قضايا وآراء

الولايات المتحدة ومستقبل حروبها المتعددة المقبلة

| تحسين الحلبي

لا أحد يشك أن انسحاب قوات الولايات المتحدة من أفغانستان بعد احتلال دام أكثر من ثمانية عشر عاماً في أطول حرب تخوضها في تاريخها يعني أنها سلمت بإخفاقها وبعجزها عن تحقيق أهدافها الإمبريالية رغم حقيقة أنها هزمت بنظر الشعب الأفغاني وبنظر العالم كله.
الآن، من المتوقع أن تفتش الإدارة الأميركية عن طرق ومنافذ جديدة تتيح لها محاولة تحقيق عدد من أهدافها الأساسية وفي مقدمها فرض شكل من أشكال النفوذ على هذه البلاد وتوظيفه في سياسة دولة أفغانستان الداخلية والخارجية وخاصة أن مجموعات طالبان الأفغانية لم يكن لديها طوال فترة الحرب حليف دولي أو إقليمي يقدم الدعم العسكري لها في القتال ضد القوات الأميركية والأطلسية والمحلية التابعة، فالجوار الباكستاني كانت الولايات المتحدة تستخدمه في حربها هذه منذ البداية. ولذلك يعتقد معظم المختصين بالحروب الأميركية أن الولايات المتحدة أصبح جزءاً من مصلحتها بموجب طبيعة تطورها التاريخي الاستعماري الإمبريالي أن تستمر الحروب في هذا العالم لأن الحروب والنزاعات الإقليمية والدولية تتيح لها تحقيق أرباح هائلة من مبيعات الأسلحة والذخائر والمعدات الحربية وهذا ما تثبته إحصاءات «المعهد الدولي لأبحاث السلام في ستوكهولم» في دراسة نشرها في 9 آذار الجاري وبين فيها أن الولايات المتحدة قامت بتصدير نسبة 35 بالمئة من الأسلحة المصدرة على مستوى العالم خلال خمس سنوات ما بين 2015 -2019 وزادت عن كل ما صدرته روسيا بنسبة 76 بالمئة، وبلغ عدد الدول التي اشترت هذه الأسلحة 96 دولة في العالم في هذه السنوات الخمس نفسها من أوروبا إلى آسيا وإفريقيا، وتبين أيضاً أن ما تم تصديره من الأسلحة الأميركية للشرق الأوسط زاد خلال السنوات الخمس نفسها بنسبة 61 بالمئة بالمقارنة عن سنوات 2010- 2014 وبلغت نسبة تصدير السلاح الأميركي للسعودية 130 بالمئة عما كانت عليه في السنوات الخمس السابقة وهذا يعني ببساطة أن صناعة الحروب والنزاعات الإقليمية تتيح لصناعات الأسلحة الأميركية أرباحاً مذهلة قابلة للتعرض للانخفاض ومضاعفاته الاقتصادية المتعددة إذا توقفت لفترة مؤقتة أو لمدة طويلة.
ومع ذلك ليس من المبالغة ملاحظة أن الولايات المتحدة سحبت قواتها بعد هزيمة حاسمة مرتين الأولى في فيتنام 1975 والثانية في بيروت 1983 حين قتل لها 241 جندياً من المارينز دفعة واحدة في عملية للمقاومة اللبنانية، فأجبرت على سحب قواتها من دون أي اشتراطات. وحين وظفت حلفاءها المحليين بتصعيد الحرب الداخلية في لبنان هزمت مرة أخرى. وهي تحاول الآن تجنب القيام بسحب ما بقي من قواتها في العراق وكذلك بعض الوحدات العسكرية التي أدخلتها إلى شمال شرق الأراضي السورية بحجة حماية بعض قادة الأكراد المتحالفين معها، لكن طبيعة التطورات الجارية في شمال سورية ومجابهة سورية وحلفائها للإرهابيين في تلك المناطق وضعت الإدارة الأميركية أمام استحقاق لا مفر منه وهو حتمية سحب كل وحداتها من سورية والعراق ومن دون شروط مسبقة لأن أي مجابهة عسكرية ضد قوات الاحتلال الأميركية في شمال شرق سورية أو في العراق ستكون على غرار الثمن الذي دفعته قوات المارينز في بيروت عام 1983 فالمعركة التي تواجه أميركا الآن لا تقتصر على مجابهة جيش نظامي سوري وطني على الأراضي السورية فقط بل ستكون في معظمها مجابهة بين قوات المقاومة المنتشرة من كل الاتجاهات حول هذه الوحدات الأميركية التي ستتمكن من الوصول إلى كل شبر تتمركز به الوحدات الأميركية، وهذا ما بدأت تحذر منه المجلة الإلكترونية «ذي درايف» المتخصصة بالحروب في التاسع من آذار الجاري حين نشرت تحليلاً للصحفي الأميركي جوزيف تريفيتشيك تحت عنوان مثير جداً «طائرات مسيّرة بدأت تمطر بالقذائف الصغيرة الوحدات الأميركية المكلفة حراسة آبار النفط السورية في شمال شرق سورية» وبغض النظر عمن نفذ هذه العملية إلا أنها تعني أنه من الممكن شن عمليات هجومية على هذه الوحدات من أي مجموعات مسلحة، فماذا ستفعل حين تجد أن مقاومة شعبية وطنية مسلحة قادرة على شن العمليات ضدها على غرار ما تقوم به قوات الحشد الشعبي العراقي ضد الوجود العسكري الأميركي في العراق، فموازين القوى المحلية في شمال سورية وكذلك في العراق لا تخدم أي مصلحة لبقاء القوات الأميركية ولا تتيح أي فرصة للدفاع عن نفسها بعد محاصرة المقاومة لها من كل جانب، ولذلك تعتقد السفيرة الأميركية آن رايت التي أعلنت عن استقالتها عام 2003 من وزارة الخارجية الأميركية احتجاجاً على الغزو الأميركي للعراق، أن الجيش الأميركي كان من المحتم إخفاقه في الحرب التي شنها على العراق وعلى سورية فيما بعد. ولذلك من الواضح أن القوات الأميركية الغازية هي وقوات أردوغان المتحالفة معها سيبدأ العد التنازلي لهما من هذه اللحظة وقبل تحرير إدلب وخاصة بعد أن هزمت سورية وكلاءها المحليين والإقليميين.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن