ثقافة وفن

قراءة معمقة في كلمات الرئيس بشار الأسد القائد القومي … الرئيس الأسد: هل ننكر سورية لأن بعض أبنائها انقلبوا عليها وتحولوا إلى تكفيريين؟

| إسماعيل مروة

حين يكون الموضوع من الأهمية بمكان، ومن العمق في الطرح والتحليل، وغايته الوصول إلى نتائج يبنى عليها، وحين يكون موضوع الدراسة كلمات قائد قومي استثنائي هو السيد الرئيس بشار الأسد الذي أبهر العالم بعمقه وحضوره وجرأته، ومواقفه وتبحره، ورؤاه المستقبلية على المستويين الإقليمي والعالمي، حين يكون الأمر كذلك فإننا بحاجة إلى دراسات جادة تبتعد عن الإنشاء والبساطة والغايات، وهذا ما انتدبت إليه نفسها الدكتورة نجاح العطار نائب رئيس الجمهورية للشؤون الثقافية، ففي كتبها ومشروعاتها قدّمت سلسلة متكاملة لتاريخ سورية وثقافتها وفنها وحضارتها، من خلال المعايشة والإشراف والمسؤولية، واليوم يصدر عن مكتبها وبتقديمها الأدبي الراقي، والسياسي المحكم، والثقافي العميق كتاب هو من الأهمية بمكان (القائد القومي- بشار الأسد) في مجلدين من تحليل خبيرين متخصصين هما الدكتور خلف الجراد، والدكتور إبراهيم علوش، والأهمية تنبع من جانبين الأول في الموضوع المطروح وطرائق مناقشته ومعالجته، وهو كلمات الرئيس بشار الأسد خلال عقدين من الزمن، والثاني أن العمل يصدر عن إشراف ورعاية لسيدة الأدب واللغة والبلاغة ومنهجية التفكير الدكتورة نجاح العطار بشخصها ومعرفتها وخبرتها ومعاصرتها ومسؤوليتها.

د. نجاح العطار: أزحتَ رماد المحنة وفتحتَ صفحات التاريخ ليتعانق اللهب والمجد

 

العنوان ودلالاته (القائد القومي)

أعلم من خلال تشرفي بالعمل ضمن أحد المشروعات مع السيدة الدكتورة نجاح العطار عنايتها ودقتها في اختيار كل كلمة ومصطلح، ولا أظن أن البحث عن صيغة كان مرهقاً، فهي الخبيرة والمسؤولة والمتذوقة، اختارت مع فريق العمل عنواناً دالاً هو (القائد القومي) وأهمية العنوان في منطقيته ودلالاته، فقد شهدنا أحداثاً في عدد من الدول العربية، وهي دون المؤامرة الكونية التي استهدفت سورية، ومع ذلك صرنا نسمع من المسؤولين والناس في تلك البلدان دعوات انعزالية تنادي بالبلد أولاً، وتدعو إلى ترك ما عداه لأنه لم يكن مفيداً، حسب رأيهم، في هذه الأزمات، أما القائد الأسد فمنذ تسلمه مقاليد الرئاسة كان قومياً، وأكثر ما ظهرت تلك العلائم في قمة بيروت العربية، فكان القائد الذي تعنيه مصالح الأمة العربية والتي تتحقق من خلالها مصالح سورية ضمناً، وحين بدأت المؤامرة على سورية، وشنت الحرب الكونية الظالمة التي استهدفت سورية وتاريخها وحضارتها وإنسانها، وشاركت فيها دول عربية بشكل مباشر وبشكل غير مباشر، كان الرئيس الأسد منسجماً مع رؤاه وتاريخه، وبقي قائداً قومياً في توجهاته، وحرصه على الدول العربية لا يقل عن حرصه على سورية، ولم يظهر في سورية أي دعوة لسورية أولاً، بل إن بعض الدعوات التي خرجت هنا وهناك تلاشت حين رأت ثبات الموقف القومي لسيادته، وعادت جميع الأصوات إلى البيت القومي الذي يمثل ركيزة فكر القائد الأسد.. وبقيت القضية الفلسطينية القضية المحورية والأساسية، ولم تتأثر النظرة السورية والسياسة القومية ببعض ما صدر عن فصائل وقيادات احتوتها سورية، وتخلت عنها في الحرب، بل انقلب بعضها إلى صف الأعداء.. ومع الوقت ظهرت صوابية الموقف القومي للسيد الرئيس وسورية، بل تبين أن الموقف القومي هو الذي درأ عن سورية ما كان يحاك ضدها، وسبب النجاة على المدى الطويل للبلدان العربية، بما فيها تلك التي وقفت ضد سورية وناصبتها العداء، فهل هناك أكثر صوابية من عنوان أساس للمجلدين يعنون بالقائد القومي؟

العنوان الفرعي ودلالته

القسمان حملا عنواناً فرعياً تفصيلياً (قراءة تحليلية- مفاهيمية) والأول اختص بالعقد الأول من عام 2000 إلى 2010 والثاني اختص بالعقد الثاني من عام 2011 إلى 2020، وهذا التقسيم له أهمية كبرى، فالعقد الأول كان من رؤية السيد الرئيس في البناء والتطوير والتحديث، والثاني كان من موقف سيادته في مجابهة المؤامرة والحرب الكونية على سورية، وشتان ما بين خطاب سلام وخطاب حرب، بين مواجهة الدولة وبنائها، ومواجهة الأعداء والإرهاب الذي جاء من كل حدب وصوب، وقد اختار العنوان مصطلحين، الأول التحليل والثاني المفاهيمي، وهذا يضع الكتاب الموسوعي في إطار الدراسات النصية التي تعتمد النص والتحليل، وتبعده عن التأليف المؤقت الذي يكون هوامش على النص، لأن العنوان دال على الدخول في عمق النص ودلالاته، ولعل تقسيم الكتاب إلى قسمين من أهم الركائز، فالأول يتناول مرحلة الاستقرار والانطلاق، والثاني يتناول مرحلة الحرب على سورية، ومن المؤكد أن الخطاب السياسي يختلف اختلافاً كبيراً بين المرحلتين اللتين عاشتهما سورية، واللتين كان فيهما الرئيس الأسد على تواصل يومي مع المواطنين، وفي كل مرحلة، وهو ما أعطى الخطاب سماته ومحدداته لكل مرحلة، ومن هنا تنبع أهمية أن تسند السيدة الدكتورة نجاح العطار أمر تحليل الخطاب ومفاهيمه في كل مرحلة من المرحلتين إلى باحث مختلف، ليكون اختمار الخطاب السياسي عند الباحث محصوراً فيما يذهب إليه، وخاصة أن التحليل والمدلولات والمفهومات تختلف باختلاف الظروف والوقائع.

التخصص والتحليل

الباحثان المشاركان في قراءة خطاب الرئيس الأسد لهما تجربة معمقة في السياسة والتحليل، ودراستهما الأولى قائمة على التحليل، فهما باحثان متخصصان، وليسا مجرد محللين أو إعلاميين أرادا تقديم رؤية ما، وهذا أعطاهما أبعاداً إيجابية إضافية، كما أعطى الكتاب عمقاً في القراءة والتحليل والغاية، وفي الوقت نفسه أعطى الكتاب الصفة النقدية التحليلية المعمقة التي تحوله إلى مرجع موسوعي مستقبلي، يقدم الخطاب السياسي القومي في مرحلته إلى الأجيال القادمة، ما يسهم إسهاماً كبيراً في تعزيز الفكر القومي الذي كان منطلق الرئيس الأسد قولاً و فعلاً.

العقد الأول

ما بين 2000 و2010 العقد الأول، تناول الدكتور خلف الجراد الكلمات الجماهيرية والرسمية للرئيس الأسد، جاء الكتاب في بابين كبيرين، وكل باب ضمّ سبعة فصول، وقد احتكم المؤلف إلى الغاية والمنهج، ولم يتتبع المنهج الزمني في تناول الأحاديث مرتبة، وقد كرّس الفصل الأول للحديث عن الدلالات والمفهومات والمصطلحات التي سيناقشها مسترشداً بالكتب والدراسات التي تتحدث في المصطلح والمفهوم ليقوم بعملية إسقاط على كلمات الرئيس الأسد، فبدأ بالمفهوم.. مجموع الصفات التي يدل عليها اللفظ في ذهن فرد معين، أو في أذهان معظم الأفراد في إحدى الجماعات، ويسمى بالمفهوم الذاتي» وينقل بأن المفهومات غير ثابتة، ما يتيح له تطبيق المفهومات على مجمل الكلمات والأحاديث، وفي ذلك إشارة إلى دينامية المفهوم، وقدرته على أن يكون ملائماً لحقبة ما، ولفكر ما، ولمكان ما.. المفاهيم ليست جامدة وليست نهائية وليست مطلقة، بل هي في عملية التطور والتغيير ترقى إلى رتبة الانعكاس المطابق للواقع، والمفاهيم تعطي المعنى لكلمات اللغة، والوظيفة المنطقية الرئيسة للمفاهيم هي أنها تنتقي – في الفكر ومن خلال صفات محددة- تلك الأشياء التي تهمنا من وجهة نظر الممارسة والمعرفة».
ضمن هذه الأطر النظرية والتنظيرية بين المقاربات والدلالات والمفهومات والمصطلحات يجول الدكتور خلف الجراد ليبدأ بذلك مناقشة الكلمات وتحليلها، مستلاً المصطلحات والدلالات، ومحاولاً تطبيق ذلك على الخطاب السياسي للرئيس الأسد، حيث يتناول:
– تفكيك وتصحيح المفاهيم المضللة والمصطلحات الزائفة.
– التمييز بين مصطلحات متقاربة الجذور والتفريق بينها (الواقعية والوقوعية).
– تعميم مصطلحات ضرورية (الشفافية).
– بين المنصب والموقع والمسؤولية.
– الهوية والبعث والعروبة والنهوض الحضاري.
– النظام الدولي الجديد والعولمة الرأسمالية الشاملة.
– المقاومة والإرهاب.
– الإعلام العروبي والمتصهين واللغة واحدة هي العربية.

ومن الأمثلة الناصعة على ذلك تلك السيرورة التي نالها مصطلح الشفافية، وصرنا نجد كثيرين يتحدثون عن الشفافية لمجرد أنه تم طرحها في كلمات الرئيس الأسد، وأمام هذا المصطلح يقف الرئيس مبيناً حدوده ومصطلحه بغاية البساطة، وبعيداً عن المعجمية والتنظير.
هل أتعامل بشفافية مع نفسي أولاً ومع أسرتي ثانياً ومع محيطي القريب والبعيد والدولة والوطن ثالثاً. فمن يستطع أن يعطي جواباً بالإيجاب يعرف معنى الشفافية وهو من يستطيع أن يقدر أبعادها ويمارسها في أي موقع كان. فكيف نطلب من إنسان، مثلاً، لا يصدق في حياته الشخصية ومع أقرب الناس إليه أن يكون مسؤولاً صادقاً تجاه مسؤوليته وتجاه الشعب؟
وإذا كان غير واضح في مراوحاته، فكيف نطلب منه أن يكون شفافاً عندما يتولى منصباً ما؟
وينتقل المؤلف من هذا النص المعبر إلى القول: يساند هذا الرأي كثير من علماء الاجتماع والثقافات المقارنة، الذين يركزون على أن موضوعي الشفافية والفساد يتعلقان بالثقافة العامة والتقاليد.

بين المقاومة والإرهاب

كثيرة هي المفاهيم التي تختلط على الناس، وخاصة في ظل الهيمنة الإعلامية والضخ الإعلامي الكبير والمضلل، والوقوف عند هذه المفاهيم كان سياسة الرئيس الأسد منذ بداية عهده، لأنه أراد أن تكون هذه المفهومات واضحة وجلية لدى السوريين والعرب عامة والعالم، وقد يكون الرئيس الأسد الوحيد الذي وقف عند هذه المصطلحات، وحاول إزالة اللبس والغموض عنها، وبطريقة منهجية وتاريخية واستدلالية وتشريحية، وفي وقت لم تكن هذه المفاهيم والمصطلحات قد دخلت دائرة الجدل الذي نعيشه اليوم في فوضى عالمية غير خلاقة، وما نراه اليوم من خلط حتى لدى المواطن العربي لم يكن موجوداً في العقد الأول، لكن الحسن السياسي، والحس بالمسؤولية لدى الرئيس الأسد جعلاه يقف في مرحلة مبكرة في محاولة البيان والشرح، ولو أن الشرائح المستهدفة وقفت عند هذه الشروح لما وصل الأمر إلى ما وصل إليه، سواء ما تعلق بالإسلام الحضاري والإسلام السياسي، أو ما تعلق بالحديث عن الإرهاب والمقاومة، ونذكر أن فكرة الإرهاب لم تكن قد طرقت مجتمعاتنا كما هي اليوم عندما طالب الرئيس الأسد بتعريفها وبيان موقفنا منها، وكثيرون يومها استغربوا من هذه الأحاديث ولم يضعوها في سياقها التاريخي والاستشرافي، ولهذا اختار المؤلف في هذا الكتاب أن يستخلص أهم المحطات التي كانت من بيان للمفاهيم وتمييز للمصطلحات في كلمات سيادته، ففي معرض حديثه طالب، لأنه أدرك بحدسه وخبرته، بالتمييز بين الإرهاب وحق الشعوب في المقاومة، وقد عاد المؤلف ليعضد رأيه إلى قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة، ومن ثم بدأ بقراءة كلمات الرئيس حولها بما ينسجم مع قرارات الأمم المتحدة، وتطلعات الشعوب إلى الحرية والخلاص من الاحتلال والهيمنة.. «طالبنا البعض بالالتزام بمكافحة الإرهاب، طالب كل العرب بشكل عام، وكأن كل تاريخنا في مكافحة الإرهاب وكل البيانات التي صدرت قبل 11 أيلول وبعد 11 أيلول لا تكفي لتدل على أن العرب هم ضد الإرهاب، وهم أول من كافح الإرهاب. سورية كانت من أوائل الدول التي دعت إلى عقد مؤتمر دولي في العام 1985 لتعريف ومكافحة الإرهاب، وأرسلنا وفداً ليزور عدة دول أوروبية، وكانت النتيجة أنهم لم يهتموا بهذا الطرح. طبعاً الدول العربية الأخرى قامت بشيء مشابه.
طالبنا الدول الغربية بالتفريق بين المقاومة والإرهاب، ولكنهم طبعاً تهربوا، هذا كان بعد 11 أيلول، قالوا الآن ليس وقت تعريف الإرهاب، وأن هذا غير ممكن.. هم يريدون أن يكافحوا عدواً لا يعلمون عنه شيئاً ولا يعرفون ما ماهيته.. لا توجد رغبة في تعريف الإرهاب.. على كل الأحوال إسرائيل نموذج حي بالنسبة لنا. لمن لا يفهم الإرهاب عليه أن يذهب ويراه بشكله العملي، وأعتقد أن كل العالم الآن أصبح يعرف، لكن أحياناً لا يريدون أن يعترفوا بهذه الحقيقة..».
وتستمر العملية التأويلية التحليلية للمفاهيم والمصطلحات، وكل ذلك بهدي من الكلمات التي أراد الرئيس الأسد أن تكون واضحة تماماً.

بين الفكر والممارسة

الباب الثاني خصصه الباحث بعد المفاهيم للعلاقة التفاعلية بين النظرية والتطبيق، فتناول تجربة التطوير والتحديث، والسوق الاجتماعي وعملية السلام وملابساتها وجوهر عملية السلام، والنظام الدولي الجديد، والأمن القومي العربي، والدولة الوطنية والسيادة، وفي مجملها قضايا جوهرية في ضوء المفاهيم التي طرحت في خطاب الرئيس الأسد السياسي، ولأنه من الصعب الإيجاز والاختصار، فإنني أقف عند رؤية السيد الرئيس وقراءته للنظام العالمي الجديد:
«النظام العالمي الجديد: في الواقع يمثل مشهداً متكاملاً لغياب التوازن في عالمنا الحالي، وهذا التوازن المقصود ليس بالضرورة ذا طبيعة اقتصادية أو عسكرية بل هو توازن قيم وأخلاق ومفاهيم، هو توازن عدل وإنصاف بين الشعوب والأمم، بين الغرب والشرق، بين الشمال والجنوب، فلا يجوز أن توصف المقاومة من أجل تحرير الأرض نضالاً في مكان ما وإرهاباً في مكان آخر..».
وهذه الرؤية العميقة التشريحية كانت قبل أن تحدث الفوضى في البلدان العربية، وقبل أن تُشن الحرب على سورية، فالرؤية كانت أكثر عمقاً وتحليلاً لما تمّ استدراج المنطقة إليه.

العقد الثاني

الكتاب الثاني من هذه القراءة اختص به الدكتور إبراهيم علوش، وهو صاحب تجربة سياسية كتابة وحياة، وجاء الكتاب في تسعة فصول متتابعة، وعنونها عنواناً إضافياً (خطاب سنوات الحرب، وهو يضمّ الكلمات من 2011- 2019، وضمّ مقابلات تلفزيونية بنصها للسيد الرئيس، وقد جاءت الفصول: قراءة في الحرب السورية من خلال مصطلحاتها، الإصلاح سياسياً وسياسة الإصلاح، ورشة الإصلاح الإداري، نحو إستراتيجية وطنية لمكافحة الفساد، الاقتصاد السوري حرب على جبهات متعددة، قراءة في طبيعة الحرب السورية، الإسلام والتطرف والإسلام السياسي، القومية العربية والهوية الوطنية السورية، الحرب السورية كامتداد للصراع العربي- الصهيوني.. والقارئ يلحظ ذلك التشابك بين الكتابين الأول والثاني والتقاطع في مفاهيم بدأت قبل الحرب وبقيت مستمرة في قراءتها وتحليلها في أثناء الحرب، وخاصة تلك المتعلقة بالداخل والمواطن وحياته ومعالجة مشكلات الإدارة والفساد الإداري، وما يتعلق بذلك، وقراءته للإسلام والإسلام السياسي تعد امتداداً لما جاء في الكتاب الأول من حديث سيادته عن الإسلام الحضاري وانفتاحه وبراءته من كل ما يحاول أعداء العروبة والإسلام إلصاقه به بعد نشوء فكرة صراع الحضارات ونهاية التاريخ إلى العلن، ويتميز الكتاب الثاني بتناول الخطاب والكلمات في الحرب، لما لهذا الخطاب من خصوصية تختلف اختلافاً تاماً عن الخطاب قبل الحرب، وفي هذا السياق يستخلص المؤلف من مجموع كلمات الرئيس الأسد ما جاء نتيجة الحرب على سورية، وها هو يأخذ مصطلحاً وقف عنده الكثيرون، وحاولوا تفسيره وتأويله كما يشاؤون (الرمادية)، ولكن الحرب جعلت أمر تحديده بدقة ضرورة «يكون هناك أحزاب داخلية، أو تيارات سياسية أو أشخاص سوريون في حالة خلاف أو تنافس أو تناقض، فيتخذ المرء موقفاً لا مع الأول ولا مع الثاني ولا مع الثالث أو الرابع، أما عندما تكون القضية وطنية، أي عندما يكون الوطن مستهدفاً، من إرهاب مدعوم من الخارج أو من احتلال، فأنا حتماً مع وطني، وإلا أكن خائناً، فالرمادية الوطنية غير مقبولة..
إن تحديد المصطلح وشرحه ضرورة، ووضعه في سياقه من الأهمية بمكان، فالرمادية مرفوضة في حالتها مع الوطن، وتصل الرمادية إلى مرحلة الخيانة.

الفساد والحرب

يتحدث كثيرون عن الفساد وضرورة محاربته، وفي أكثر من محطة، كما يأتي المؤلف، وفي كلمات عديدة، وفي الحرب، توقف السيد الرئيس عند الفساد والحديث عنه، لكنه حديث المسؤول الذي يدخل في الجوهر والعمق، وليس الوقوف أمام ظاهرة بسيطة آنية:
«يجب التحدث بشكل شمولي إذ لا يجوز رؤية نهاية السلسلة فحسب، فالفساد ليس سرقة أموال الدولة فقط أو الاستفادة غير المشروعة، فالإهمال بالعمل هو فساد، والخلل على المستوى التنفيذي الذي يلحق ضرراً بالمصلحة العامة أيضاً فساد، فمن دون مقاربة منهجية لا يمكن توقع إلا نتائج غير محدودة وجزئية» وهذا من حديث كان عام 2017 وفي عز الحرب نجد أن السيد الرئيس يتناول الأمور بمنهجية علمية غاياتها غير آنية.
وفي إطار المفاهيم يتحدث السيد الرئيس عن الإرهاب التكفيري فيقول: «أما آفة الإرهاب التكفيري فلم تضرب سورية وحدها، وهي لا تمثل الصحراء أو البادية، بمقدار ما تمثل من احتضنوها وغذوها ووظفوها سياسياً، الذين كانوا ويبقون الإمبريالية والصهيونية والرجعية العربية والتركية، على الرغم من كل نقاد اللغة الخشبية بيننا. كما أن من تأثروا بالفكر التكفيري لم يأتوا من الأقطار العربية والإسلامية فحسب، بل كان بينهم سوريون، وكان السوريون بينهم أكثر من بقية العرب، فهل ننكر سورية لأن بعض أبنائها انقلبوا عليها أو تحولوا إلى تكفيريين؟».
إن اختياري لهذا المقطع ليبين وضوح المفاهيم وحدودها، ولتعزيز ما بدأت به من حديث عن القائد القومي، الذي يبحث عما يجمع بين العرب لا عما يفرق، ولا يحمّل الآخرين أسباب ما حدث، بل يعزو بعلمية مطلقة الأسباب إلى الأشخاص سواء كانوا سوريين أم لم يكونوا.
إن كتاب (القائد القومي بشار الأسد) بقسميه هو موسوعة تحليلية أنجزت للأيام القادمة، وتوثيق كلمات السيد الرئيس وغاياتها ومفهوماتها، وقد استطاعت هذه الموسوعة أن تستخلص بخبرة ما تود الكلمات أن تقوله وتعبر عنه.

أخيراً

من الصعب إيجاز ما جاء في هذا الكتاب الذي تجاوز 800 صفحة، أو تلخيص ما أراد أن يقوله، لذلك أكتفي بإشارات بسيطة، ولا بد من العودة إليه، لإظهار النص السياسي على مدلولاته وحقيقته التي تختلف عن الخطاب السياسي لدى قادة آخرين، فالرئيس الأسد كان رائداً في تحديد المفهومات والدلالات للوصول إلى الغايات الأساسية في بناء وطن ومواطن.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن