قضايا وآراء

رهانات أميركا الخاسرة في سورية؟

صياح عزام :

يجمع العديد من المحللين السياسيين المخضرمين أن الرئيس الروسي «فلاديمير بوتين» هو صانع السياسة المحنك والقائمة على دراسة وتحليل الوقائع والتطورات بدقة ووفق حسابات مدروسة تأخذ بالحسبان كل الظروف والمعطيات القائمة قبل اتخاذ القرار المناسب. فبعد خمس عشرة سنة من البناء الروسي، تحركت موسكو لاستعادة دورها عل الصعيد الدولي، بينما استنزفت الولايات المتحدة قدراتها في حروب فاشلة هنا وهناك.
وما بدا واضحاً الآن، أن واشنطن خسرت رهاناتها كلها في سورية، فلم ينجر المجتمع السوري إلى الحرب الطائفية التي راهن عليها أعداؤها، وأكد الشعب السوري الحي منذ سبعة آلاف عام أنه قادر على الصمود وعلى البناء مهما اعترضه من تحديات، ولو أن تضحياته أو الفاتورة التي دفعها في مجابهته المستمرة للإرهاب كانت مُكلفة وكبيرة.
خلال خمس سنوات تقريباً قادت واشنطن معسكراً عدوانياً على سورية مارس عبر أدواته الإرهابية والدول الراعية والداعمة والممولة لها أبشع صور الإجرام بحق الشعب السوري والدولة السورية، من عمليات القتل والاغتيال بالجملة، وتهجير السوريين من ديارهم، وفتح باب اللجوء لهم في الخارج، وتصنيع الأخبار الملفقة والتهم الكاذبة باستخدام الجيش السوري للأسلحة الكيمياوية، وتدريب ما يُسمى «المعارضة المعتدلة»، والمؤتمرات المتعددة التي نُظمت تحت أسماء برّاقة مثل «أصدقاء سورية»، ودعم معارضات الفنادق التركية والأوروبية والقطرية بالمال والإعلام، والرهان على تغيير الموقف الروسي المبدئي نحو سورية بالضغوط في أوكرانيا وبمحاولات تقديم الرشاوى، ثم تعطيل الحياة السياسية في لبنان، وتسليم الحدود التركية السورية لمرتزقة العالم الذين احتضنهم أردوغان وقدّم لهم كل صنوف الدعم وما يزال، وإقفال الحدود مع الأردن، والحصار السياسي والاقتصادي والإعلامي لسورية وأخيراً بدء الحرب على اليمن من السعودية، كل هذه الخيارات الأميركية التي جربت تحت عباءة «الربيع العربي» والمطالبة بالإصلاحات، قد فشلت رغم أنها تركت وراءها دماراً كبيراً في سورية وغيرها.
أول مظاهر هذا الفشل: التحولات في المواقف الأميركية والأوروبية التي حصلت مؤخراً فبعد تسابق وسائل الإعلام الغربية والعربية الموالية لها في دول الخليج لنقل التصريحات التي يتمسك أصحابها بإسقاط القيادة السورية وحل الجيش السوري وتشكيل قوة جديدة بديلة منه؛ بعد كل هذا بدأ الخطاب تجاه سورية يتغير مع الإشارة إلى ضرورة وجود الرئيس السوري في أي حل سياسي، حتى إن الرئيس الأميركي أوباما في خطابه في الدورة /70/ للجمعية العامة للأمم المتحدة -وإن كان قد أشار إلى المرحلة الانتقالية في سورية بعيداً عن الرئيس الأسد- لم يتحدث عن شرط التنحي باعتباره شرطاً لابد منه لبدء العملية السياسية كما كان الأمر سابقاً، ولكنه لجأ إلى شخصنة السياسة إرضاء لحلفائه في السعودية وقطر وتركيا وبما يحفظ لهم ماء الوجه، هذا وإن كانت مثل هذه المهادنة والمواربة من أوباما تهدف في جملة ما تهدف إليه إلى الاستمرار في سياسة استنزاف سورية ومحاولة اختبار مدى الجدية الروسية في سورية بعد تعزيز حضورها العسكري فيها.
إذاً وجد الأميركيون أنفسهم بعد خمس سنوات في مستنقع لا نهاية له، إذ لم تتمكن واشنطن من الرهان على ما وصفته «بالمعارضة المعتدلة» لمحاربة داعش التي سلّمت دفعات من الأسلحة الأميركية للنصرة وداعش، كما وجدت واشنطن أن الجيش السوري يزداد تماسكاً وصموداً في وجه الإرهاب وداعميه.
إضافة إلى ذلك، فإن أزمة تهجير السوريين إلى أوروبا ودولها الحليفة لأميركا، أثقلت كاهل الأوروبيين الذين بدؤوا يشعرون بثقل وتكاليف الانصياع للسياسة الأميركية. ثم جاء القرار الروسي الواضح وهو عدم السماح بإسقاط الدولة السورية، وبأن مساندة روسيا لسورية هي جزء من الدفاع عن الأمن القومي الروسي نفسه، وأن أحداً لا يستطيع الوقوف في وجه هذه المساندة، ليشكل كل ذلك صدمة قوية لواشنطن وأتباعها، والأمر المهم الآخر أن الأميركيين وأتباعهم من أردوغان إلى آل سعود ومسؤولي محمية قطر، قد خسروا الرهان على الأرض، حيث يتغير الموقف الميداني باستمرار لمصلحة الجيش السوري، وتلحق بالمرتزقة خسائر فادحة على مختلف الجبهات المشتعلة، إلى جانب تمسك سورية بالمبادئ والثوابت التي من أهمها أن محاربة الإرهاب لها أولوية، وأن وقف تمويله ودعمه من دول عربية وإقليمية معروفة، ووقف تلفيق الأخبار، هي من الشروط لإنهاء حالة القتال والبدء بحوار سوري سوري بعيداً عن أي تدخلات خارجية.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن