قضايا وآراء

حقائق الحرب على سورية مع دخولها العام العاشر

| محمد نادر العمري

مع دخول سورية أعتاب السنة العاشرة من عمر الحرب عليها، يتزايد انكشاف الحقائق وأثر هذه الحرب في التطورات والتغيرات الحاصلة والتي شكلت سمة بارزة في ظهورها مع كل مرحلة تمر بها، فالمتابع للشأن السوري بجوانبه المختلفة يمكن له أن يرصد تداعيات أبرزتها هذه الحرب على مستوى داخل الخريطة الجغرافية السورية وخارجها وحقائق أخذت بالتبلور بصورة أكثر وضوحاً بما تتضمنه من خصوصيات وأبعاد وأهداف هذه الحرب.
انطلاقاً من ذلك يمكن الإشارة إلى أهم الحقائق والآثار التي أظهرتها الحرب على سورية خلال عقد من الزمن:
– الحقيقة الأولى تتمثل في تحول الصراع على سورية من ضرورة وجودها ضمن أي مسار أو تحالف أو اصطفاف «كما كان عليه سابقاً» إلى أهمية التحكم بقرارها وإرادتها السياسية وتأثير ذلك في شكل طبيعة العلاقة ومعالم النظام الإقليمي ومحدداته، فمنذ بداية مرحلة عهد الاستقلال من الاحتلال الفرنسي في منتصف عقد الأربعينيات من القرن الماضي، هدفت معظم المشاريع والتوجهات الإقليمية لكسب صراعها في استقطاب سورية نظراً لأهمية الوجود والجغرافية السورية ضمن هذه الاصطفافات، وهذا برز في مشروع حلف بغداد ومن ثم استهداف الوحدة مع مصر ومن ثم تكاثر الانقلابات الداخلية، ولكن منذ عقود لم تقتصر أهمية سورية بجغرافيتها وثقلها العربي بل بإرادتها السياسية وتبنيها عقيدة المقاومة إلى جانب العروبة والدفاع عن الحقوق العربية، ما جعلها أكثر عرضة للتهديد للتخلي عن مواقفها وتحالفاتها الإستراتيجية، وهذه كانت مضامين المطالب الأميركية ولاسيما بعد احتلال العراق من خلال شروط الإذعان التي حملها وزير خارجية أميركا السابق كولن باول عام 2003، ومن ثم استخدام قانون محاسبة سورية وصولاً لأهداف الحرب التي تعيشها سورية اليوم والتي كان الهدف منها ولا يزال بالنسبة للسياسة الأميركية تغيير بنية النظام السياسي بشكل كامل، وهو ما يعني تحول تحالفات واصطفافات سورية وتخليها عن محور المقاومة والدخول في عملية سلام وتطبيع مع الكيان الإسرائيلي وهو ما عبرت عنه تصريحات المسؤولين الأميركيين ومطالب المجموعة المصغرة حول سورية.
– الحقيقة الثانية، محاولة تقسيم سورية وإضعاف بنيتها الداخلية وأثر ذلك على إعادة هندسة المنطقة بشكل عام، فمع مرور سنوات الحرب برز توجه أساسي وواضح لدى وسائل الإعلام وسلوك الفاعلين السياسيين من الدول والأطراف المعتدية على سورية، بتغير مقاربات هذه الحرب من خلال محاولاتهم الترويج بأن هذه الحرب هي «نزاع على الشرعية، حرب أهلية داخلية، اقتتال طائفي… إلخ» بهدف إعادة هندسة المنطقة بما يتناسب مع مصالح هذه الدول التي أدركت أن مركز الثقل وصمام الأمان للحفاظ على التكوين الاجتماعي مركزه سورية، لذلك سعوا إلى محاولة تقديم المشهد بأنه حرب داخلية وليس صراعاً على سورية بهدف إحداث شرخ داخل المجتمع السوري وتسويغ تدخلهم في إدارة هذه الحرب بذريعة حماية الأقليات والقوميات لما من تأثير ذلك على الخريطة الإقليمية، لذلك حاولوا تفريغ سورية من المسيحيين عبر أبواب الهجرة المنظمة والسرية وإحداث عمليات تغيير ديموغرافي تكفلت بها التنظيمات الإرهابية بداية، وطرح إسرائيل لمشروع حماية ودعم «الطائفة الدرزية» بالتعاون مع بعض الشخصيات في لبنان لسلخ جبل العرب، وقيام واشنطن بتكرار نموذج إقليم كردستان العراق في الشمال السوري وتوقيع الإدارة الأميركية مع مطلع عام 2019 مرسوماً لحماية الأقليات.
– الحقيقة الثالثة، أنه لأول مرة في التاريخ السياسي الحديث شهدت سورية أشكالاً وأجيالاً متعددة من الحروب، وهذا برز مع كل مرحلة وتطور شهده الميدان العسكري وما تطلبه ذلك من تطوير وتنويع وسائل المواجهة وأدواتها، فالحرب والتدخل المباشر كانا حاضران ولو بمقاييس مختلفة سواء من خلال قيادة واشنطن لاعتداءات متكررة على سورية بذريعة الكيميائي أم من خلال السلوك العدواني الإسرائيلي المستمر بحجج متعددة، أو من خلال ما شهدته المنطقة الشمالية الغربية بصورة الاشتباك الأخير الذي حصل بين سورية وحلفائها بمواجهة الغزو التركي، أو الحرب بالوكالة التي شكلت رأس حربة في تعويم مصطلحات كان هدفها تدمير سورية كمرحلة متقدمة في صراع واشنطن والغرب مع إيران وروسيا والصين عبر التنظيمات الإرهابية، والمزاوجة بين أجيال الحربين الرابعة والخامسة من خلال إيجاد بيئة لهذه التنظيمات وإدارتها وتطوير قدراتها واستخدام التكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي والإعلام ونشر الإشاعات وممارسة الحصار الاقتصادي والتوجه نحو تقليب الشارع وخلق حالة من عدم ثقة المواطن بمؤسسات الدولة لنشر الفوضى، إضافة إلى محاولات تشويه وشيطنة صورة الجيش العربي السوري والأجهزة الأمنية.
– الحقيقة الرابعة، لقد أكدت الحرب على سورية تغيير موازين القوى وقواعد الاشتباك على مستوى النظامين الإقليمي والدولي، وهذا ظهر بشكل جلي من خلال عدم قدرة القوى الكبرى والمهيمنة خلال العقود السابقة على الحسم العسكري لفرض صيغة سياسية كما هو الحال في معاهدة فرساي الأولى والثانية، مقابل اكتساب الجيش العربي السوري وحلفائه وأصدقائه خبرات تراكمية قتالية واختبار قدراتهم، وبروز دور الدول الصاعدة في إدارة الأزمات الدولية ومحاربة الإرهاب، لذلك سعت الدول المعتدية على سورية إلى تعويم الإرهاب بشكل أكثر تطوراً وتوظيفه كأداة تنفيذ في سياساتها الخارجية، الأمر الذي وضع النظام الدولي أمام معضلة الإرهاب المنظم والعابر للحدود الجغرافية وخلق تحدياً في كيفية القضاء عليه في ظل اعتماده كخيار للمواجهة من هذه الدول الكبرى وخاصة الولايات المتحدة الأميركية.
– الحقيقة الخامسة، وهي من أهم الحقائق التي يمكن رصدها وملاحظتها من سنوات الحرب على سورية، ألا وهي هشاشة فعالية المؤسسات الدولية وفقدانها لآليات ووسائل المحافظة على مبادئها التي تبنتها، وبذلك غدت في وضع ليس أفضل من سابقاتها «كعصبة الأمم» في حل الأزمات وإيجاد الحلول لها بالطرق والوسائل السلمية، فمساعيها الحميدة وممثلوها شكلوا في معظم مسارات الحرب على سورية «حصان طروادة» لتنفيذ المطالب الغربية، هذا نتيجة عوامل متعددة أبرزها خضوع هذه المؤسسات لاعتبار وجودها الجغرافي وجهات تمويلها، فضلاً عن تأثير تغير موازين القوى الذي يشهده النظام الدولي على أروقتها، وفقدانها للاستقلالية التامة ولآليات تطبيق مبادئها وقراراتها فيما يتعلق بحفظ السلام العالمي، وبالتالي فإن المتابع لحجم الاجتماعات المكثفة حول سورية وعدم تطبيق القرارات المتعلقة بالإرهاب وتغافل الحقائق التي قدمت والاعتماد على ما سمي بشهود عيان من خارج سورية، وتوظيف الملفات الإنسانية وفي بعض الأحيان افتعالها كما حصل في مضايا وريف حمص ووضع العراقيل أمام عودة اللاجئين وتشكيل ضغوط متعلقة بملف الكيميائي، وربما أيضاً في الفترة القادمة نسمع عن ابتزاز سياسي تحت ما يسمى محاكم الجنايات والحروب يظهر مدى هشاشتها وعدم حيادها.
– الحقيقة السادسة، لم تؤد الحرب على سورية فقط لتغيير موازين القوى على مستوى التوازنات وقواعد الاشتباك، بل بدأ انتقال مركز الثقل السياسي جغرافياً من أوروبا وأميركا باتجاه النصف الشرقي من الكرة الأرضية وبالتالي كسر احتكار رعاية عمليات السلام وحلول الأزمات، فلقاءات واتفاقات سوتشي وأستانا ضمن منظومة اللقاءات الدبلوماسية أو الاجتماعات التقنية خير مؤشر على ذلك وبقضايا أصبحت تتجاوز الملف السوري تجاه ملفات ثانية.
– الحقيقة السابعة والأبرز والأهم هي مسألة العامل الاجتماعي السوري الذي شكل نواة الصمود والالتفاف حول الجيش العربي السوري ومؤسسات الدولة، لذلك فإن هدف الحصار والعقوبات الاقتصادية هو شد الخناق على الشعب قبل الدولة لأنه العامل الأبرز في تغير المعادلات وسر صمود تسعة أعوام، لذلك لابد من أن تكون مرحلة إعادة الأعمار والعملية السياسية لمصلحة الشعب السوري وبما تحسن من واقعه الاجتماعي والاقتصادي بشكل كبير.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن