ثقافة وفن

ابن حزم الأندلسي..  عاشقاً وفقيهاً ومؤرخاً

| د. رحيم هادي الشمخي

ما أجمل حديث الحب، وما أجمل أن تقرأ ما يكتبه المحبون والعاشقون، والأجمل منه أن تقرأ ما يكتبه الأدباء إذا أحبوا، والشعراء إذا عشقوا، والفلاسفة إذا سقطوا فجأة في بحر الحب العذري.
من هؤلاء العاشقين المتيّمين الذين حملوا لواء القلم، ودانت لهم دولة الشعر «ابن حزم الأندلسي»، وقد تذكرت أن له عندي كتاباً محبباً إلى نفسي اسمه «طوق الحمامة في الألفة والألّاف» وقررت إعادة قراءته لي ولكم، ولكي نعرف هذا الشاعر العظيم على حقيقته فإنني مازلت أحفظ له أجمل ما قاله في الحب.
«ما روُيتُ قط من ماء الوصل، ولا زادني إلا ظمأ».
وقد عاش «ابن حزم الأندلسي» أيام المجد العربي في الأندلس الذي جعل من إشبيلية وقرطبة وغرناطة، ولفترة طويلة قلاعاً للثقافة والفن، وكان سياسياً ورجل دولة، مؤرخاً وفيلسوفاً، وفقيهاً واسع المعرفة، حاضر الحجة، واضح البيان، وقد أهدى «ابن حزم» كتابه هذا لصديق له عاشق قال في إهدائه له:
«وكلفني -أعزك الله- أن أُصنف لك في صيغة الحب وأغراضه وما يقع فيه وله على سبيل الحقيقة»، ورغم أنه اختار الحب إلا أنه قد آثر أن يخرج إلى معنى أكثر رحابة وأبلغ عذوبة، فاختار أن يكتب عن «الألفة والألَّاف» ربما استشراقاً للحديث الشريف عن الأرواح «ما تعارف منها وما ائتلف».
والكتاب في الحقيقة يكاد أن يكون سيرة ذاتية، لـ«ابن حزم الأندلسي»، ونقصد هنا سيرته في الحب، الذي آثر أن يعرض فيه تجربته الخاصة، فيكتب عن الحب والعشق لمريديه في جرأة لم تعهدها فنون الكتابة العربية في ذلك الوقت، فماذا حكى الإمام الفقيه «ابن حزم» عن الحب؟ قال: «ولقد وطئت بساط الخلفاء، وشاهدت محاضر الملوك، فما رأيت هيبة تعدل هيبة محب لمحبوبته، ورأيت تمكن المتغلبين على الرؤساء، وتحكم الوزراء وانبساط مديري الدول، فما رأيت تبجحاً، ولا أعظم سروراً بما هو فيه من محب أيقن أن قلب محبوبه عنده، واثق بميله إليه، وصمت مودته له».
ومازلنا نواصل مسيرة الحب والعشق، عند ابن حزم الأندلسي، رحمه اللـه وأسكنه فسيح جنانه.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن