قضايا وآراء

ترامب وشركاؤه والأعجوبة الثامنة

| د. يوسف جاد الحق

إذا كان لنا أن نصدق مع المصدقين بأن عجائب الدنيا هي سبع فقط، فإن واحدة أخرى من هذه العجائب يجترحها اليوم رئيس الولايات المتحدة الأميركية دونالد ترامب وشركاؤه ومريدوه، وهي الأعجوبة الثامنة في زمننا هذا.
هذه الأعجوبة، طفق ترامب ومن معه، صهره جاريد كوشنر، ووزير خارجيته الألمعي مايك بومبيو، ونائبه الحصيف مايك بنس، ورفيق دربه وصديقه الحميم رئيس وزراء كيان العدو الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، طفق هؤلاء يرددون على مسامعنا أنهم سوف يتحفوننا بما هو أعجوبة ثامنة بحق، وها هو قد آن الأوان لإعلانها كـ«بشرى سارة» لبني إسرائيل أولاً، كما أنها «بشرى»، ولا ندري إن كانت أقل بعثاً للسرور أو أكثر للفلسطينيين، ذلك أن مضمونها ومحتواها سوف تريح بني إسرائيل، كما تريح الفلسطينيين أيضاً، فتعفي الطرفين من عناء مشكلة قاربت في تعقيداتها وملابساتها وتداعياتها نحو قرن من الزمن.
في الجانب الفلسطيني:
رأينا أن الفلسطينيين تعبوا من هذه المسألة على مدى طويل، ولما كان واجبنا الإنساني يقتضي منا العمل على إراحتهم منها، فقد قررنا تخليصهم من تلك البقية الباقية من فلسطين وتقديمها لإسرائيل خالصة نقية من الشوائب، أي من العرب، مقابل تسعة مليارات من الدولارات من أصل خمسين تعينهم على عيش رغيد إلى ما شاءت الظروف وشئنا نحن في أميركا، وها أنتم ترون أننا كنا إنسانيين مع الفلسطينيين أكثر ممن سبقونا مثل الرئيس الأميركي الأسبق هاري ترومان الذي سكت عما سماه الفلسطينيون اغتصاباً لأرضهم من أحبائنا اليهود، ومجاناً من دون مقابل، فيما نحن ندفع لهم مقابلاً مجزياً، هذا من أهم بنود الصفقة، أما أين يذهب الفلسطينيون ليستقر بهم المقام بعد ذلك وما مصير أبنائهم وأجيالهم القادمة، فهذه ليست مشكلتنا؟ منهم سيلجأ إلى هولندا ويصبح هولندياً مع الزمن، ومن يلجأ إلى ألمانيا ويصبح ألمانيا، ومن يلجأ إلى إحدى الدول الإسكندنافية، وهكذا، ينسون فلسطين إلى الأبد، لكي تبقى فيها وعلى أرضها إسرائيل «إلى الأبد» أيضاً، مسألة الأبد هذه أقرها رئيس سلطتهم محمود عباس، وأعلنها أكثر من مرة، وكان قد سبقه إليها وزير خارجية أميركا الأسبق جون فوستر دلاس في عهد الرئيس الأميركي الأسبق دوايت أيزنهاور صاحب مقولة «إسرائيل وجدت لتبقى»!
المبلغ الإجمالي الذي خصصناه خمسين ملياراً من الدولارات توزع على من يستحقونها ممن يتعاونون معنا في إقرار وتنفيذ هذه الصفقة، وهي على أي حال لن تكلف ميزانيتنا شيئاً، فالأخوة العرب سوف يتكفلون بذلك عن طيب خاطر للفلسطينيين، مصدر هذه الأموال إذاً تلك الأبقار الحلوب في مشرق الأرض كالعادة!
في الجانب الإسرائيلي:
إذا ما تم ذلك، ولماذا لا يتم؟ سيتم فعلاً، وما من أحد يستطيع وقفه سوى مقاومة عارمة، وهذه ضمن لنا رئيس السلطة بأنه «لن يسمح بمقاومة مسلحة، بواريد ومسدسات» حسب تصريحه بالحرف الواحد، فالرجل «الشهم» هذا يطمئننا بأن في وسعنا السير في مشروعنا مطمئنين بأن لا أحد سوف يعكر صفو خطتنا أو يعرقل مسير «صفقتنا العتيدة»، إسرائيل في هذه الحال سوف ترتاح من جانبها من كل العرب المقيمين فيما كان يسمى فلسطين قديماً، إثر إعلانها رسمياً «دولة يهودية»، وبعد أن أقر الكنيست مؤخراً مشروع قانون قومية الدولة اليهودية، توطئة لهذا التوجه، لتغدو خالية من كل ما ليس بيهودي.
هذا الذي نعلنه اليوم أي «وضع الصفقة موضع التنفيذ» لم يكن وليد يوم وليلة، بل كان يعدّ ويحضَّر له منذ اتفاقية أوسلو المعروفة، وكل ما جرى بعد توقيعها من تصرفات وإجراءات وتعاون بين السلطة والجانب الإسرائيلي، ولاسيما مشروع «التنسيق الأمني»، كان توطئة ومقدمات للوصول إلى ما وصلنا إليه الآن في هذا الشأن، وكانت خطواتنا الأخيرة في زمن رئاستي أنا دونالد ترامب، من تقديم القدس عاصمة أبدية لإسرائيل، إلى نقل سفارتي إليها، إلى منح أرض الجولان السورية هدية مجانية للعزيز نتنياهو، وموافقتي على ضم المستوطنات كلها إلى السيادة الإسرائيلية، إلى إقرار خطة نتنياهو وعزمه على الاستيلاء على غور الأردن، والاستيلاء على ما تبقى من الضفة التي هي يهودا والسامرة! إلى آخر ما هنالك من خطوات يجري العمل حثيثاً عليها، وصولاً إلى الغاية المنشودة في نهاية المطاف ألا وهي إنهاء هذه القضية المزمنة مرة واحدة وإلى الأبد، كي ننسى جميعاً كلمة «فلسطين» وكي ننسى جميعاً أن هناك شعباً فلسطينياً بعد أن يتوزع من جديد على أماكن في أرجاء الأرض كما سلفت الإشارة إلى هذا، ومن ذلك توطينهم حيث هم في أي مكان.
الشكوك المغرضة حول عبقريتي وقدراتي الفذة أثبتت حتى الآن أنني لا أتردد في فرض الحلول لأي مشكلة في العالم، بصرف النظر عن قانونيتها من عدمه، ما دامت هذه الحلول قابلة للتنفيذ سلمياً بالحصار والعقوبات الاقتصادية وما إليها!
أما ما يسمى النواحي الإنسانية، والدساتير والشرائع والقوانين، فهذه يمكن اللعب عليها بل استخدامها عند الضرورة في تحقيق ما نصبو إليه، والوسائل إلى ذلك مجربة منذ زمن على رأسها توظيف الإعلام الكفيل بتعميمها، بل يمكننا، مع ذلك، إقناع العالم دائماً بأننا رعاة حقوق الإنسان، وأننا نسعى لنشر العدالة بين البشر، أفراداً وجماعات، ولاسيما لدى الجنس الأبيض المميز، وإلا لماذا خلقه اللـه أبيض البشرة لو لم تكن هناك غاية إلهية لذلك؟
وقد رأى العالم قديماً كيف طهرنا أميركا من جميع أعراقها: هنود حمر، زنوج، وعبيد من إفريقية، الأمر نفسه الذي تنفذه إسرائيل في أرض فلسطين، مع أن أهلها «بيض» أيضاً، ولكن هذا لا يعيب تصرفنا إذ إن لكل حالة لبوسها ولكل ظرف معطياته!
أما عن الديمقراطية عندنا فحدث ولا حرج، وعنها في إسرائيل فهي كذلك أيضاً، لأنها الديمقراطية الوحيدة في المنطقة! خير شاهد على ذلك ما شهده العالم من تقديم مبلغ طائل هائل cash وضعت في يدي هذه من دولة كبيرة مهمة هناك على حساب شعبها ومن دون مشاورة أحد، هل نسيتم الأربعمئة وستين ملياراً من الدولارات قدمت لي مع الانحناء والابتسام والرقص معاً بالسيوف العربية تعبيراً عن الود والاحترام، ولننتظر جميعاً قادم الأيام، ومفاوضات السلام، التي يزعم المتخلفون بأنها مجرد ذر للرماد في العيون!
ألم أقل لكم إنها أعجوبة الدنيا الثامنة التي اجترحتها عبقريتي غير المسبوقة!

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن