قضايا وآراء

أردوغان بين الإحباط والفشل

| د. قحطان السيوفي

شهدت سياسة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الخارجية، وتحديداً منذ المحاولة الانقلابية 2016، تقلبات منها الابتعاد عن «الانضباط الأطلسي» نحو تعدّد الشراكات مع قوى دولية وقفزاً على الحبال. عمل على إثارة غضب واستفزاز أعضاء حلف «الناتو» بالتودد إلى خصمهم، روسيا. أردوغان بتصرفاته الطائشة يبتز الغرب بطلبه المزيد من المال لإيواء اللاجئين داخل تركيا، والمزيد من المساعدات من «الناتو».
وعندما جاء الرد الأوروبي فاتراً، رد أردوغان قائلاً: «إذا حاولتم توصيف عمليتنا على اعتبارها غزواً، فسنفتح الأبواب ونبعث لكم بـ3.6 ملايين لاجئ»، يحاول أردوغان اليوم الحصول على بطاريات «باتريوت» الأميركية. أبدى الغرب تردداً إزاء طلبات أردوغان. بالمقابل روسيا مستمرة في دعم الجمهورية العربية السورية لطرد الأتراك وعملائهم من إدلب.
البعض من المحللين يرون أن أردوغان ابتدع أسلوباً تفاوضياً غريباً مضمونه تصويب مسدس إلى أعدائه، على حين يضغط بآخر على رأسه.
سياسة أردوغان مليئة بالتناقضات، هذه سياسة بلا توجهات واضحة أو خطط جدّية. مغامرة أردوغان العسكرية في إدلب انتحار على المستوى العسكري.
أردوغان اليوم ليس بمقدوره حتى الضغط على زناد أي من المسدسين اللذين يحملهما جنكيز تشاندار، الباحث والكاتب التركي، وأحد أبرز الخبراء في شؤون الشرق الأوسط، اعتبر سياسة أردوغان خطرة، بلا وجهة واضحة ومليئة بالتناقضات، محكومة بحسابات أردوغان الخاصة.
وأضاف تشاندار: إن هناك بعدين ينبغي أخذهما بالحسبان عند تحليل مواقف أردوغان، الأول هو الوضع السياسي الداخلي في تركيا، والثاني هو التطورات في سورية.
المشهد يشير إلى أن وضع أردوغان الداخلي، يضعف وتتراجع شعبيته والمؤشرات الاقتصادية ليست إيجابية. هو يحاول يائساً إيجاد قضية وطنية تخلق إجماعاً حول سياساته لطالما حاول توظيف الموضوع الكردي لتحقيق هذه الغاية، وكان المبرّر الأول لدخول تركيا إلى الأراضي السورية، لكن التفاهمات مع الأميركيين والروس، وضعت حدوداً لقدرة أردوغان فهو يستخدم موضوع اللاجئين وسيلة لابتزاز الأوروبيين المذعورين من تدفّق اللاجئين. روسيا تصدّت لتصعيد أردوغان عبر دعم السوريين وخيّبت آماله.
تسبّبت هذه الحسابات الخاطئة بخسائر بشرية عالية لتركيا، 59 جندياً إلى الآن ما أدى لزيادة غضب الرأي العام التركي، وهو يجهد يائساً لتصوير المواجهة على أنها دفاع عن الأمن القومي المهدّد لاستثارة الشعور الوطني، 28 شباط الماضي شكّل لحظة فاصلة وكابوساً لمخيلة أردوغان للهيمنة الجيوسياسية في سورية، مقتل 36 من قواته دفعة واحدة مع إخفاق دبلوماسي وتفاوضي لا يقل عن الكارثة العسكرية بعد التصعيد مع دمشق وتوترات مع موسكو.
روسيا قالت: لا ينبغي أن يكون هناك جنود أتراك في المنطقة التي تعتبر منطقة لمكافحة الإرهاب، الردّ الروسي العنيف لم يكن إلا محاولة لإعادة تحجيم تلك المخيلة الأردوغانية بطريقة ربما فتحت عليه نيران الداخل من المنتقدين أكثر من صيحات التحذير من الخارج، من السخرية أن يقول أردوغان، في اجتماع مع المشرّعين، إن القوات التركية «دخلت سورية بدعوة من الشعب السوري وليس بدعوة من الأسد»، يرى بعض المحللين، أن في هذا نية خبيثة مبطنة لضم جزء من الأراضي السورية، ليس لدى حلف الناتو، الذي ناشده أردوغان، أي أساس للتدخل في الصراع، لأنه لا يوجد أي تهديد لتركيا على أراضيها، وسورية في الواقع تدافع عن نفسها وأراضيها المحتلة.
لقاء أردوغان بوتين الذي تمّ في الـ5 من آذار في موسكو لا في إسطنبول، اعتراف رمزي بأن تركيا هي الطرف الأضعف لأن أردوغان يأتي إلى بوتين وليس العكس. بمجرّد أن اختلف مع الروس، هرع لطلب نجدتهم محروماً من أي أوراق قوة، لجأ أردوغان إلى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عله يجد مخرجاً من ورطته في إدلب.
يرى المراقبون أن الطرفين التركي والروسي اختارا تجاوز الخلافات بينهما حول المواضيع الأساسية، ولم يعالج الاتفاق أي مشكلة جذرية كانت سبباً للتصعيد العسكري الأخير، ما يجعله اتفاقاً خجولاً، أو مجرّد هدنة أو «استراحة محارب»، وهو ما يعكس إستراتيجية روسيا التي لا تتخلى عن حليفتها سورية.
خرجت قمّة موسكو ببيان من ثلاث نقاط:
– وقف النشاطات العسكرية في إدلب.
– إقامة «منطقة آمنة» على امتداد طريق «M4»، بعرض 6 كلم شمالاً و6 كلم جنوباً.
– تسيير دوريات مشتركة تركية روسية.
ويلاحظ في الاتفاق: غياب أيّ إشارة إلى «المنطقة الآمنة» التي كانت تركيا تطالب بها على امتداد حدود الإسكندرون مع إدلب لجمع اللاجئين فيها، وغياب الإشارة إلى نقاط المراقبة التركية المحاصرة وماذا سيحلّ بها.
يثبّت الاتفاق الخطوط الجديدة التي وصل إليها الجيش العربي السوري، ولا يشير إلى انسحابه إلى خطوط ما قبل المعارك، مثلما كان يطالب به أردوغان، ويعطي الوجود العسكري التركي، بالدوريات المشتركة مع روسيا، مشروعية ما.
أردوغان ذهب للقاء نظيره الروسي وهو يحمل أوراقاً ضعيفة، في ظلّ ثلاثة متغيرات ميدانية، وعاملين داخلي وخارجي:
– تقدّم الجيش العربي السوري وحلفائه في الأسابيع الأخيرة على جبهات إدلب.
– دخول الجيش التركي، للمرّة الأولى، بعناصره وعتاده إلى عمق إدلب، وقد بلغ عدد الجنود والضباط ما لا يقلّ عن 8 آلاف عنصر.
– دخول الجيش التركي ومعه التنظيمات الإرهابية المسلّحة للمرّة الأولى في مواجهة عسكرية مباشرة جوية وبرّية مع قوات الجيش العربي السوري وحلفائه، في ما يشبه حرباً إقليمية مصغرة.
أما العامل الداخلي، فهو الصدمة التي أثارها مقتل أكثر من 36 جندياً تركياً في ضربة جوية سورية روسية، مع عدم قدرة أردوغان على تجيير سقوط هؤلاء لمصلحة مخططاته في ظلّ انقسام داخلي كبير، وتحميل أردوغان مسؤولية رمي الجنود الأتراك إلى مهلكة غير وطنية.
في المقابل، سدّد الرئيس بشار الأسد في مقابلة تلفزيونية، ضربة موجعة للادعاءات الأردوغانية عندما سأل الأتراك: «متى اعتدت سورية على تركيا»؟ مؤكداً أن العلاقات بين الدولتين يجب أن تكون طبيعية خلافاً للخطاب المتطرّف لأردوغان وشركائه.
أما العامل الخارجي، فيتمثّل في إخفاق أردوغان في حشد الدعم الخارجي له. فلا حلف «شمالي الأطلسي» وقف بقوة إلى جانبه، ولا الولايات المتحدة وافقت على طلبه إرسال صواريخ «باتريوت»، ولا الاتحاد الأوروبي كان متحمّساً لمغامرته في إدلب، بل استاء من محاولة ابتزاز أردوغان للأوروبيين في ملف اللاجئين، التي تعكس ضعفاً وليس قوة.
ذهب أردوغان إلى موسكو وهو يحمل أوراقاً ضعيفة، وعاد من موسكو محبطاً يجر أذيال الخيبة والمرارة ضعيفاً في مواجهة الداخل التركي المعارض لتدخله العسكري العبثي في سورية، وضعيفاً أمام التنظيمات الإرهابية المرتزقة. مغامرات أردوغان ونهمه نحو لعب أدوار سيادية باتت بالوناً مملوءاً بالإخفاق؛ بالون إدلب انفجر، مشروع أردوغان ربما عجّل بخسارة كل خيوله التي سمنها منذ صعود حزب العدالة والتنمية الذي يعيش أسوأ فتراته، وحتى اتفاق موسكو الأخير لن يخرجه من عزلته التي تكبر وتتجاوز قدراته على تحويل مآزقه باتجاه الخارج. عاد أردوغان من موسكو محبطاً وبنتائج لم تحفظ له ماء الوجه.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن