ثقافة وفن

لدمشق حكاية خاصة في قلبه … وفيق الزعيم.. بدأ نجماً وعانى التهميش… و«باب الحارة» أعاد اكتشافه

| وائل العدس

قبل ستة أعوام، وبعد معاناة طويلة مع المرض، غيّب الموت الفنان القدير وفيق الزعيم فترجل باكراً متأثراً بسرطان الكبد الذي أنهكه وغيّبه عن الأضواء، حيث لم يكمل بعد عامه الرابع والخمسين.
وابتعد الراحل عن الشخصية الأشهر التي أداها خلال مسيرته الفنية بشكل قسري، وهي شخصية «أبو حاتم»
في مسلسل «باب الحارة» بأجزائه الخمسة، بعد انتشار المرض في جسده ما دفعه للاعتذار عن العمل في جزأيه السادس والسابع، علماً أنه قال إنها من أهم الأدوار التي قام بها في حياته المهنية.
وبدا المرض واضحاً على وجهه الشاحب، لكنه كابر على نفسه واستطاع إكمال شخصيته في الجزء الثاني من «طاحون الشر» عام 2012.
ولد الزعيم عام 1960 في مدينة دمشق، وشارك في العديد من الأعمال المسرحية والسينمائية ولعب أدواراً مهمة في المسلسلات التلفزيونية، رغم تخرجه في معهد الفنون التشكيلية.
تحصل على الكثير من الجوائز منها جائزة الإبداع الذهبية في مهرجان القاهرة، وجائزة الإبداع الفضية كأفضل عمل اجتماعي في مهرجان القاهرة وجائزة الدولة التقديرية في مهرجان القاهرة.

أدوار متنوعة
امتلك الزعيم حضوراً مميزاً في الحياة وفي التمثيل فقدم عبر سنوات طويلة أدواراً درامية متنوعة وغنية، واستطاع من خلالها أن يحجز حيزاً في ذاكرة الناس ومكاناً خاصاً به في الدراما السورية بعفويته وصدقه وموهبته العالية إلى جانب حضوره اللافت في الإذاعة والمسرح والسينما.
وعانى «أبو براء» تهميش موهبته لسنوات من المخرجين التلفزيونيين وخاصة في الفترة ما بعد منتصف التسعينيات مع بداية تطور الدراما السورية حتى أعاد المخرج بسام الملا اكتشافه من جديد في مسلسل «باب الحارة».
ويقر كل من عرف الفنان صاحب شخصية «أبو حاتم» عن قرب بأنه إنسان يفيض بالحب للوطن وللناس ولكل شيء جميل في الحياة وهذا أول ما يمكن للشخص ملاحظته في الراحل الكبير من خلال ابتسامته الوقورة وكلماته الجميلة التي تعبر عن رقيّه الإنساني وثقافته الغزيرة في الفن وفي مختلف مناحي الحياة.
لم يعرف الراحل الاستسلام يوماً، كما أنه لم يركن للضعف والكسل، فواظب على العمل في كل المجالات التي كانت متاحة أمامه رغم مقاطعة أغلب المخرجين له لفترة طويلة وعدم تقديم الأدوار الأولى له بما يتوافق مع موهبته التمثيلية المميزة، فمثل في الإذاعة والمسرح وتعلم الماكياج وتصفيف الشعر والديكور إضافة لمعرفته بالموسيقا والرسم، ما شكل نموذجاً للفنان المناضل وخصوصاً في السنوات الأخيرة التي عاشها بمزيج من العمل المجد والغزير ونشوة النجاح مع معاناة ألم المرض حتى الرحيل.

حكاية خاصة
أما دمشق فلها حكاية خاصة في قلب الزعيم، فقد كان يعترف أنه متطرف لها بالمعنى الإيجابي على أنها عشقه وهيامه، وكان يتمنى أن يمده اللـه بالعمر ليفيها بعضاً من حقوقها عليه، لكن الموت كان أسرع.

على الخشبة
شارك الزعيم في العديد من المسرحيات أهمها: «المفتش العام»، و«رؤى سيمون ماشار»، و«الاستثناء والقاعدة»، و«حكاية زهرة الحفارة»، و«مصرع عامل»، و«ماريانا بينيدا».
ولم تكن خشبة المسرح غائبة يوماً عن ذهنه، لكنه كان اعترف في حوار له مع «سانا» أنها تعاني أزمة على الرغم من وجود بعض الأعمال الجيدة، لكنها أعمال فردية قائمة على جهود شخصية، مبيناً أن نهضة المسرح تقترن بالاهتمام بالأنشطة المسرحية في مختلف الفعاليات الاجتماعية من مدارس وجامعات ومنظمات شعبية ومسارح هواة وغيرها من الجهات المختلفة وهذا وحده كفيل بتحقيق نشاط مسرحي فاعل.

الشاشة الصغيرة
في التلفزيون كانت لوفيق الزعيم المشاركات الأهم التي استطاع من خلالها التميز والدخول في عقل وقلب المشاهد العربي، عبر أدائه التمثيلي المقنع واختياره لأعمال هادفة تحمل مضموناً ورسالة سامية إلى المجتمع العربي، وكذلك من خلال تجسيد أدوار تعكس الواقع السوري والعربي على حد سواء.
بدأ التمثيل في أوائل الثمانينات واشتهر من خلال مسلسلات مثل «حارة نسيها الزمن» عام 1988 وهو من تأليف هاني السعدي وإخراج سالم الكردي، حيث اشتهر آنذاك بالعبارة التي كان يرددها في هذا المسلسل «كريستال وأصلي».
لكنه قبل رحيله بسنوات، أكد في لقاءاته الصحفية أن «باب الحارة» هو المسلسل الذي أعاد اكتشافه، لكنه في الوقت نفسه لا يعتبره العمل الأفضل في الدراما السورية وليس هو النموذج الجيد عن البيئة الشامية إلا أنه يتميز بالتوليفة الجميلة التي يشتمل عليها.
وأرجع تألقه في المسلسل الشامي إلى نشأته في حارة «باب سريجة»؛ التي تعتبر رمزاً لتاريخ الحارة الدمشقية، وقال: إنه أخرج الكلمات التي تعلمها وتلقاها من خلال نشأته في حارة دمشقية في شخصية «أبو حاتم»، لذا كانت تلك الكلمات بمنزلة عامل النجاح الأساس الذي ساعد على تألقه.
كما كانت لوفيق الزعيم أعمال إذاعية منها «شخصيات روائية»، و«حكم العدالة»، و«ظواهر مدهشة»، ، أما في السينما فقد اشتهر بعملين هما: «الطحالب» عام 1991 و«سحاب» عام 1992.
شارك في العديد من المسرحيات أهمها «المفتش العام» و«رؤى سيمون ماشار» و«الاستثناء والقاعدة» و«حكاية زهرة الحفارة» و«مصرع عامل» و«ماريانا بينيدا».
أما على مستوى التلفزيون فكانت له مشاركات مهمة استطاع من خلالها أن يتميز وأن يدخل في عقل وقلب المشاهد من خلال أدائه التمثيلي المقنع واختياره لأعمال هادفة تحمل مضموناً ورسالة سامية.
من أعماله التمثيلية نذكر «انتقام الزباء» 1974 و«حارة نسيها الزمن» 1988 و«الهنوف» 1991 و«الربيع المسافر» 1994 و«مزاد علني» 1999 و«حارة الجوري» و«حمام القيشاني» 2001 و«حد الهاوية» و«آباء وأمهات» 2002 و«الياسمين والإسمنت» و«الداية» 2003 و«باب الحارة» 2006 و«كوم الحجر» و«خالد بن الوليد» و«الحصرم الشامي» 2007 و«الحوت» و«بهلول أعقل المجانين» 2008 و«الزعيم» 2011 و«طاحون الشر» 2012 و«حمام شامي» 2014.
كما عمل في التأليف، ومن مؤلفاته للتلفزيون «الآباء والحصرم» و«حكاية من حارتنا» و«إخلاص» و«مزاد علني» و«حارة الجوري» و«المتفائل» و«البحث عن السعادة» و«الياسمين والإسمنت» و«الأمانة»، كما لديه في الإذاعة أكثر من مئة عمل.

مشروعه الشخصي
اقتحم الزعيم مجال التأليف الدرامي، فكتب «الآباء والحصرم»، و«حكاية من حارتنا»، و«مزاد»، و«حارة الجوري»، و«يوميات مواطن»، و«ظلال ورمال»، على حين كان يعتبر أن مسلسل «الزعيم» مشروعه منذ سنوات طويلة وهو عمل يتعلق به شخصياً وبعلاقته بالشام.
في هذه الناحية يقول: «ليس طموحي أن أكون كاتباً، إلا أنني أحب أن أعبر ما يجول في خاطري، وما أحب أن أوضحه لبعض الناس ونقل العلاقات الاجتماعية في البيئة الشامية بصورتها الحقيقية».

الأمثال الشعبية
قام الزعيم بجمع معظم الأمثال الشعبية الشامية في كتاب صغير يحمل عنوان «المشاعل»، وقال: «ليس هدفي من هذا الكتاب هو الربح المادي أو هدفي بأن أطلق على نفسي شاعراً وإنما هدفي أن أغني المهتم بالأمثال الشعبية بكتاب صغير يستفيد منه».
وأوضح أن فكرة تدوين كتاب يحتوي على الأمثال الشعبية الشامية والزغاريد راودته بعد اكتشافه ضعف الإنتاج السوري الخاص بالأمثال الشامية، فقرر أن يؤلف كتاباً يضم عديداً من الأمثال الشامية.

الابن الممثل
ابنه هو الممثل الشاب براء الزعيم الذي أدى دور «الطبيب حمزة» في «باب الحارة» وقال عنه: أصبح محترفاً وله العديد من الأعمال، لديه كاريزما ومن الممكن أن يصبح نجماً في التمثيل في القريب العاجل، وأنصحه بأن يبتعد عن الغرور، فالفن يعلم الناس الأخلاق، أطلب منه أن يجتهد، وأن يتعامل مع الفن كرسالة يجب إيصالها للناس بطريقة جيدة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن