبية، مستندة إلى دستور ساوى بينها وبين الرجل في الحقوق والواجبات.
كما أن أي مطّلع على واقع المرأة السورية تسترعي انتباهه النسبة التي تشغلها السيدات في السلطة القضائية، فقد ترأست مختلف المحاكم بكل اختصاصاتها الجزائية والمدنية ودرجاتها بما فيها محكمة النقض وهي أعلى مرجع قضائي، كما أنها توجد كعضو في مجلس القضاء الأعلى وهو ما لم تشغله أي امرأة في الوطن العربي.
إن المرأة في مواقع صنع القرار أثبتت أنها على درجة عالية من المسؤولية والقدرة على المساهمة في وضع الخطط التنموية وتحديد الاحتياجات ورسم السياسات للمكان الذي تمثله نتيجة لمهاراتها في الإلمام بكل التفاصيل فضلاً عن دورها في مجالات كثيرة. وجود المرأة في مواقع صنع القرار عزز لديها روح التحدي لتقديم صورة حقيقية عن كفاءتها وخبرتها وتأثيرها في مختلف المجالات.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن