قضايا وآراء

تل أبيب عزّزت يمينها فمتى يتعزّز إيماننا؟

| عبد المنعم علي عيسى

بعدما كانت تقديرات «المصممين» تقول بوجوب تأخير الإعلان عن «صفقة القرن» لحين حسم كفة من سترجح في الانتخابات الإسرائيلية التي كانت مقررة مطلع آذار الجاري، تلك التي جرت في الثاني من هذا الشهر وهي الثالثة في غضون عام، تغيرت تلك التقديرات عند أولئك بدءاً من مطلع هذا العام ليتقرر إعلانها، الأمر الذي حدث أواخر شهر كانون ثاني الماضي الذي كان على مبعدة من تاريخ إجراء الانتخابات لا تزيد سوى بقليل عن شهر واحد، والتغير هنا كان قد بني على أساس أن الإعلان سابق الذكر من شأنه أن يعزز مواقع اليمين الإسرائيلي، الأمر الذي ثبتت صوابيته عبر فوز منقوص لهذا الأخير، بمعنى أن هذا الأخير لا يزال يحتاج إلى تحالفات إسنادية لكي يستطيع الاستمرار في السلطة لكنها، أي عملية الاحتياج، هي بدرجة أقل مما كانت عليه إبان إعلان النتائج في الجولتين السابقتين.
أعلنت قناة الكنيست الإسرائيلية مساء الخميس الماضي النتائج شبه النهائية لتلك الانتخابات بفوز حزب الليكود الحاكم بـ36 مقعداً في مقابل فوز حزب «أزرق أبيض» بـ33 مقعداً، فيما حلت «القائمة العربية» في المركز الثالث برصيد 15 مقعداً وهي أعلى نسبة تحققها على مدار 71 عاماً مضت، لتتوازع بقية القوى والأحزاب المقاعد المتبقية بسقوف كان أعلاها 7 مقاعد الذي حققته حركة «شاس» اليمينية المتطرفة محتلة بذلك مركز القوة السياسية الرابعة في الدولة اليهودية.
إذا ما بقيت خارطة الإعلان السابق على حالها بعد أن ترفع إلى رئيس الكيان يوم الثلاثاء المقبل، وهي على الأرجح ستكون كذلك، فإن أرجحية نجاح بنيامين نتنياهو في تشكيل الحكومة ستكون أكيدة، وبذا فإن أثر الإعلان عن صفقة القرن يصبح واضحاً أيضاً، حيث الزيادة الحاصلة في مقاعد الليكود تمثل هنا تعبيراً عن انحياز شرائح إسرائيلية جديدة للطروحات التي حملتها تلك الصفقة، أما الزيادة في مقاعد القائمة العربية فهو يمثل رفضاً لشرائح فلسطينية جديدة لما يسمى بـ«تطرف» عرب الـ1948، وكلا الأمرين جاءا في مصلحة بنيامين نتنياهو الذي سينجح هذه المرة على الأرجح في تشكيل حكومته.
كانت أولى التداعيات المباشرة لصفقة القرن هي أنها أظهرت حالة استعداد عربية للقبول بطموحات إسرائيل التوسعية التي ارتسمت حدودها عبر اعتراف أميركي بالقدس عاصمة لإسرائيل وكذا بضم الأخيرة للجولان السوري المحتل وصولاً إلى قضم مستوطنات في الضفة الغربية ومن ثم القفز نحو التهام غور الأردن، وهذا كله كانت له تداعياته على شرائح جديدة في النسيج الإسرائيلي الذي تلقف تلك الحالة فظهرت تراجمها في تدعيم مواقع نتنياهو الذي راهن فنجح في رهانه، ولذا فإن هذا الأخير، في حال نجح في تشكيل الحكومة، سيعمد إلى ممارسة أقصى الضغوط لإنجاز عمليات الضم والاستيطان في الضفة والغور عبر تكريس واقع ديموغرافي له امتداداته التي لم تنقطع جذورها منذ توقيع اتفاق أوسلو 1993، ومن ثم الضغط على واشنطن لقطع آخر الشرايين التي تصلها بأونروا تمهيداً لإحالة من ينضوون تحت لوائها إلى المفوضية العليا للاجئين، ما يعني تثبيتاً بالوقائع لمسار إلغاء حق الفلسطينيين بالعودة الذي يمثل من الناحية القانونية عصب قيام الدولة الفلسطينية المرجاة، وفي الغضون ستجري محاولات لمعالجة مسألة النمو السكاني الفلسطيني التي ينظر اليمين الإسرائيلي إليها على أنها المسألة الأكثر إلحاحاً والتي تهدد كيانه، والمحاولات هذه المرة ستتعدى مؤتمر هرتزليا الذي أنشئ أساساً لمعالجة المسألة الديموغرافية في فلسطين المحتلة.
على الضفة العربية سيعمد نتنياهو إلى بث الحرارة في ملفات عدة بغرض إجبار دول «الصمت» العربية على الخروج عن صمتها، والأوراق المرشحة للاستخدام هنا عديدة، بدءاً بملف مساهمة دول الخليج في تمويل صفقة القرن ثم مروراً بملف تعويض اليهود العرب الذين غادروا بلدانهم للحاق بالكيان الوليد بدءاً من العام 1948، ثم وصولاً إلى ملف ترسيم الحدود مع دول الطوق الذي يحتوي بدوره ملفاً شائكاً هو حقول النفط والغاز في شرق المتوسط.
على الضفة الإيرانية من المرجح أن تذهب حكومة نتنياهو المفترضة إلى تصعيد أكبر تجاه طهران انطلاقاً من معطيات عدة أبرزها يرتكز على قراءة تجمع على تبنيها أغلبية غرف صناعة القرار السياسي الإسرائيلي، ومفادها أن الدور الإقليمي الإيراني قد دخل طور الانحسار ما بعد اغتيال الجنرال قاسم سليماني مطلع هذا العام.
دخلت القضية الفلسطينية مع الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة المسبوقة بإعلان صفقة القرن منعرجاً لم يعد نافعاً معه السياسات الكلاسيكية التي تأخذ بعين الاعتبار موازين القوى القائمة إقليمياً ودولياً فحسب، ثمة شيء يجب أن يحدث على الساحة الفلسطينية وهو سيلقى صداه حتماً على الضفاف العربية في الشوارع والأزقة والحارات، بعيداً عن ضفاف الأنظمة، بعد أن أعتقت هذي الأخيرة نفسها من حمل أمانة فلسطين ومن الأيمان الغلاظ التي أقسمت بها على إعادة مشرديها إلى ديارهم.
قد يشي هذا الطرح الأخير بأنه «إيماني» أكثر منه سياسياً، لكن ماذا بقي غير الإيمان مما يمكن الرهان عليه؟

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن