ثقافة وفن

مرشد خاطر… أحد معرِّبي الطب العربي

| نبيل تللو

لم يكن الطب البشري في بلادنا العربية يدرَّس ويمارس باللغة العربية حتى السنوات الأولى من القرن العشرين، وكانت اللغتان التركية والفرنسية هما السائدتان بحكم وقوع سورية تحت نير احتلالهما الجائر، إلا أن بعض الأطباء السوريين انبروا لتعريبه إيماناً منهم بإمكانات اللغة العربية على مجاراة لغات العصر، ومن هؤلاء الدكتور مرشد خاطر، الذي نتحدث عن مسيرته المهنية في هذه المقالة، راجياً أن يتذكَّر كرام القارئات والقراء ما نسوه، وأن يتعرَّفوا على ما لا يعرفونه.
وُلِدَ مرشد بن حنا ضاهر خاطر (1305 – 1380 هـ، 1888 – 1961 م) في «بتأتر» قرية من قرى قضاء الشوف في لبنان، وكانت سورية ولبنان آنذاك بلداً واحداً، وتلقى تعليمه الابتدائي والثانوي في مدرسة الحكمة المارونية في بيروت ونال شهادتها عام 1906، ثم التحق بكلية الطب الفرنسية ببيروت، وحصل فيها على شهادة طبية عام 1911 أمام لجنة امتحان فرنسية ــ تركية. بعد إعلان الحرب العالمية الأولى عام 1914، أستدعي للخدمة العسكرية في الجيش التركي عام 1915، وفي أثناء خدمته في محطة «غدير الحج» جنوب معان أسره الجيش العربي، وعهد إليه رئاسة القسم الجراحي في مشفى «أبى الأسل» ورقَّاه إلى رتبةٍ أعلى. بعد دخول الجيش العربي لدمشق عام 1918، كُلِّفَ برئاسة القسم الجراحي بالمشفى العسكري؛ إلى أن انتخب في 8 تشرين الثاني عام 1919 أستاذاً للأمراض الجراحية وسريرياتها في المعهد الطبي العربي، الذي أُنشئ بديلاً من المدرسة الطبية التركية، الذي افتتح في 23 كانون الثاني عام 1919، كما انتخب عضواً في المجمع العلمي العربي في العام نفسه، ويعود الفضل له في إنشاء مجلة المعهد الطبي العربي التي استمر برئاسة تحريرها منذ ظهورها عام 1924 إلى أن توقَّفت عام 1944، ونشر فيها وفي مجلاتٍ بمصر ولبنان عشرات الأبحاث، منها: «الثقافة»، «المجمع العلمي العربي»، «لغة العرب».
بقي علمنا يدرِّس الجراحة في كلية الطب حتى عام 1947 حين اُحيل على التقاعد، ولكنه استمر بالتدريس فيها حتى نهاية عام 1958. وإضافة إلى ذلك، فقد عُيِّن رئيساً للقسم الجراحي في مشفى يوسف العظمة العسكري بين عامي 1948- 1952، ثم صار وزيراً للصحة بين عامي 1952- 1953، وترأس خلال وزارته وفد سورية إلى الاجتماع السنوي لمنظمة الصحة العالمية في جنيف، وانتخبته وفود الدول المشتركة وعددها ثمانون رئيساً لتلك الدورة.
قام أثناء توليه وزارة الصحة بمشروعاتٍ كثيرة بالتعاون مع منظمة الصحة العالمية، منها إنشاء مراكز لمكافحة السل والملاريا ورعاية الأم والطفل، كما أوفد عدداً من الأطباء للتخصُّص في البلدان الأجنبية.
غير أن أكثر ما تميَّز به هو وضع المصطلحات الطبية باللغة العربية، وتأليف وترجمة كتبٍ عدة، وهي:
– «الأمراض الجراحية» في ستة أجزاء.
– «موجز الأمراض الجراحية» في جزأين بالاشتراك مع منير شورى.
– «السريريات والمداواة الطبية» في جزأين بالاشتراك مع ترابو (طبيب فرنسي) وشوكة موفق الشطي.
– «فن التمريض» الذي أُعيدت طباعته مراتٍ عدة.
– «إصلاح النسل».
كما ترجم عن الفرنسية: «جراحة أنبوب الهضم»، «الدروس العملية في الأمراض النسائية»، «أمراض جهاز البول». ونشر باللغة الفرنسية الكثير من الأبحاث في المجلات الطبية، منها «مجلة المجمع الجراحي الفرنسي».
كما قام بمشاركة بعض أساتذة المعهد الطبي العربي بدراسة «داء الجلبان» الذي تفشَّى بعد الحرب العالمية الأولى، والذي لم يكن معروفاً بشكلٍ كافٍ قبل ذلك، وصارت تلك الدراسة مرجعاً لسنواتٍ طويلة.
وفي مجال ترجمة المعاجم، فقد نقل مرشد خاطر بمشاركة أحمد حمدي الخياط ومحمد صلاح الدين الكواكبي إلى اللغة العربية «معجم المصطلحات الطبية الكثير اللغات» لمؤلِّفه الفرنسي «أ. ل. كليرفيل»، الذي احتوى نحو خمسة عشر ألفاً من المصطلحات الطبية. كما نقَّح «معجم العلوم الطبية، فرنسي – إنكليزي – عربي» بالاشتراك مع أحمد حمدي الخياط، وقد نقَّحه بعد وفاتهما محمد هيثم الخياط، ويضمُّ 15228 من المصطلحات العلمية والطبية.
حظي مرشد خاطر باحترام وتقدير عددٍ كبير من الجمعيات والمجامع العلمية التي انتخبته لعضويتها، منها: مجمع اللغة العربية في القاهرة، المجمع الطبي العسكري البرازيلي، المجمع العلمي الفرنسي، الجمعية الجراحية الفرنسية. كما منحته دولٌ كثيرة أوسمة رفيعة منها: فرنسا وإيران ولبنان والبرازيل وبلجيكا والفاتيكان، إضافة إلى وسام الاستحقاق السوري من الدرجة الممتازة.
وتكريماً له، فقد أطلق اسمه على أحد أهم شوارع دمشق الرئيسية: «شارع مرشد خاطر».
أخيراً أقول: إن الأمة التي لا تنسى أبناءها المخلصين البررة، والمتعلِّمين المتنورين، الذين قدَّموا النافع والمفيد لبلدهم، وأثروا مناحي وجوانب عديدة في مسيرتها، حاضراً ومستقبلاً، ومنهم علم هذه المقالة، هي أمة جديرةٌ بالاحترام والتقدير والثناء والبقاء.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن