ثقافة وفن

أعمالي كلّها تمثّل حالة الفرد في المجتمع السوري … محي الدين الحمصي لـ«الوطن»: أعمل كثيراً على اللون الأبيض لأعبّر عن عمق أفكاري

| سوسن صيداوي

مساحات بيضاء، إشراقات لونية، عناصر طبيعية من أسماك وكائنات حية وأشجار، كلها تدور بمساحات وتكوينات حول وجوه، صحيح أنها تبدو للمرة الأولى هائمة ولكنها حقاً تفكر بالأمل لتستشعر الابتسام وبأن تعيش الفرح وتستلذ طعم الراحة والاطمئنان من بعد التعب والخوف والأرق وكل ما خلّفته الأزمة على سورية الوطن بداية وعلى حياتنا ثانية. جاء المعرض الفردي الرابع عشر للفنان التشكيلي محي الدين الحمصي الذي افتتح في صالة «لؤي كيالي» في الرواق العربي التابع لاتحاد الفنانين التشكيليين بدمشق، متضمنا خمسة وعشرين لوحة، بمقاسين متر× متر، 80×80، تلــوّح بالمساحات اللونية البيضاء ومع التكوينات التي تدل على تأكيد الفنان على الحالة التي يطمح لها المواطن السوري، والتي يجسدها الفنان في أعماله عبر الإيمان بأمل المستقبل الأفضل. وللمزيد حول المواضيع والتقنيات والألوان نقدم لكم تغطيتنا للمعرض والذي لم يطلق عليه الفنان عنواناً بل ترك العنوان للجمهور أن يختاره.

من البداية
عن اللوحات والقياسات حدثنا الفنان التشكيلي محي الدين الحمصي عن معرضه قائلاً: «هذا المعرض الفردي الرابع عشر ويضم نحو خمسة وعشرين لوحة، بقياسات مختلفة عما قدمته من أعمال في المعارض السابقة، فالقياسات الحالية جاءت متر× متر، أو 80 ×80، بهذين القياسين فقط، أما المواضيع التي اعتمدتها، فهنا أحب أن ألفت القارئ إلى نقطة مهمة، من الطبيعي أن أكون متأثراً بالوضع العام والذي يشغل بال المواطن السوري، فكل التفاصيل التي تمر بأيامنا والحالات التي ممكن أن تسعدنا أو حتى تؤرّق راحتنا، كلّها مواقف تؤثر في المواطن العادي، فما بالك الفنان؟!، هذا ومن جهة أخرى الحالة الاجتماعية حتى تؤثر فيه، وبإمكان الرسام أن يعكس كل ما ذكرته ويقوم بتجسيده في أعماله من خلال ترجمتها عبر الخط واللون والكتلة، إذاً أعمالي كلّها تمثل حالة الفرد في المجتمع».

تكوينات متنوعة
بمجرد الدخول إلى الصالة نلتفت فوراً إلى التكوينات الواضحة في اللوحات التي تنوعت بين عناصر طبيعية بكائناتها، وحتى العمارة الدمشقية نجدها في زوايا أخرى من اللوحات مع الوجوه الخاصة بالرجال والنساء والغارقة كلها في المساحات البيضاء، ليتابع هنا الفنان كلامه بشرح أوفى «من المعرض السابق اشتغلت على الشجرة كعنصر من الطبيعة الحية، فالشجرة هي رمز الحياة، وتبقى متجذّرة بالأرض رغم كل الصعوبات والتحديات، إذاً هي تشبه المواطن الذي يتحدى اليوم ظروف الأزمة، كما أنها تمثّل الخير والعطاء الذي تمنحنا إياه الحياة. وفي المعرض الحالي أنا ركزت أيضاً على البورتريه «الوجوه» ولكن بطريقة مختلفة عن السابق فهو في هذا المعرض أكثر فرحاً لكوننا نذهب نحو الاستقرار، ما يعنى أن الوجوه متأملة وتفكر بمستقبل غير ظلامي أو أزمي، وهنا أحب أن أذكر بأن المعرض السابق كنت عنونته بـ«إشراقة ضوء ولون» ولكن بالنسبة للمعرض الحالي، أذكر هنا بأننا نستقر ونخرج من الأزمة، وهذا الأمر تمثله اللوحات بإشراقها وشفافياتها وبالمساحات البيضاء المتوغلة بها، وكنت فكرت كثيراً ولم أجد عنواناً مناسباً للأعمال المعروضة، فتركت الخيار للمتلقي كي يعنون الأعمال بما يشعر به أو يراه، بما حاولت أن أوصله من مشاعري بالمرحلة الراهنة من آمال وإيمان بتجاوز المحن عامة».

عن التقنية واللون
في الأسلوب أشار الفنان محي الدين الحمصي إلى أنه عمل في تقنياته على مساحات بيضاء وشفافيات وسماكات، لافتاً إلى أن هذا بالعموم أسلوبه الذي يميّزه ويعمل على تطويره بشكل متواصل كي يثبّت بصمته التي يمكن تمييزها عن غيره «هذا الأمر معروف عالمياً وليس فقط محلياً، فكل فنان خطه وأسلوبه الذي يعمل على تطويره، وصحيح أنا أعمل كثيراً على اللون الأبيض وعلى الشفافيات والسماكات، ما يعبر عن عمق الفكرة من خلال الألوان اللاحقة التي تكمّل اللوحة مع الخط والضوء والكتلة، فهذه العناصر اهتم بها لتجعل اللوحة متكاملة ضمن رؤيتي الشخصية، وبالطبع يصعب على الفنان الحديث عن أعماله بل يترك الحديث للمشاهد الذي يرى اللوحات وفق ثقافته وأفكاره ومشاعره، فأصعب شيء أن يتحدث الفنان عن لوحاته وبماذا كان يفكر عندما رسمها.
وبالنسبة للألوان التي اعتمدتها، أنا أحب العمل بالإكريليك لكونه سريع الجفاف، ويسهّل على الفنان التعامل بمواضيعه وتكويناته إلى جانب اللون الأبيض، هذا ومن جهة أخرى لابد من الإشارة إلى أن الإكريليك من الألوان المتوافرة في الأسواق والتي تناسب الفنان حتى من حيث السعر أكثر من الألوان الزيتية. وبقي هنا أن أشير إلى أنني ممكن أن أستخدم الباستيل والفحم فوق الإكريليك، أو أن أستخدم أنواعاً لونية خاصة، بمعنى أنني أسعى من خلال ثقافتي ومطالعاتي عن ماهية اللون أن أطبق الألوان المناسبة من خلال استخدامي للمواد الطبيعية ودمجها مع الألوان الأخرى».

نقد وعتب
وعن إقامة معرضه في صالة «لؤي كيالي» على الرغم من أنه دائم الانتقاد المحب ودائم العتب على اتحاد الفنانين التشكيليين بدمشق، من حيث النشاطات والمعارض التي تقام في الصالة بحسب منشوراته على صفحته على الفيس بوك، أوضح الفنان «صالة الرواق العربي تحمل اسم «لؤي كيالي» وهذا اسم من أهم أسماء الفنانين التشكيليين السوريين وهو قدوة لنا في مدرسته التشكيلية، وبالتالي هذا الأمر يستدعي من إدارة الاتحاد أن تختار فنانين تشكيليين مخضرمين، وهنا أؤكد أنني لا أفتخر بنفسي، أو أضع ذاتي بمكان رفيع- هذا ليس من طبعي أو مبادئي- ولكن ما أقصده بأنني أشدّ على يد الاتحاد بأن تعطي الفرصة وحتى للمبتدئين من التشكيليين ولكن على أن يكونوا موهوبين ومجتهدين، وحتى أعمالهم لائقة باسم الفنان لؤي كيالي، ومن جهة أخرى بالطبع أنا فنان تشكيلي منتسب للاتحاد وللنقابة ومن ثم من حقي أن أعرض بالصالة وهذا أمر مشرّف لنا جميعاً».

كلمة أخيرة
في نهاية حديثنا مع الفنان محي الدين الحمصي قال: «أتمنى بأن أكون قد وفّقت بمسعاي واجتهادي بأن أقدم للحركة التشكيلية السورية ما يليق بها وعلى الخصوص بهذا الوقت الذي نسعى به أن نتمسك بموروثنا وبثقافتنا كي نترك لأولادنا وللأجيال القادمة هوية سورية، رغم التحديات والمواجهات لطمسها أو تشويهها وهذا الأمر واجب علينا كلنا وكل شخص بمجال عمله».

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن