قضايا وآراء

عندما يعيد التاريخ نفسه دون اتّعاظ.. تركيا وجنون التسلط

| صدقي زاهر عثمان

يقول مثل شعبي أرمني: «التركي إذا لم يجد من يَقتُله، يقتل أباه».
يوجد عدد كبير من الأمثلة الشعبية التي تضمر كل الكره والحقد للأتراك، جميع هذه الأمثلة الشعبية هي لشعوب مجاورة لتركيا.
تركيا سياسياً وتاريخياً لا تعرف معنى علاقات حسن الجوار، الحاكم التركي لا يعرف معنى التعايش المشترك وحب واحترام الجوار من شعوب وأعراق أخرى، لا يرى فيهم غير شعوب متخلفة وجاهلة يجب احتلالها ويجب أن تخضع لسيادته وأوامره وأن تعيش ذليلة تحت احتلاله ووصيته، لا يرى بأراضي الشعوب المجاورة غير أنها أراض مشاع ومحللة له وله كامل الحق باحتلالها.
تكنّ جميع الشعوب المحيطة بتركيا كل العداء والحقد التاريخي، بغض النظر عن انتماء هذه الشعوب العرقي أو الديني، تركيا حالياً محاطة بشعوب حاقدة تاريخياً من جميع الجهات بسبب الأذى والعدوان والمجازر الذي تعرضت لها على مدار عدة عقود.
الأرمن والسريان والأشوريون والأكراد واليونانيون والقبارصة والصرب والبلغار جميعها شعوب تضمر حقداً تاريخياً على تركيا حتى يومنا هذا، إلا المواطن العربي للأسف لا يكن أي مشاعر سيئة تجاه الأتراك على الرغم من أنه من أكثر المتضررين من الاحتلال العثماني الذي يعتبر السبب الرئيسي لضياع وتخلف الشعوب العربية حتى يومنا هذا، 400 سنة احتلال وأهم نتائج الموروث العثماني كانت:
يالنجي ومحاشي، شاورما، طاولة زهر، الخازوق، الكتاتيب في الجوامع، تخلفاً دينياً وجموداً فكرياً وثقافياً وفنياً، النقاب، اضطهاد الاقليات الدينية، والقائمة تطول جداً وتكاد تخلو من أي موروث إيجابي حصل خلال 400 سنة، لكن حتى يومنا هذا نجد بيننا من يدافع عن الأتراك وعن العثمانيين والحجة الرئيسة مبطنة دينياً، بأن العثمانيين مسلمون! وإذا كانوا مسلمين فهذا يعني السماح لهم باحتلالنا وتدميرنا فكرياً وثقافياً وعلمياً وحضارياً! بحجة الخلافة الإسلامية والدين وأن العثمانيين وصلوا لحدود مدينة «فيينا» ويقومون بنشر الدين في أوروبا! يعني الشعوب الأوروبية خلال هذه الـ400 سنة الفائتة عاشت عصر نهضة فكرية وموسيقية وثقافية وثورة صناعية وتطور في جميع المجالات والمواطن العربي راضٍ بجهله وتخلفه الذي خلفه العثمانيين وجالس على الخازوق العثماني بسعادة.
شمال البحر الأسود تقع الإمبراطورية الروسية، لا تختلف علاقة تركيا مع روسيا كثيراً عن علاقتها مع باقي دول وشعوب الجوار، لكن الفرق أن الروس ليسوا كالعرب أو الأرمن أو اليونانيين من حيث العدد والقوة والعقلية.
على مدى ثلاثة القرون الماضية جرت 13 حرباً بين روسيا وتركيا، ولا اعتقد أن هنالك دولتين نشب بينهما حروب خلالها أكثر من روسيا وتركيا، انتصرت تركيا في عدة معارك وجولات لكن الانتصارات الأكثر تأثيراً وديمومةً والتي أثرت تاريخياً بشكل دائم على الخريطة الجيوسياسية العالمية كانت من نصيب روسيا.
من أهم نتائج الحروب التي دارت بين تركيا وروسيا:
حرب ست السنوات بين 1768 و1774 بموجبها استولت روسيا على شبه جزيرة القرم وبحر أزوف.
لاحقاً تمكنت قوات الماريشال الروسي روميانتسييف من اجتياح مولدافيا ووصلت قواته إلى بلغاريا حيث ألحق هزيمة نكراء بالقوات التركية هناك.
واضطرت تركيا إلى طلب إبرام معاهدة سلام جديدة فتم التوصل إلى معاهدة «كوجك كاينارجي» نسبة إلى بلدة صغيرة تقع حالياً في بلغاريا عام 1774.
ومن أبرز بنود المعاهدة إقرار تركيا باستقلال القرم عن تركيا ووصول حدود الامبراطورية الروسية إلى نهر بو في أوكرانيا حالياً، لكن أهم مكسب لروسيا كان الإقرار بحقها في الاحتفاظ بأسطول بحري دائم في البحر الأسود.
لاحقاً أعلنت الإمبراطورة الروسية إيكاترينا عن ضم القرم نهائياً لروسيا.
وما لبث أن اندلعت حرب أخرى بين الطرفين عام 1787 فتمكنت القوات الروسية بقيادة الجنرال سوفوروف من السيطرة على نهري دنيستر والدانوب وأرغمت انتصاراته اللاحقة تركيا على إبرام معاهدة «لاشي» عام 1792 التي تنازلت بموجبها السلطنة العثمانية عن كل الساحل الغربي لأوكرانيا على البحر الأسود.
وفي عام 1811، وبينما كانت روسيا تتأهب لحرب طاحنة ضد قوات نابوليون، شن الجنرال الروسي كوتوزوف هجوماً على الجبهة التركية ونجح خلال عامي 1811 و1812 في إلحاق هزيمة ساحقة بالجيش التركي وأرغم السلطنة العثمانية على إبرام معاهدة بوخاريست عام 1812 تنازلت بموجبها تركيا عن منطقة بيساربيا برمتها لروسيا.
وخلال الحرب بين الطرفين عامي 1828 و1829 سيطرت روسيا على بلغاريا والقفقاس ووصلت إلى شمال غرب منطقة الأناضول التركية فسارعت تركيا إلى طلب إبرام معاهدة سلام فتم التوصل إلى معاهدة أدرنة عام 1829 وضمنت روسيا بموجبها السيطرة على الساحل الغربي أيضاً من البحر الأسود كما اعترفت تركيا بالسيادة الروسية على جورجيا وجزء من أرمينيا الحالية.
وفي عام 1877 وقفت روسيا وحليفتها صربيا إلى جانب المتمردين على السلطنة العثمانية في البوسنة والهرسك وبلغاريا حيث هاجم الروس بلغاريا فوصلت قواتهم إلى مدينة أدرنة حالياً الواقعة حالياً على الحدود بين اليونان وبلغاريا وتركيا عام 1878 وكالعادة أبرمت تركيا معاهدة جديدة من موقع المهزوم والضعيف وعرفت بمعاهدة سان ستيفانو.
وبموجب المعاهدة الجديدة تنازلت تركيا عن رومانيا وصربيا والجبل الأسود لتستقل هذه الدول، في حين حصلت البوسنة والهرسك على الحكم الذاتي. كما حصلت بلغاريا على الحكم الذاتي وتمتعت بالحماية الروسية.
لاحقاً وفي فترة الحرب العالمية الأولى اتفقت دول الوفاق روسيا وبريطانيا وفرنسا على تقسيم أراضي الدولة العثمانية لمناطق تخضع لنفوذ الحلفاء، كانت حصة روسيا من الدولة العثمانية في مسودة الاتفاقية «سايكس بيكو» هي السيطرة على المضائق البحرية كالبوسفور والدردنيل والسيطرة على اسطنبول (القسطنطينية) بصفتها مدينة مقدسة وذات أهمية كبيرة للشعب الروسي والشعوب الشرقية كمركز تاريخي للكنيسة الأرثوذوكسية، إضافة إلى الأهمية الإستراتيجية والتجارية للمضائق البحرية، وقد عرفت هذه الاجتماعات السرية لاحقاً باتفاقية سازونوف سايكس بيكو وعدلت لاحقاً لتصبح اتفاقية سايكس بيكو المعروفة بسبب انسحاب روسيا من الحرب العالمية بعد الثورة البلشفية 1917، وأدى انسحاب روسيا من الحرب إلى فقدها حصتها من أراضي الدولة العثمانية لمصلحة الحلفاء.
الثورة البلشفية وما نتج عنها من انسحاب روسيا من الحرب العالمية الأولى أنقذت تركيا من وقوع إسطنبول بشكل دائم وأبدي تحت سيطرة روسيا، هذا يعني أن الأتراك يجب أن يكونوا مدينين للثورة البلشفية والبلاشفة بالكثير.
خلاصة الأحداث التاريخية أن ما يحصل اليوم في إدلب حصل سابقاً وتحديداً في منتصف القرن التاسع عشر في شمال القفقاس وعلى سواحل البحر الأسود الشرقية، عندما دعمت ووظفت تركيا القبائل الشركسية في حربها ضد الإمبراطورية الروسية لعشرات السنين، الدعم كان مبطناً بدوافع قومية سياسية توسعية تركية ومغلف بشعارات نصرة الدين الإسلامي وتطميع الشركس بدولة قومية ومحاربة مد المحتل الروسي الأرثوذوكسي، في لحظة ضعف وبشطبة قلم تخلت تركيا عن سواحل البحر الأسود الشرقية لمصلحة روسيا ورفعت دعمها الرسمي العسكري والسياسي للقبائل الشركسية، فكانت النتيجة هي احتلال روسيا لشمال القفقاس والبحر الأسود وتهجير وإبادة القبائل (القبائل الغربية فقط) الرافضة للتسوية والعيش داخل الإمبراطورية الروسية، على حين بقيت القبائل الشرقية (داغستان وشيشان واذربيجان) تحت النفوذ الروسي بسلام من دون إبادة وتهجير بسبب قبولها بشروط التسوية الروسية فعاشت داخل الإمبراطورية الروسية مثلها مثل باقي الشعوب المتنوعة التي تعيش في روسيا من مختلف الديانات والأعراق.
بعد أن تخلت تركيا عن الشراكس كان كل ما قدمته لهم لاحقاً هو توطين المهاجرين في أراضيها، كما تفعل حالياً مع اللاجئين السوريين.
تركيا دعمت من اليوم الأول المعارضة السورية الإسلامية وداعش وجيش الإسلام ومجموعات إرهابية عديدة أخرى ضد الدولة السورية لأهداف توسعية قومية تركية وقحة، وبعد تدخل روسيا في الحرب بشكل مباشر في عام 2015 بدعم الجيش السوري بدأت تتساقط القوى المدعومة تركياً تدريجياً، فاستعاد الجيش السوري المدعوم روسياً أراضي واسعة وأصبح قريباً جداً من استعادة الأراضي السورية كافة.
ورطت تركيا الشراكس وتحديداً القبائل الغربية بحرب مع روسيا كانت نتيجتها تهجير الشراكس من أرضهم، وبعد 150 سنة ورطت تركيا وغررت بعدد كبير من السوريين بحرب تحت اسم نصرة الدين والإسلام لأهداف ومطامع توسعية قومية تركية.
وطنت الدولة العثمانية ملايين اللاجئين الشراكسة، في مناطق محددة تتناسب مع مصالحها، والآن تستقبل ملايين اللاجئين وتقوم بتوطينهم بشكل رسمي بإعطائهم الجنسية التركية وتستخدمهم بشكل وقح كورقة ضغط على أوروبا وهي على أعتاب خسارة حرب كانت بغنى عنها، وكان السوريون المغرر بهم بغنى عن زج أنفسهم بنزاع عسكري مسلح ضد جيش وطني رسمي شرعي مكون من جميع أبناء وطوائف وأعراق الشعب السوري.
أدلجت تركيا المعارضة السورية بشكل ديني إسلامي متطرف فاعتقد من يحارب في صفوف المعارضة ضد الجيش السوري أنه يحارب لنصرة الدين والإسلام ضد جيش كافر! تماماً كما حصل في حرب القفقاس مع روسيا! فتحولوا لأدوات ومرتزقة في يد تركيا أرادت مؤخراً إرسالهم للقتال في ليبيا لحماية المصالح القومية التركية هنالك، طمعاً بالنفط الليبي وغاز المتوسط، تماما كما أرسلت العديد من اللاجئين الشراكس للقتال في البلقان ضد صربيا المدعومة روسياً في حرب عام 1870-1877.
النتيجة من لا يقرأ التاريخ لا يمكن أن يتنبأ بالمستقبل، يجب أن يقرأ ويفهم ويتعلم قادة ورؤساء تركيا في المستقبل أن يتجنبوا إقحام تركيا بأي حرب مباشرة أو بالوكالة وطرفها الثاني جارتهم الكبيرة روسيا، نتيجة الحرب النهائية دائماً لمصلحة روسيا، حتى لو خسرت بعض الجولات، والخاسر الأكبر تركيا والضحية دائماً فيها شعوب بسيطة فقيرة مغرر بها.
الصورة توضح اتفاقية سازونوف سايكس بيكو السرية قبل التعديل، كيف اتفق سايكس البريطاني وبيكو الفرنسي وسازونوف الروسي على تقسيم الدولة العثمانية لمناطق خاضعة لنفوذهم وكيف كانت روسيا بموجب الاتفاقية ستسيطر رسمياً وإلى الأبد على إسطنبول والمضائق وغرب أرمينيا لولا اندلاع الثورة البلشفية التي أدت إلى تعديل الاتفاقية وإلغاء غنيمة وحصة روسيا من الحرب العالمية.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن