ثقافة وفن

الواقعية في الفن

| د. اسكندر لوقـا

ليس مستبعداً أن يسأل طالب أستاذه هل فن التصوير «الرسم» هو نقل حرفي عن الطبيعة أم إنه خروج عن الشكل وإعادة توزيع لأبعاده؟ وقد يتعرض أحدنا لمثل هذا السؤال الذي يحتمل إجابتين من وجهتي نظر، الأولى ترى أن الفن يجب أن يحاكي الطبيعة محاكاة إن لم تكن كاملة فأقرب ما تكون من الكمال. ووجهة النظر الثانية ترى أن فن التصوير ليس عدسة تنقل ما تراه نقلاً حرفياً، وإنما الرسام هو الذي يرى ما لا يراه الآخرون، وله الحق في اختيار الزاوية ونقل المشهد على لوحته بعيداً عن كل القيود.
وبين هاتين النظرتين يصبح من السهولة بمكان ملاحظة الحيرة التي يقع فيها البعض من الرسامين نتيجة لعيشهم بين مؤثرات الذات ومؤثرات خارجية لها ثقلها عليهم على الرغم من كل شيء.
وفي يقيني إن الفن سواء تجسد في الرسم أم اللحن أم الكتابة، لا بد أن يهدف إلى تحديد موقف أو توضيح موقف، وهو في مختلف درجاته يستمد من هذا الموقف أو ذاك مقوماته، ومن هنا ليس صحيحاً القول إن الوجود لا غاية له سوى أن يكون المرء مشدودا إلى اللحظة التي يعيشها وينفصل عنها في الوقت ذاته، وبمعنى ما ليس صحيحاً أن نوجد ولا نوجد في اللحظة نفسها، ومهما تكن الأغراض التي يهدف الفنان إلى تحقيقها تبقى غايات سامية لأن الفن عبارة عن منظومة تسعى لتحرير الإنسان من عبودية الاستسلام لقواعد الشكل الموروثة من الزمن الماضي.
إن فن الرسم الزيتي على سبيل المثال، لم يكن في وقت من الأوقات مجرّد ظاهرة ولا يجب أن يكون كذلك إذ قد تستمد الرقصات الحديثة مقوماتها من الحالة النفسية التي تملأ كيان الشباب وكذلك أنواع الألبسة التي تفرض مقوماتها على أصحابها، أما التصوير والموسيقا والكتابة فثمة ما يدعو إلى جعلها فوق التجارب المستوردة دون معرفة أبعادها لتكون أقرب إلى الطبيعة.
ومن هنا القول بأنه ليس ثمة ما يبرر نقل التجارب إلى مجتمعاتنا قبل ترسيخ قيم الواقعية فيها، وهذا لا يعني، بطبيعة الحال، وجوب ممارسة الفن، أياً كان نوعه، طبقاً لقوالب جامدة لأن الواقع يزخر بأبعاد لا نهايات لها، ولهذا الاعتبار للواقعية تأثيرها ومداها في رؤية الفنان إلى إبداعه، في لحظة اختياره نقطة البدء للقيام بعمله بواقعية بعيدة كل البعد عن المؤثرات الطارئة البعيدة عن الواقع.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن