قضايا وآراء

أزمة تشكيل الحكومة الإسرائيلية المتفاقمة

| تحسين الحلبي

أثبتت الدورات الانتخابية الثلاث الطارئة التي جرت في إسرائيل منذ نيسان 2019 حتى آذار 2020 أن أحد العوامل التي تسبب عجز أحد الحزبين أو الكتلتين الكبريين الليكود وأزرق أبيض عن تشكيل حكومة ائتلافية تحظى بأغلبية 61 مقعداً هو أن كل حزب توفرت له فرصة جمع هذا العدد لوحده لكنه رفض قبولها لأنها ستستند إلى أصوات أعضاء القائمة العربية المشتركة التي احتلت في نتائج الدورتين الماضيتين للانتخابات في أيلول 2019 وآذار 2020 مرتبة الحزب أو الكتلة الثالثة من ناحية عدد المقاعد التي فازت بها.
13 مقعداً في أيلول و15 مقعداً في آذار الماضي مقابل 36 الليكود و32 حزب أزرق أبيض، وأتاحت هذه المقاعد لكل حزب محاولة الاستعانة بها لتشكيل الحكومة منذ أيلول الماضي ولكن كل منهما رفض برغم أن هذه الكتلة العربية أبدت رغبة بالتفاوض مع حزب أزرق أبيض على عرض شروطها، لكنه رفض على غرار الليكود أن يشاركه أصحاب الأرض الفلسطينيون في حكومة ائتلافية لعدد من الأسباب وأهمها
1- أن الاعتماد على هذه القائمة العربية في إعطاء الأغلبية سيهدد مشروع يهودية الدولة التي أقرها الكنيست، أي البرلمان، بموافقة كل الأحزاب الإسرائيلية لاستكمال المشروع الصهيوني وتحويل الكيان الإسرائيلي إلى دولة لليهود وحدهم وهو قانون ينزع صفة الوجود الطبيعي الذي أقرته الأمم المتحدة والقانون الدولي لاستمرار وجود هؤلاء الفلسطينيين وتمتعهم بكافة الحقوق السياسية وغير السياسية ومحافظتهم على هويتهم القومية فوق ما بقي من أراضيهم.
2- أن ظاهرة هجرة اليهود المعاكسة التي تزداد منذ عقود ثلاثة إلى أوطانهم التي جيء بهم منها على مراحل متعددة كان آخرها مرحلة انهيار الاتحاد السوفييتي 1991 إضافة إلى تدني نسبة هجرة اليهود من الخارج إلى إسرائيل ستحول الساحة إلى حرب ديموغرافية لأن الفلسطينيين يتكاثرون ويتمسكون بالبقاء في وطنهم التاريخي بينما غادر أكثر من مليون ونصف مليون إسرائيلي إلى أوروبا وروسيا وأميركا وكندا خلال ثلاثين سنة.
3- أن تزايد مقاعد اليهود المتدينين السلفيين المحافظين مثل «شاس» و«حزب يهدوت التوراة» الذين لا يتبنون المشروع الصهيوني العلماني بشكل عام إلى 17 أو 20 مقعداً، سيجعل ثلث مقاعد البرلمان يسيطر عليها العرب وهذه الفئة من الإسرائيليين وعند أي انقسامات حادة بين الأحزاب الصهيونية الكبيرة ستصبح هذه الأحزاب تحت رحمة هذا الثلث حتى لو لم يكن هذا الثلث موحداً بجميع مطالبه بل إن نجاح القائمة العربية بزيادة مقاعدها إلى 15 في انتخابات آذار الجاري سيؤدي إلى زيادة تشجيع العرب على زيادة مشاركتهم في التصويت فيتاح للقائمة العربية المشتركة الفوز بالمستقبل بـ18 إلى 19 مقعداً من 120 فيتعاظم دورها في حماية مصالح العرب السياسية والقومية، ولذلك يرى الحزبان الكبيران عزل هذه القائمة ومنعها من توحيد صفوف العرب داخل الكيان الإسرائيلي فالصورة التي ظهرت لليكود وأزرق أبيض بعد ثلاث دورات انتخابية هي أن القوى العربية في إسرائيل كانت تزيد من اصطفاف الجمهور العربي إلى جانبها كلما تزايد الانقسام داخل الساحة السياسية والحزبية الإسرائيلية ففي انتخابات نيسان الاعتيادية الأولى 2019 تقدمت القوى العربية بقائمتين منفصلتين فنالت إحداهما 6 مقاعد والأخرى 4 مقاعد لكنها حين توحدت بقائمة مشتركة في انتخابات أيلول 2019 المكررة حظيت بـ13 مقعداً وكانت الفرصة متاحة لأحد الحزبين الكبيرين أن يعرض عليها مفاوضات للاستعانة بمقاعدها في تشكيل حكومة ائتلافية لكن عنصرية كل منهما إضافة للأسباب المذكور أعلاه، جعلت كلاً منهما يرفض الاقتراب منها لأن الإسرائيليين سيتهمون أي حكومة تعتمد على أصوات العرب بأنها حكومة غير يهودية ولا تمثل اليهود.
وبعد نتائج الانتخابات الثالثة خلال عام تقريباً عاد الاستعصاء يفرض نفسه على كلا الحزبين وسوف يزداد دور القائمة العربية في الساحة البرلمانية وأهميتها إذا لم يقم الحزبان الليكود وأزرق أبيض بتشكيل حكومة مشتركة منهما، وإذا ما انعدم هذا الخيار فلن يبقى أمامهما سوى واحد من هذه الخيارات: إما انشقاق أعضاء من أحزاب إسرائيلية إلى تأييد حزب الليكود ويكفي ثلاثة من الأعضاء لتحقيق أغلبية من 61 مقعداً لمصلحة الليكود الذي يبلغ عدد أعضاء كتلته الائتلافية 58 مقعداً وإما أن تقبل الكتلة الائتلافية لحزب أزرق أبيض مع حزب ليبيرمان بمقاعدها الـ47 بالاستعانة بمقاعد القائمة العربية المشتركة الخمسة عشر فتنال أغلبية 62 مقعداً، وإما أن يجري الاتفاق على انتخابات للمرة الرابعة، وإما أن يفقد نتنياهو بقرار أغلبية من البرلمان الحق بمحاولة تشكيل حكومة ائتلافية بحجة أنه يواجه محاكمة بالفساد واستبداله بأي مرشح من قادة الليكود وهو ما يثير أزمة حادة داخل الليكود.
في جميع الخيارات ما زال الكيان السياسي الإسرائيلي في أوج أزمته التي أصبحت قابلة للتفاقم أكثر من أي وقت مضى.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن