ثقافة وفن

الأم في ذاكرة الشعراء والفلاسفة والمبدعين … توماس أديسون: أمي هي التي صنعتني لأنها كانت تحترمني وتثق بي

| وائل العدس

بريق في سماء الكون، إعجاز من الله، أقدس معاني الإنسانية وأعظم هبات الحياة.. قيثارة الدنيا وإلياذة السماء، وملحمة الأرض، إنها الأم.
إن كانت الأم حباً فهي أجمله، وإن كانت عطاءً فهي أفضله، وإن كانت احتواءً فهي أكمله، الأم هي الثوب الذي تلبسه فيمنحك الحياة بكل معانيها.
الأم هي الكلمة التي تختصر كل شيء، فهي الملجأ والأمان، وهي المدرسة والمربية والطبيبة والصديقة، هي كل الحياة.
ولأن الأم مثال التضحية والتفاني ورمز الحب والعطاء، فقد بقيت راسخة في ذاكرة الشعراء والأدباء والفلاسفة والمبدعين بمختلف مجالاتهم وعلى مر الأزمان.

ماما يا أنغاما
من أجمل أناشيد الطفولة التي كتبها الشاعر السوري سليمان العيسى، والتي تعد أول ما حفظته الأجيال السابقة في الصف الأول الابتدائي:
ماما ماما يا أنغاما
تملأ قلبي بندى الحب
أنت نشيدي عيدك عيدي
بسمة أمي
سر وجودي
أنا عصفور ملأ الدار
قبلة ماما ضوء نهاري
أفتح عيني
عند الفجر
فأرى ماما
تمسح شعري
أهوى ماما
أفدي ماما

خمس رسائل إلى أمي
من أشهر القصائد وأكثرها رواجاً هي القصيدة التي كتبها الشاعر السوري نزار قباني ويقول فيها:
صباح الخير يا حلوه..
صباح الخير يا قديستي الحلوه
مضى عامان يا أمي
على الولد الذي أبحر
برحلته الخرافيه
وخبأ في حقائبه
صباح بلاده الأخضر
وأنجمها، وأنهرها، وكل شقيقها الأحمر
وخبأ في ملابسه
طرابيناً من النعناع والزعتر
وليلكةً دمشقية..
أنا وحدي..
دخان سجائري يضجر
ومني مقعدي يضجر
وأحزاني عصافيرٌ..
تفتش –بعد- عن بيدر
عرفت نساء أوروبا..
عرفت عواطف الإسمنت والخشب
عرفت حضارة التعب..
وطفت الهند، طفت السند، طفت العالم الأصفر
ولم أعثر..
على امرأةٍ تمشط شعري الأشقر
وتحمل في حقيبتها..
إلي عرائس السكر
وتكسوني إذا أعرى
وتنشلني إذا أعثر
أيا أمي..
أيا أمي..
أنا الولد الذي أبحر
ولا زالت بخاطره
تعيش عروسة السكر
فكيف.. فكيف يا أمي
غدوت أباً..
ولم أكبر؟
صباح الخير من مدريد
ما أخبارها الفلة؟
بها أوصيك يا أماه..
تلك الطفلة الطفله
فقد كانت أحب حبيبةٍ لأبي..
يدللها كطفلته
ويدعوها إلى فنجان قهوته
ويسقيها..
ويطعمها..
ويغمرها برحمته..
ومات أبي
ولا زالت تعيش بحلم عودته
وتبحث عنه في أرجاء غرفته
وتسأل عن عباءته..
وتسأل عن جريدته..
وتسأل –حين يأتي الصيف-
عن فيروز عينيه..
لتنثر فوق كفيه..
دنانيراً من الذهب..
سلاماتٌ..
سلاماتٌ..
إلى بيتٍ سقانا الحب والرحمة
إلى أزهارك البيضاء.. فرحة «ساحة النجمة»
إلى تختي..
إلى كتبي..
إلى أطفال حارتنا..
وحيطانٍ ملأناها..
بفوضى من كتابتنا..
إلى قططٍ كسولاتٍ
تنام على مشارقنا
وليلكةٍ معرشةٍ
على شباك جارتنا
مضى عامان.. يا أمي
ووجه دمشق،
عصفورٌ يخربش في جوانحنا
يعض على ستائرنا..
وينقرنا..
برفقٍ من أصابعنا..
مضى عامان يا أمي
وليل دمشق
فل دمشق
دور دمشق
تسكن في خواطرنا
مآذنها.. تضيء على مراكبنا
كأن مآذن الأموي..
قد زرعت بداخلنا..
كأن مشاتل التفاح..
تعبق في ضمائرنا
كأن الضوء، والأحجار
جاءت كلها معنا..
أتى أيلول يا أماه..
وجاء الحزن يحمل لي هداياه
ويترك عند نافذتي
مدامعه وشكواه
أتى أيلول.. أين دمشق؟
أين أبي وعيناه
وأين حرير نظرته؟
وأين عبير قهوته؟
سقى الرحمن مثواه..
وأين رحاب منزلنا الكبير..
وأين نعماه؟
وأين مدارج الشمشير..
تضحك في زواياه
وأين طفولتي فيه؟
أجرجر ذيل قطته
وآكل من عريشته
وأقطف من بنفشاه
دمشق، دمشق..
يا شعراً
على حدقات أعيننا كتبناه
ويا طفلاً جميلاً..
من ضفائره صلبناه
جثونا عند ركبته..
وذبنا في محبته
إلى أن في محبتنا قتلناه…

قصيدتان للمعري
وكتب الشاعر العباسي أبو العلاء المعري العديد من القصائد عن الأم ومنها:
واعط أباك النصف حياً وميتاً
وفضّل عليه من كرامتها الأما
أقلّك خفّاً إذا أقلّتك مثقلاً
وأرضعت الحولين واحتلمت تما
وألقتك عن جهدٍ وألقاك لذةً
وضمّت وشمّت مثلما ضمّ أو شمّا
وكتب أيضاً:
العيش ماضٍ فأكرم والديك به
والأمّ أولى بإكرامٍ وإحسان
وحسبها الحمل والإرضاع تدمنه
أمران بالفضل نالا كلّ إنسان

حق الإكرام
وكتب الشاعر العراقي معروف الرصافي عن الأم:
أوجب الواجبات إكرام أمي
إن أمي أحق بالإكرام
حملتني ثقلاً ومن بعد حملي
أرضعتني إلى أوان فطامي
ورعتني في ظلمة الليل حتى
تركت نومها لأجل منامي
إن أمي هي التي خلقتني
بعد ربي فصرت بعض الأنام
فلها الحمد بعد حمدي إلهي
ولها الشكر في مدى الأيام

خبز أمي
من أجمل القصائد التي كتبها الشاعر الفلسطيني محمود درويش عن الأم قصيدة «أحن إلى خبز أمي» والتي تقول:
أحنّ إلى خبز أمي
وقهوة أمي
ولمسة أمي
وتكبر في الطفولة
يوماً على صدر يوم
وأعشق عمري لأني
إذا متّ
أخجل من دمع أمي..
خذيني، إذا عدت يوماً
وشاحاً لهدبك
وغطّي عظامي بعشب
تعمّد من طهر كعبك
وشدّي وثاقي..
بخصلة شعر
بخيط يلوّح في ذيل ثوبك
عساي أصير إلهاً
إلهاً أصير
إذا ما لمست قرارة قلبك
ضعيني، إذا ما رجعت
وقوداً بتنور نارك
وحبل غسيل على سطح دارك
لأني فقدت الوقوف
دون صلاة نهارك
هرمت، فردّي نجوم الطفولة
حتى أشارك
صغار العصافير
درب الرجوع..
لعشّ انتظارك

قصيدة الأم
ويقول العالم والأديب العباسي ابن الجوزي في قصيدته عن الأم:
زر والديك وقف على قبريهما
فكأنني بك قد نقلت إليهما
لو كنت حيث هما وكانا بالبقا
زاراك حبواً لا على قدميهما
ما كان ذنبهما إليك فطالما
منحاك نفس الود من نفسيهما
كانا إذا سمعا أنينك أسبلاً
دمعيهما أسفاً على خديهما
وتمنيا لو صادفا بك راحةً
بجميع ما يحويه ملك يديهما
فنسيت حقهما عشيّة أسكنا
تحت الثرى وسكنت في داريهما
فلتلحقنهما غداً أو بعده
حتماً كما لحقا هما أبويهما
ولتندمن على فعالك مثلما
ندما هما ندماً على فعليهما
بشراك لو قدمت فعلاً صالحاً
وقضيت بعض الحق من حقيهما
وقرأت من أي الكتاب بقدر ما
تستطيعه وبعثت ذاك إليهما
فاحفظ حفظت وصيتي واعمل بها
فعسى تنال الفوز من برّيهما

الأم مدرسة
ومن قصائد الشاعر المصري حافظ إبراهيم عن الأم:
الأم مدرسةٌ إذا أعددتها
أعددت شعباً طيب الأعراق
الأم روضٌ أن تعهده الحيا
بالري أورق أيما إيراق
الأم أستاذ الأساتذة الألى
شغلت مآثرهم مدى الآفاق

الأم والطفلة الضائعة
من أجمل القصائد التي كتبها الشاعر العراقي بدر شاكر السياب عن الأم:
قفي لا تغربي يا شمس ما يأتي مع الليل
سوى الموتى فمن ذا يرجع الغائب للأهل
إذا ما سدّت الظلماء
دروبا أثمرت بالبيت بعد تطاول المحل؟
وإن الليل ترجف أكبد الأطفال من أشباحه السوداء
من الشهب اللوامح فيه مما لاذ بالظلّ
من الهمسات والأصداء
شعاعك مثل خيط للابرنث يشده الحب
إلى قلب ابنتي من بات داري من جراحاتي
وآهاتي
مضى أزل من الأعوام آلاف من الأقمار والقلب
يعد خوافق الأنسام يحسب أنجم الليل
يعد حقائب الأطفال يبكي كلما عادوا
من الكتاب والحقل
ويا مصباح قلبي يا عزائي في الملمات
منى روحي، ابنتي عودي إليّ فها هو الزاد
وهذا الماء جوعي؟ هاك من لحمي
طعاما آه عطشى أنت يا أمي
فعبّي من دمي ماء وعودي كلهم عادوا
كأنك برسفون تخطّفتها قبضة الوحش
وكانت أمها الولهى أقل ضنى وأوهاماً
من الأم التي لم تدر أين مضيت
في نعش
على جبل؟ بكيت؟ ضحكت؟ هبّ الوحش أم ناما
وحين تموت نار الليل حين يعسعس الوسن
على الأجفان حين يفتش القصّاص في النار
ليلمح من سفينة سندباد ذوائب الصاري
ويخفت صوته لوهن
يجن دمي إليك يحن يعصرني أسى ضار
مضت عشر من السنوات عشرة أدهر سود
مضى أزل من السنوات منذ وقفت في الباب
أنادي لا يرد علي إلا الريح في الغاب
تمزق صيحتي وتعيدها والدرب مسدود
بما تنفس الظلماء من سمر وأعناب
وأنت كما يذوب النور في دوّامة الليل
كأنك قطرة الطل
تشرّبها التراب أكاد من فرق وأوصاب
أسائل كل ما في الليل من شبح ومن ظل
أسائل كل ما طفل
أأبصرت ابنتي؟ أرأيتها؟ أسمعت ممشاها؟

الأم تلثم طفلها
ونذكر أبيات هذه القصيدة والتي كتبها الشاعر التونسي أبو قاسم الشابي:
الأم تلثم طفلها، وتضـمه
حرم، سماوي الجمال، مقدس
تتأله الأفكار، وهي جواره
وتعود طاهرة هناك الأنفس
حَرم الحياة بطهرها وحنانها
هل فوقه حرمٌ أجل وأقدس؟
بوركت يا حرم الأمومة والصِّبا
كم فيك تكتمل الحياة وتقدس

أقوال العظماء
وخطّ الكثير من الفلاسفة والأدباء والمبدعين في مجالات عدة بأقوال عن الأم تعبر عن مدى قيمتها التي لا يمكن مضاهاتها بشيء في الحياة:
الفنان السوري فريد الأطرش: إنني ومنذ استمعت إلى غناء وعزف أمي وأنا أسبح في هذا البحر الكبير كقطرة.
الفيلسوف اليوناني سقراط: لم أطمئن قط إلا وأنا في حجر أمي.
الفيلسوف الفرنسي جان جاك روسو: لو كان العالم في كفة وأمي في كفة لاخترت أمي.
الأديب الفرنسي فيكتور هوغو: إذا صغر العالم كله فالأم تبقى كبيرة.
الموسيقار الألماني بيتهوفن: إن أرق الألحان وأعذب الأنغام لا يعزفها إلا قلب الأم.
الكاتب والممثل الإنكليزي وليم شكسبير: ليس في العالم وسادة أنعم من حضن الأم.
الكاتب الروسي أنطون تشيخوف: لا يستحق أي شخص في هذا العالم الكريه محبتنا أكثر من أمهاتنا.
الشاعر المصري أحمد شوقي: أمي وإن طال الحديث بها فلا شعر يوفيها ولا الأقلام.
الروائي الكولومبي غابرييل غارسيا ماركيز: الأم كالعمر لا تتكرر مرتين.
المفكر الروسي ليو تولستوي: الزوجة للنصيحة الجيدة، والحماة للاستقبال الجيد، لكن لاشيء يضاهي حلاوة الأم.
الروائية التشيلية إيزابيل الليندي: الأم والوطن لا يمكن المزاح فيهما، إنهما مقدسان.
الأديب المصري أنيس منصور: الأم هي الحب الثابت، والحقيقة التي لا تتغير في زمن كل ما فيه يتغير.
الكاتب الجزائري أنسي الحاج: أنا مستعد لمقايضة كل شيء بعدم فقدان الأم، هذا الفقد يحفر ثقباً في الروح لا يُردم.
الأديب اللبناني جبران خليل جبران: كل البيوت مظلمة إلى أن تستيقظ الأم.
الأديب المصري مصطفى لطفي المنفلوطي: سر الحياة الإنسانية، وينبوع وجودها، وكوكبها الأعلى الذي تنبعث منه جميع أشعتها، ينحصر في كلمة واحدة هي.. قلب الأم.
الروائي الفرنسي جول فيرن: إن وطن الفرد الأم هو حيث يجب أن يعيش ويموت المرء.
الملاكم الأميركي محمد علي كلاي: كل القلوب يغيرها الوقت، إلا قلب الأم جنة دائمة.
الشاعر الإنكليزي صامويل كولريدج: الأم هي الأم، هي أكثر الأشياء قدسيةً على قيد الحياة.
الشاعرة الأميركية إيميلي ديكنسون: الأم هي الشخص الذي تسرع إليه عندما تكون في ورطة.
الفيلسوف الفرنسي فولتير: حِجْر الأم هو المكان الآمن الذي تستطيع أن تسند إليه رأسك وأنت مرتاح مطمئن.
الروائي الجزائري واسيني الأعرج: الأم حنان لا يعوض، يبدو لي أحياناً أننا عندما نحب فنحن نبحث في الوجوه الأخرى عن الأم، أم أكثر جرأة، قادرة على الذهاب بحبها إلى أقصى الحدود ضاربة عرض الحائط بكل الموانع.
الكاتب الفرنسي أونوريه دي بلزاك: الرجال من صنعتهم أمهاتهم.
الكاتبة الأميركية هارييت ستاو: الرب يعطينا كثيراً من الأشياء مرتين بل مراتٍ عديدة، لكنه لا يعطينا الأم إلا مرة واحدة.
الشاعر الإنكليزي لورد بايرون: عينا الأم سر إلهام ولدها.
الروائي الفرنسي مارسيل بروست: كنزي الحقيقي هو أمي.
الكاتب الفرنسي ألبير كامو: أنا أؤمن بالعدل، ولكني سأدافع عن أمي قبل العدل.
المخترع الأميركي توماس أديسون: أمي هي التي صنعتني، لأنها كانت تحترمني وتثق بي.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن