ثقافة وفن

في عيد المعلّم… معايير تقديره وإعداده مختلفة … المعلّمون المخلصون لبنة أساسية لبناء مجتمع سوريّ يجتاز الأزمة

| سوسن صيداوي

في زمن مضى وأخذ معه كل جميل، كان المعلّم عندما يدخل صفه الدراسي، يقف له كلّ تلامذته احتراماً وتقديراً، ليس لأنه من يساعدهم في إنارة عقولهم علماً ومعرفة فقط، بل لأنه فرض احترامه وهيبته عبر شخصه ومن ثم مهنته.
والدي رحمه الله كان معلّماً أحبّ مهنته ومنحها عمره وصحته وكلّ اهتمامه، ليس لأنه أبي ولكنه حقاً وبنظر كل من تعلّم في صفه يراه المربي الفاضل، لقد سهّل على تلامذته حفظ دروسهم، وقوّم أصحاب السلوك المعوّج الذي تفرضه المراهقة، دلّ التائه على الطريق الصحيح لنيل الرفعة والتقدير في المستقبل، زارعاً فكراً تنويرياً بأن العلم والثقافة هما الأفق اللامحدود لشخصيات تأبى التسلّط أو التذلل كما كان يقول دائماً: العلم في المرتبة الأولى ومن بعده يأتي كلّ شيء.
هل لازال مبدؤه محقاً في هذا الواقع الأزمي مع كل مظاهره في شراء العلم والشهادات وغيره من الأمور، وهل المعلّم هو اليوم كفؤ لهذه المهنة؟ وهل ينال المعلّم التقدير الواجب سواء من تلامذته أم حكومته؟
أسئلة كثيرة نطرحها اليوم بمناسبة عيد المعلم أعاده الله علينا جميعاً بكل طيب معرفة وبنبل قيم.

أسعد لحظة
العملية ليست سهلة بأن تكون صاحب تأثير، بل وبأن تكون المشجّع الأكبر في زرع الثقة بالنفس والدفع للاجتهاد، هذا عدا عن الرغبة في ارتياد المدرسة ونهل العلم، وفي وقتنا الحالي نشهد تسرّب التلاميذ من المدارس وهروبهم من الحصص والدوام وحتى في المتابعة، رغم أن الذهاب إلى المدرسة حتى الصف التاسع هو مرحلة تعليميّة إلزاميّة.
وفي حديثنا مع المدرّسة دارين دياب وهي خريجة علم الاجتماع من جامعة دمشق، أكدت بداية بأن المدرس هو من أحد العوامل التي تبقي الأطفال في مدارسهم، وفي التأثير عليهم خلال سير العملية التعليمية لتقول: «من مهامنا مساعدة التلاميذ في تطوير مداركهم، وفي تسهيل العملية الفكرية النقدية، مع التعامل مع المعلومات المطروحة في المناهج الدراسية المتنوعة، وهنا أحب أن أشير أن المناهج الجديدة، طرحت الكثير من الإشكاليات، كونها معقدة بأسلوبها ومختلفة عما كنا ندرّسه في السابق، وهذا الأمر انعكس على التلاميذ، وكلنا احتجنا وقتاً حتى اعتدنا على المعلومات، التي تمكنا من تقديمها للتلاميذ من خلال الورشات التي أقامتها وزارة التربية لتأهيلنا وإعدادنا للمناهج الجديدة.
اليوم نحن أمام تحديات ومواجهات لنجتاز الواقع الأزمي السوري، وطبعاً الظرف يتطلب منا تطوير كل السبل التعليمية كون ظروف التعليم والتعلّم أصبحت مختلفة، وهي ضاغطة ليس فقط على التلاميذ المكتظين بالصفوف، كذلك على المدرسين والذين في نسبة لا بأس بها هم غير مؤهلين، كوننا نحتاج إلى كادر تعليمي كبير لتغطية الحصص الدراسية في المدارس، وهذا المدرس غير مؤهل – وهم من الشباب- يدخلون الصف غير مهتمين بنبل وأهمية مهنة التدريس، وأحياناً كثيرة تأتي من الأهالي شكاوى، حول الخطأ في المعلومات التي يلقّنها المدرس أو عدم قدرته على إيصالها بالطريقة الصحيحة، وهذا طبعاً بسبب عدم تحضيره للدرس من جهة ولعدم تأهيله المناسب للقيام بهذه المهنة، هذه الأمور تنعكس على التلميذ الذي يصل إليه مهما كان عمره، عدم كفاءة معلّمه، فهنا يبدأ بالاستهتار بمدرسه وبفروضه».
دياب عملت في التدريس لأكثر من عشر سنوات ودرّست مقرر الفلسفة والتربية القومية والتربية الدينية، ولكن وضعها الصحي دفعها إلى التقاعد المبكر، وتتابع الحديث عن تجربتها قائلة: «بالرغم من ضغوط حياتنا وكوني امرأة متزوجة ولديّ ثلاثة أولاد، إلا أنني أحببت مهنة التدريس كثيراً، ولولا وضعي الصحي لبقيت متابعة حتى اليوم، وبكل أمانة أجمل شعور عندما أدخل إلى الصف في اليوم الدراسي الأول وأتعرف على التلاميذ، وتبدأ العلاقة بالتطور وخصوصاً عندما ألحظ الاهتمام منهم، أو دفعي وتشجيعي لهم بتطوير مستواهم، واليوم ورغم أنهم أصبحوا شباباً، أجمل لحظة عندما ألتقيهم ويعرفونني على أنفسهم ويقولون لي: (كيفك آنسة… أنا حبيت الفلسفة بسببك)».

النظرة اختلفت
إنّ مهنة التعليم ما فتئت تفقد مكانتها في أنحاء عدة من العالم، واليوم وفي ظل احتفالنا بمناسبة عيد المعلّم لابد من لفت الانتباه وخصوصاً في هذا الوقت الأزمي على سوريتنا، بأننا كي نجتاز المطبات علينا بالسعي الحقيقي لتعديل بعض القوانين المتعلقة بالتربية والتدريس في نهج ضرورته ورفع مكانة المهنة ليس لأجل المعلمين والتلاميذ فحسب، ولكن لأجل المجتمع والمستقبل السوريّ، وفق إقرار بالدور الفاعل للمعلمين في بناء المستقبل.
وللتأكيد نتوقف مع الأستاذ جورج (ف) الذي عمل في مهنة التدريس طوال حياته حتى سن التقاعد، مدرساً مادة الرياضيات، اليوم أصبح رجلاً كهلاً أتعبته المهنة بلزوم الوقوف المتواصل لساعات طوال، الأمر الذي سبّب لجسده أمراضاً عظميّة ومفصليّة، عدا عن مشاكل في جهاز التنفس من استعمال مادة (الطبشور) للكتابة على اللوح لسنوات طويلة، اليوم بعد انصراف عمره كلّه وفي ظل الواقع الحالي، هو معلّم ليس بمتفائل، ويقول عن الأجيال الشابة هي أجيال مستهترة ولا تحمل مسؤولية، ولم تترب على حسن السلوك أو التقدير «هذه الأجيال تحتاج إلى العاطفة الصارمة، توجيهها ليس بالهيّن أبداً، إنهم يشبهون العصى، والتي إن شددّنا القبضة عليها فسوف تُكسر، وعلى كلٍّ قاعدة اللين والشدّة كنت أستعلمها منذ بداياتي في التدريس، فتلامذتي كانوا يخشونني، لأنني رجل صاحب وجه عبوس، وكنت شديداً في العقاب عندما لا يحضر أي منهم (الوظيفة)، من حيث خصم العلامات، عدا عن تواصلي المباشر مع الأهل بمجرد إن كرّر التلميذ إهماله لواجباته المطلوبة، طبعاً الكل كان يخشى مادة الرياضيات وقلة من التلاميذ التي تملك مخّاً رياضياً، ولكنني كنت أتبع أسلوباً تلقينياً مرناً، في إدخال المعلومة، بطرح نكتة ما، مما كان يكسر الجمود الذي أفرضه على تلامذتي متقصداً، كي يبقوا ملتزمين بالانتباه لي أثناء الدرس».
بقي أن أقول: مهنة التدريس من أنبل المهن وأشرفها على الإطلاق، فعلى مقاعدها يتربى الكل وهم من نحتاجهم في حياتنا من طبيب ومهندس أو محام، إلى البنّاء والخبّاز والسائق، وحتى الشرطي والجندي، إذاً كلّهم لم يصلوا إلى ما وصلوا إليه، لولا المدرسة والمعلّم.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن