ثقافة وفن

المعلم والتعليم في عيون الأدباء والفلاسفة والمفكرين … نجيب محفوظ: يمتلك المعلم أعظم مهنة إذ تتخرج على يديه جميع المهن الأخرى

| وائل العدس

تحتفل سورية في عيد المعلم.. هذا اليوم السعيد، فيرى المعلم نفسه في عيون طلابه وأولياء أمورهم، وهم ينظرون له نظرات تملؤها مشاعر الفخر والاعتزاز والتقدير، ما يشحن فيه روح العطاء ليكمل هذا الواجب العظيم بهمة أكبر.

«أثر الفراشة لا يُرى.. أثر الفراشة لا يزول»، فللمعلم دور ملحوظ في التأثير على الفرد والمجتمع، إذ تنجم بعض النتائج العظيمة جرّاء كلمة تحفيزية وجهها المعلم لأحد الطلاب، وبالمثل لربما تكون النتائج وخيمة، فيجابه العديد من الصعاب طوال حياته بعدما زُرعت في عقله كلمة محبطة قالها معلمه ولم يلق لها بالاً، حيث نرى هنا تطبيقاً فعلياً لنظرية «أثر الفراشة» على المجتمع بأكمله.
وتعد مهنة التعليم منذ أقدم العصور أشرف المهن على الإطلاق التي على مقاعدها يتربى الطبيب والمهندس والعالم والنجار والحداد والكاتب والصحفي والبنّاء والخباز، كما الآباء والأمهات والأحفاد والجندي والمسؤول والسائق والطبّاخ، وكل من حولنا من الناس الذين ما وصلوا إلى ما وصلوا إليه لولا تلك اليد التي صنعتهم وأحيت فيهم حب العلم والتعليم، وفتحت أمامهم المدارك البعيدة برحبها.
المعلم هو نور ساطع في سماء العلم، وهو القدوة والمثل الأعلى لكل من يطلبه، وهو الذي يعلّم الأخلاق والقيم السامية، ويوسع مدارك الطلبة وينمي قدراتهم، وينقلهم من الظلام إلى النور والمعرفة، ويفتح آفاق تفكيرهم ويوجههم نحو الطريق الصحيح.
وحين يتم تكريم هذا المعلم العظيم من طلابه يشعر حينها بأن تعبه الذي قدمه لم يضع سدى، بل أثمر حين أدرك الأطفال أنهم قد كبروا لدرجة أصبحوا يفهمون العالم من حولهم وما يجري، وما لهم من حقوق وما عليهم من واجبات، وما كانت نمت بذرة هذا الصغير وكبرت لولا ما قام به هذا المعلم خلال سنوات من زرعها في تربتها الجافة، يسقيها المعلم عرقه وجهده وتعبه حتى كبرت وصارت شجرة خضراء يانعة تؤتي أكلها وتفيض، وهي فيما بعد ستنمو أغصانها وتمتد حتى تطاول في ذلك السماء.
لربما هو لم يعد بحاجة لنسميه رسولاً ودليلاً لأنه أصبح بسمو مكانه رسولاً، يحمل رسالة عظيمة ضمن ما تقتضيه مهنته؛ رسول علم وتعليم وتربية، جيل يكبر ويقف على كتفه مستقبل البلاد، وإن المجد الذي يهيب بالمعلم يرفع له رايته عالياً، حيث لا حدود لذاك الفضاء.
في الشعر

يبذل المعلم قصارى جهده ليكون مثالاً حسناً يحتذى به، ويوصل رسالته على أكمل وجه، ولذلك يستحق منا الاحترام والتقدير، ويستحق أن تُكتب فيه أجمل القصائد.
وفي كتب الشعر العربي العديد من القصائد المميزة التي قدّرت المعلم ووصفته بما يستحقه من صفات حسنة.
يقول الإمام الشافعي عن المعلم:
اصبر على مرِّ الجفا من معلمٍ
فإنَّ رسوبَ العلمِ في نفراتهِ
ومنْ لم يذق مرَّ التعلمِ ساعةً
تجرَّعَ ذلّ الجهل طولَ حياته
ومن فاتهُ التَّعليمُ وقتَ شبابهِ
فكبِّر عليه أربعاً لوفاته
وَذاتُ الْفَتَى ـ واللهِ ـ بالْعِلْمِ وَالتُّقَى
إذا لم يكونا لا اعتبار لذاتهِ
وقال الشاعر أحمد شوقي عن المعلم:
قُــمْ لـلمعلّمِ وَفِّـهِ الـتبجيلا
كـادَ الـمعلّمُ أن يـكونَ رسولا
أعلمتَ أشرفَ أو أجل من الذي
يـبني ويـنشئُ أنـفساً وعقولا
سبحانكَ اللهمَّ خـيرُ معلّمٍ
علَّمتَ بالقلمِ القرونَ الأولى
أخرجتَ هذا العقلَ من ظلماتهِ
وهـديتَهُ النورَ الـمبينَ سبيلا
أرسلتَ بالتوراةِ موسى مرشداً
وابنَ الـبتولِ فـعلّمَ الإنجيلا
وفجّرتَ ينبوعَ البيانِ محمّداً
فسقى الـحديثَ وناولَ التنزيلا
إنَّ الذي خـلقَ الحقيقةَ علقماً
لم يُخلِ من أهلِ الحقيقةِ جيلا
أوَ كلُّ من حامى عن الحقِّ اقتنى
عـندَ السَّوادِ ضغائناً وذخولا
تجدُ الذين بنى «المسلّةَ» جدُّهم
لا يُحسنونَ لإبرةٍ تـشكيلا
الجهلُ لا تحيا عـليهِ جماعةٌ
كيفَ الحياةُ على يديّ عزريلا
ربُّوا على الإنصافِ فتيانَ الحِمى
تجدوهمُ كهفَ الحقوقِ كهولا
فهوَ الـذي يبني الطباعَ قويمة
وهـوَ الذي يبني النفوسَ عُدولا
وإذا المعلّمُ لم يكنْ عدلاً، مشى
روحُ العدالةِ في الشبابِ ضئيلا
وإذا أتى الإرشاد من سببِ الهوى
ومن الغرورِ، فسَمِّهِ التضليلا
وإذا أصيب القومُ في أخلاقِهم
فـأقمْ عليهم مأتماً وعويلا
وإذا النساءُ نشأنَ فـي أُمّيَّةٍ
رضع الرجالُ جهالةً وخمولا
ليسَ اليتيمُ من انتهى أبواهُ من
هـمِّ الـحياةِ، وخلّفاهُ ذلـيلا
إنَّ الـيتيمَ هـوَ الذي تلقى بهِ
أمّاً تخلّتْ أو أبَاً مـشغولا
أما الشاعر إبراهيم طوقان فيقول:
شَوْقِي يَقُولُ وَمَا دَرَى بِمُصِيبَتِي
قُمْ لِلْمُعَلِّـمِ وَفِّـهِ التَّبْجِيــلا
اقْعُدْ فَدَيْتُكَ هَلْ يَكُونُ مُبَجَّلاً
مَنْ كَانِ لِلْنَشْءِ الصِّغَارِ خَلِيلا
وَيَكَادُ يَفْلِقُنِي الأَمِيرُ بِقَوْلِـهِ
كَادَ الْمُعَلِّمُ أن يَكُونَ رَسُولا
لَوْ جَرَّبَ التَّعْلِيمَ شَوْقِي سَاعَةً
لَقَضَى الْحَيَاةَ شَقَاوَةً وَخُمُولا
حَسْب الْمُعَلِّم غُمَّـةً وَكَآبَـةً
مَرْأَى الدَّفَاتِرِ بُكْـرَةً وَأَصِيلا
مِئَـةٌ عَلَى مِئَةٍ إذا هِيَ صُلِّحَتْ
وَجَدَ العَمَى نَحْوَ الْعُيُونِ سَبِيلا
وَلَوْ أن في التَّصْلِيحِ نَفْعَاً يُرْتَجَى
وَأَبِيكَ لَمْ أَكُ بِالْعُيُون بَخِيلا
لَكِنْ أُصَلِّحُ غَلْطَـةً نَحَوِيَّـةً
مَثَـلاً وَأتَّخِذ الكِتَابَ دَلِيلا
مُسْتَشْهِدَاً بِالْغُـرِّ مِنْ آيَاتِـهِ
أَوْ بِالْحَدِيثِ مُفَصّلا تَفْصِيلا
وَأَغُوصُ في الشِّعْرِ الْقَدِيمِ فَأَنْتَقِي
مَا لَيْسَ مُلْتَبِسَاً وَلاَ مَبْذُولا
وَأَكَادُ أَبْعَثُ سِيبَوَيْهِ مِنَ الْبلَى
وَذَويِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرُونِ الأُولَى
فَأَرَى (حِمَارَاً) بَعْدَ ذَلِكَ كُلّه
رَفَعَ الْمُضَافَ إليه وَالْمَفْعُولا
لاَ تَعْجَبُوا أن صِحْتُ يوماً صَيْحَةً
وَوَقَعْتُ مَا بَيْنَ الْبُنُوكِ قَتِيلا
يَا مَنْ يُرِيدُ الانْتِحَارَ وَجَدْتـهُ
إِنَّ الْمُعَلِّمَ لاَ يَعِيشُ طَويلا
ومن أشعار أبو الأسود الدؤلي عن المعلم:
يا أيها الرجل المعلم غيره
هلا لنفسك كان ذا التعليم
نصف الدواء لذي السقام وذي الضنى
كيما يصح به وأنت سقيم
ابدأ بنفسك فانهها عن غيها
فإذا انتهت عنه فأنت حكيم
فهناك تعذر إن وعظت ويقتدى
بالقول منك ويقبل التعليم
لا تنه عن خلق وتأتى مثله
عار عليك إذا فعلت عظيم
أقوال وحكم

وقيل في المعلم الكثير من الكلمات والحكم والعبارات الرنانة، التي ظلّ صداها عالياً إلى اليوم، ومما قاله الفلاسفة والحكماء والعلماء والعباقرة عن العلم والمعلم والتعليم:
جبران خليل جبران: أيها المعلم، سنكون خيوطاً في يديك وعلى نولك فلتنسجنا ثوباً إن أردت، فسنكون قطعة في ثوب العلى المتعالي.
بيل غيتس: التكنولوجيا هي مجرد أداة فيما يخص تحفيز الأطفال وجعلهم يعملون معاً فإن المعلم هو الأهم.
إبراهيم الفقي: ينبغي أن تؤمن بأن كل فرد تقابله هو معلم للصبر.
سقراط: ينبغي للعالم أن يخاطب الجاهل مخاطبة الطبيب للمريض.
نجيب محفوظ: يمتلك المعلم أعظم مهنة، إذ تتخرج على يديه جميع المهن الأخرى.
يوهان غوته: ليس أسوأ من معلم لا يَعْرِف سوى ما يجب أن يعرفه تلاميذه.
الحسن البصري: إذا لم يعدل المعلم بين الصبيان كُتِبَ من الظلمة.
شيشرون: المعرفة فن ولكن التعليم فن آخر قائم بذاته.
أوسفالد شبينغلر: من معلمي تعلمت الكثير ومن زملائي تعلمت أكثر ومن تلاميذي تعلمت أكثر وأكثر.
ليوناردو دافنشي: من لا يتفوق على معلمه يكن تلميذًا تافهاً.
فيلوكسين ألستيري: إن معلمينا هم الذين يعطوننا الطريقة لنحيا حياة صالحة.
أحمد أمين: المعلم ناسك انقطع لخدمة العلم كما انقطع الناسك لخدمة الدين.
جون لوك: أسهل على المعلم أن يَأمُر من أن يُعَلِّم.
سي إس لويس: مهمة المعلم الحديث ليست أن يُخلي الأدغال ويمهدها، بل أن يروي الصحارى.
توماس كاروترس: المعلم هو الشخص الذي يجعلك لا تحتاج إليه تدريجياً.
بوب تالبرت: المعلم الموهوب مكلف، لكن المعلم السيئ أكثر كلفة.
ألبير كامو: كل ما حولي كذب ورياء، أما أنا فأريد أن أجبرهم على العيش بصدق وشرف، وأملك لذلك الوسائل الكافية.. إنهم لا يتمتعون بحيواتهم، وأعلم أن الذي ينقصهم هو المعرفة وينقصهم المعلم الذي يعي ما يتحدث به.
ويليام آرثر وارد: المعلم المتواضع يخبرنا، والجيد يشرح لنا، والمتميز يبرهن لنا، أما المعلم العظيم فهو الذي يلهمنا.
آرثر كوستلر: الإبداع نوع من التعليم يكون فيه المعلم والتلميذ مجتمعين في شخص واحد.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن