قضايا وآراء

الإمبراطورية الأميركية وعوامل تدهور قوتها المتزايدة

| تحسين الحلبي

يقول الكاتب السياسي الأميركي شالميرز جونسون مؤلف كتاب «تفكيك الإمبراطورية: آخر أفضل أمل لأميركا» وصدر عام 2010: إنه «من المؤسف ألا تلجأ الإدارة الأميركية إلى تفكيك هيمنتها على غرار ما فعلته بريطانيا من نفسها بعد عجزها عن السيطرة على كل مستعمراتها»، بفضل تزايد مقاومة الشعوب لهيمنتها بعد الحرب العالمية الثانية، ويؤكد أن «تجاهلنا لهذه العبرة سيجعل تراجعنا وسقوطنا يحدث بشكل متسارع سلفاً».
ويحدد جونسون «ثلاثة أسباب أساسية تدعو إلى ضرورة قيام الأميركيين بتصفية الإمبراطورية الأميركية بأنفسهم قبل أن تصفيهم».
الأول: هو أن الولايات المتحدة لم يعد في مقدورها أن تتحمل أعباء التوسع الذي فرضته بعد الحرب العالمية الثانية، وهذا يعني أنها عاجزة عن أن تشكل القوة المهيمنة على العالم وأصبحت بموجب آراء معظم الاقتصاديين القوة الاقتصادية المترنحة وهذا ما يعترف به روبرت ويب أحد أهم الكتاب السياسيين الأميركيين ومؤلف كتاب: «نموت لننتصر: المنطق الإستراتيجي للعمليات العسكرية الانتحارية»، وصدر عام 2005، حين يقول في مقال في مجلة «أنتي وور» قبل أيام: «إن الولايات المتحدة تشهد تدهوراً غير مسبوق، فجراح حرب العراق وتزايد الدين العام على الإدارة الأميركية وتزايد أرصدة الحسابات السلبية الجارية وعوامل الضعف الاقتصادي الداخلية، أدت إلى إضعاف القوة الفعلية الأميركية في عالم اليوم الذي يتزايد فيه انتشار المعرفة والتكنولوجيا، وإذا ما استمرت هذه الاتجاهات فسوف نعد سنوات الرئيس دونالد ترامب ركعة موت الهيمنة الأميركية».
والحقيقة هي أن الولايات المتحدة تنفق 250 مليار دولار كل سنة للمحافظة على وجودها العسكري في الخارج بموجب ما يظهر في ميزانية وأرقام وزارة الدفاع التي جاء فيها أيضاً أن الولايات المتحدة لم تعد بحاجة لجميع المنشآت والقواعد الحربية التي تبلغ 865 قاعدة في أكثر من 40 دولة ولذلك بدأت تزداد المطالبة بتخفيض كل هذه النفقات والأعباء في عالم فرضت فيه روسيا والصين نظام تعدد الأقطاب، وشجعتا بفضل هذا التطور دولاً كثيرة أوروبية وغير أوروبية على البحث عن نظام عالمي لا تهيمن فيه واشنطن على العالم.
السبب الثاني بموجب ما يبين جونسون، هو أن الولايات المتحدة مازالت تخسر الحرب في أفغانستان وسوف تدفع هذه الحرب أميركا إلى الإفلاس وكان من الممكن للإدارات الأميركية أخذ العبرة من تجربة بريطانيا ثم تجربة روسيا في تفضيل عدم إطالة المجابهة العسكرية مع الأفغان والكف عن الاستمرار في هذه الحرب طوال 19 عاماً.
ويؤكد جونسون أن الطائرات المسيّرة التي راهنت على دورها وزارة الدفاع الأميركية في القصف عن بعد من مواقع القيادة العسكرية في أريزونا داخل الولايات المتحدة هزمها المقاتلون الأفغان وكانت تقتل المدنيين فقط وتزيد من نقمة الأفغان ضد الأميركيين وحلفائهم في الحكومة الأفغانية وتزيد من إصرار المقاتلين على مقاومة الأميركيين.
كما أن تكنولوجيا الطائرات المسيرة أصبحت في متناول استخدام المقاتلين الأفغان مثلما هي في متناول أنصار اللـه اليمنيين، الذين يكبدون السعودية خسائر فادحة بفضل صناعتهم وإعدادهم لهذا النوع من الأسلحة.
ويصف جونسون السبب الثالث لانهيار الهيمنة الأميركية، «بضرورة إنهاء العار المستتر في القواعد العسكرية للإمبراطورية الأميركية».
فيبين أن وجود أكثر من 190 ألفاً من القوات الأميركية في 46 دولة ومنطقة إضافة إلى المتعاقدين المدنيين في هذه الدول والمناطق، يثير مشاكل كثيرة للولايات المتحدة بسبب جرائم الاغتصاب والاعتداء على المواطنين من الدول التي تتمركز بها هذه القوات وبخاصة في اليابان التي ينتشر فيها أكثر من 40 ألفاً من الجنود الأميركيين وكذلك في كوريا الجنوبية ودول أخرى. وتمنع قيادة الجيش الأميركي نشر هذه المخالفات والجرائم التي يرتكبها الجنود الأميركيون من اغتصاب للنساء واعتداء على الممتلكات.
وبالإضافة إلى كل هذه الأسباب لم يعد معظم الأوروبيين يجدون في الولايات المتحدة حليفاً أو دولة يمكن الدفاع عن سياساتها في العالم، إلى حد جعل معظم رؤساء حكومات أوروبا لا يفضلون وجود القوات الأميركية على أراضيهم وهذا ما يؤدي إلى تدهور النفوذ الأميركي على مستوى الرأي العام وكذلك على مستوى القادة السياسيين، والكل يرى أن معظم الحروب التي خاضتها الولايات المتحدة كقطب وحيد منذ انتهاء وجود الاتحاد السوفييتي في بداية التسعينيات لم ينتج عنها سوى التدمير والمذابح في منطقة الشرق الأوسط والمزيد من النزاعات بين الدول التابعة للملعب الأميركي نفسها وليس بينها وبين الدول المناهضة للهيمنة الأميركية وسياساتها العدوانية من دون تحقيق معظم الأهداف الأميركية. ولا شك أن مثل هذه النتائج التي أصبحت متسارعة في براهينها على تدهور النفوذ والقوة الأميركية ستفرض خلال فترة لا تتجاوز السنوات القليلة نظاماً عالمياً جديداً يجعل وضع الولايات المتحدة شبيهاً بوضع بريطانيا وفرنسا بعد الحرب العالمية الثانية وخسارتهما لنفوذهما في القرنين الماضيين ولمعظم قواعدهما العسكرية الاستعمارية في القرن الواحد والعشرين.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن