قضايا وآراء

الكرسي والرسالة

| د. بسام أبو عبد الله

لا يزال كثير من المحللين والمتابعين لما يجري من حرب فاشية على سورية يسقطون في فخ نصبه الإعلام المعادي والماكينة الغربية، الأطلسية الصهيودولارية، من خلال التركيز على شخصنة المسألة السورية، أي ربط كل ما جرى من حرب ودمار، ومواقف سياسية، أو تحولات أو انعكاسات بشخص الرئيس بشار الأسد، والحقيقة أن الآلة الإعلامية والدعاية الغربية نجحت إلى حد ما في فرض هذا الإيقاع، وهذا النمط في التحليل والتفكير، بهدف تسهيل تفكيك سورية وتدميرها، والوصول إلى الأهداف الإستراتيجية الموضوعة.
لقد اعتمدت آلة الدعاية المعادية على محورين أساسيين منذ تسع سنوات، الأول: أشرت إليه وهو ما يسمى بعلم النفس الإعلامي، بـ«شخصنة المسألة»، والمحور الثاني هو «البعد الإنساني» وهو جانب يستدر عواطف الناس والشعوب والرأي العام، بهدف شيطنة الدولة السورية، وشيطنة شخص الرئيس الأسد، الذي قدم نموذجاً فريداً في الصمود والصبر والحكمة والذكاء، في إدارة ومواجهة هذه الحرب الفاشية، والنادرة في التاريخ الحديث من حيث أدواتها ووسائلها وحجم التضليل فيها.
في بُعد «شخصنة المسألة السورية» لاحظوا معي أن مصطلحات الإعلام الغربي والبترودولاري والصهيوني ركز طوال سنوات تسع على ما يلي:
نظام الأسد، جيش الأسد، ميليشيات الأسد، دعم روسيا للأسد، دعم إيران للأسد، إخفاق الأسد، نجاح الأسد… الخ. من المصطلحات التي تهدف للقول: إن التمسك بالكرسي والسلطة هو سبب الحرب الفاشية على سورية وشعبها، وإن السوريين سوف يبقون محاصرين اقتصادياً إذا ظلوا يدعمون الرئيس الأسد، وهذا هو المقصود من «قانون قيصر» الإرهابي، وغيره من الإجراءات القسرية أحادية الجانب، التي اتخذتها الولايات المتحدة، أو الاتحاد الأوروبي، لا بل إن ممثل الرئيس الأميركي دونالد ترامب في الشأن السوري جيمس جيفري ذهب بالخيال أبعد من ذلك عندما اعتبر أن بقاء الرئيس الأسد في السلطة كان سبباً في قدوم وتشكل التنظيمات التكفيرية الإرهابية، أي إنه السبب في نمو وترعرع الفكر التكفيري، وأذرعه الإرهابية.
حتى بعد معركة إدلب الأخيرة التي صعقت النظام الغربي، عادت الدبلوماسية الغربية لاستخدام المصطلحات نفسها، التي استخدمتها عام 2011 مع بداية الحرب، أي إن الحل حسب زعمهم هو: إسقاط نظام الأسد، كما يقولون، وكأنهم لم يتعلموا، ولم يفهموا، ولم يأخذوا دروساً وعبراً حتى الآن، فهم يكررون الأسطوانة المشروخة نفسها، ويعودون بعد تسع سنوات لتكرار عبارات ممجوجة ومفضوحة، ومكشوفة ولم تعد تنطلي على أحد، وبالرغم من تبدل الوجوه والشخصيات، لكنهم لم يبدلوا إستراتيجيتهم أبداً، وحسب جيمس جيفري فإن إستراتيجية الولايات المتحدة الأميركية لم تتغير تجاه سورية، وإنما الذي تبدل هو التكتيكات، أي بعد هزيمة الإرهاب أو قرب هزيمته، جهزوا الحصار الاقتصادي، والضغط الدبلوماسي، وتشويه السمعة، وشيطنة الدولة السورية، والرئيس الأسد، وهذه قضية كان جوابها الجماهيري في الانتخابات الرئاسية عام 2014، وآنذاك بلعوا ألسنتهم، وهم يتحضرون لانتخابات 2021 علهم يحققون شيئاً مما فشلوا في تحقيقه عبر الإرهاب والحصار والعدوان.
ما يذهب إليه البعض في تحليلاتهم، وحتى للأسف من كبار المحللين، إلى أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لا يدعم الرئيس الأسد شخصياً! وكأن ما يجري في سورية هو قضية شخصية بين الرئيسين بوتين والأسد، وأن كل هذه الحرب، وكل هذه التضحيات من أجل الكرسي، وهو تحليل سخيف ومضلل، لأن القضية في سورية ليست شخصية، وإنما وطنية وعروبية، وترتبط بصراع إستراتيجي يقول: أي عالم جديد نريد؟
إن مجرد محاولة البعض ترسيخ هذا الانطباع في ذهن الجمهور والرأي العام يخدم من حيث يدري أو لا يدري آلة الدعاية الغربية، والأسس التي قامت عليها منذ سنوات تسع، وبالتالي فإن تفنيد هذا الطرح مطلوب منا جميعاً، وخاصة أن الرئيس الأسد عبر مقابلاته الصحفية وخطاباته ولقاءاته المختلفة رد على هذا الطرح مراراً وتكراراً، حيث أشار باستمرار إلى الأفكار التالية:
• أنا باقٍ في موقعي بإرادة شعبية.
• لن أبقى يوماً واحداً في مكتبي عندما يقرر الشعب ذلك.
• روسيا لا تدعم شخصاً، وأنا باقٍ بإرادة شعبية.
• لا يمكن لرئيس أن يواجه هذه الحرب من دون دعم شعبه، وهذا هو المنطق الصحيح.
• كيف يمكن أن أستمر من دون دعم الشعب، عليهم أن يسألوا أنفسهم.
هذه الأفكار كلها والردود، التي أطلقها الرئيس الأسد هدفت لتفكيك هذه الدعاية، وحملات الشيطنة والشخصنة لإخفاء الأهداف الحقيقية لهذه الحرب الفاشية على سورية وشعبها.
إن ما يجب التأكيد عليه أن خصومنا وأعداءنا يحضرون ويعملون منذ الآن للانتخابات الرئاسية عام 2021، ولذلك عادوا للنغمة القديمة نفسها، وسوف تزداد هذه الحملة شراسة منذ الآن وحتى ذلك الموعد، وما يجب أن نؤكده نحن أن الرئيس الأسد يحظى بدعم أغلبية أبناء شعبه، ومن دون ذلك لا يمكن له أن يتابع هذه المواجهة القاسية، وقد أشار في أحد اللقاءات الصحفية مع إحدى الصحف البريطانية إلى أنه يستمد الأمل من شعبه وتضحياته، ومن الجيش البطل، حينما يشعر باليأس، والحقيقة التي يجب أن نقولها بوضوح شديد إننا أيضاً نستمد الأمل منه دائماً، وهي معادلة قلناها منذ زمن بعيد: شعب وجيش وقائد، ومن يريد أن يعرف دور القائد في الحرب عليه أن يراجع تاريخ الشعوب والدول ليعرف أكثر، وهو أمر مفصلي ومهم، ولكنه ليس حالة مجردة من دون حوامل شعبية واجتماعية.
أعداؤنا سوف يستمرون بحملتهم وتضليلهم، ولكن الخطر أن نقع في الفخ نفسه، ونكرر كالببغاوات ما يرسلونه إلينا، فالرئيس الأسد يمثل قيماً ونهجاً ومبادئ متجذرة في تاريخ الشعب السوري، ونضاله الوطني والقومي، وسورية صحيح أنها دولة صغيرة المساحة، لكنها كبيرة في فعلها وصمودها، ودولة صاحبة رسالة، ووزن تاريخي نوعي، وفقاً لما قاله الرئيس الأسد في إحدى مقابلاته، والقائد الرئيس هنا حامل هذه الرسالة، ومؤتمن عليها لأنها تمثل ضمير شعبنا، وخلاصة نضال أجياله وكفاحها، أما السذج والمغرضون والأعداء فما زالوا ينظرون للكرسي فقط، والكرسي لا قيمة له من دون رسالة تعكس ضمير الشعب ونبضه الحقيقي.
أعداؤنا يفهمون ذلك تماماً، ولذلك يكثفون الهجوم والتشهير والشخصنة، في محاولة لطمس دور حامل الرسالة، والمؤتمن عليها، والمؤمن بها، ومن يريد أن يعرف بوضوح أكثر عليه أن يقرأ رسائل الرئيس الأسد الداخلية والخارجية، ورؤاه، ويقارن مع ما يطرحه الأعداء، وصعاليك من أسموا أنفسهم «معارضات».
دفاعنا ومعركتنا المقدسة مع القائد الرئيس مستمرة، لأننا ندعم الرسالة، وضمير الشعب وليس الكرسي الذي يتطلع إليه الطامعون والطامحون من دون مضمون، وهناك فارق كبير بين القائد الرئيس والكرسي وحده من دون رسالة ومضمون، وهنا تكمن سذاجة البعض، وضحالة البعض الآخر.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن