قضايا وآراء

كورونا.. غفوة سياسية

| مازن بلال

المشهد الدولي يقدم «تهافتاً» سياسياً أمام وباء «كورونا»، حيث باتت ذروة الأزمة للنظام الدولي خارج ما هو متوقع، فالمسائل العالقة وعدم القدرة على رسم توافقات لم تنفجر على المستوى السياسي، إنما وضعها الوباء الحالي ضمن اختبار القدرة على مواجهة حالة عالمية؛ تذكرنا بالانهيارات الكبرى قبل الحربين العالميتين، وإذا كان التنافس السياسي على الأسواق قاد العالم نحو الحروب، فإن الظرف الحالي سيقود إلى حروب تبقى الأسواق في جوهرها، لكنها على خلاف جميع الأحداث التاريخية مواجهة لجوهر النظم الدولية.
المهم في الأزمة الدولية أن انعكاساتها على الحدث السوري ضمن مساحة مختلفة عما كان يحدث سابقاً، فرغم أن الحدث يطول الجميع لكنه في المقابل يختبر القوة للدول بالدرجة الأولى، وفي سورية التي خرجت قبل أسابيع من مواجهات في شمالها فإنها أمام مواجهة أخرى؛ مرتبطة أساساً بالقدرة على التحكم الاقتصادي ضمن واقع دولي وإقليمي متهالك، فما يحدث في العالم ربما ينعكس في سورية ضمن تأثير مختلف، فهناك بالدرجة الأولى «غفوة سياسية» أغلقت الدول على نفسها، وجعلت من المنظمات السياسية الدولية هياكل تستند للمؤسسات التقنية مثل منظمة الصحة العالمية، وهذا الواقع سيدفع مناطق التوتر في سورية بضعة أشهر إلى الأمام، فلا أحد مستعد للاجتماع أو التحرك من أجل الحل السياسي.
عملياً فإن اتفاق إدلب لم يتغير، إلا أن الظرف الدولي جعل روسيا وتركيا وحيدتين في المرحلة الحالية على الأقل، فالعالم معزول ضمن كانتونات بما فيها جيوشه التي باتت تملك مهام وطنية، وبغض النظر عن تفاصيل وباء كورونا فلا أحد يعرف متى ستضطر الجيوش للقيام بمهام داخلية فيما لو استمر تفشي الوباء، وهذا الأمر ينطبق على كل من روسيا وتركيا اللتين ستسيّران دوريات مشتركة في محافظة إدلب.
هذه الصورة للغفوة السياسية لا تعني أن الصراع الدولي سينتهي ضمن الحدود المغلقة للدول، بل على العكس لأنه سيلعب أدواراً في كسر حدة الأزمات العالقة مثل الأزمة السورية، وإخضاعها لميزان قوى مختلف لا يرتبط بالواقع العسكري، إنما بقدرة الدول المنخرطة بالصراع على تحمل الانهيارات الاقتصادية ابتداء من حرب أسعار النفط مروراً بتكسر خطوط التجارة نتيجة الوباء وانتهاء بالأزمة البنيوية للنظام الدولي، فنحن أمام مواجهة في القدرة على التحكم بانعكاسات الأزمة على الدول وسورية واحدة منها.
مشكلة كورونا أنه سيفتح الباب لمعالجات غير مألوفة، وهي معاكسة للرؤية الدولية في وجود عالم متواصل لأبعد الحدود، وفي سورية التي تم «الحجر» عليها أوروبياً وأميركياً على الأقل نحتاج لفهم المساحات المتاحة لنا ليس لمواجهة الوباء فقط، بل لما يمكن أن يحدثه من خلل في النظام الدولي، الذي سيؤثر بالضرورة على سورية التي تتقاسم المواجهة فيها دول دخلت في الأزمة العالمية.
لا شك هناك تهويل إعلامي لمستوى الوباء، فخطورته حقيقية ولكن ردود الأفعال عليه تدفع الكثير من الأسئلة إلى الواجهة، وبغض النظر عن المشهد العالمي فإن الأسئلة المرتبطة بسورية أساسية لأنها متعلقة بجوانب سياسية ستظهر تباعاً، هذا إضافة لواقع اقتصادي ربما ينكمش أكثر متأثراً بما يحدث دولياً، فالمواجهة في سورية مزدوجة لأنها مع الوباء في حال انتشاره ومع الواقع الدولي الذي سيرتسم سريعاً مع نهاية العام الحالي الذي سيشهد على الأقل محاصرة للوباء وللدول الكبرى، في أوروبا على سبيل المثال، التي فشلت في هذا الاختبار الدولي.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن