قضايا وآراء

نار داخل «البيت السديري»

| عبد المنعم علي عيسى

قد لا يكون مهماً تبيان صحة، من خطأ، التقارير التي أشارت مؤخراً إلى تدهور صحة الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز لقراءة التطورات الحاصلة قبل أيام داخل دائرة الحكم الضيقة في الأسرة السعودية، ولربما كانت هذي الأخيرة هي الأهم والأخطر منذ وصول الأخير إلى العرش في العام 2015، دون أن يعني ذلك أنه لا أهمية للأحداث التي شهدها عهده على امتداد ما يقرب من خمس سنوات.
أهمية الأمر الأول، أي صحة الملك، في حدوث تلك التطورات الأخيرة تتأتى من أمرين اثنين، أولهما هو أن ولي العهد الحالي يبدو مترقباً، أو هو يضع في حساباته، احتمال إخفاق الرئيس الأميركي دونالد ترامب في تمديد إقامته في البيت الأبيض، وهو أمر فيما لو حصل فإنه سيزعزع انتقالاً سلساً للسلطة إليه انطلاقاً من الأضواء الخضر التي منحها الأخير للأول على امتداد السنوات الماضية، ولذا فإن مؤشراته التي يراها إذا ما تكاثفت لديه في هذا الاتجاه فإنه قد يذهب نحو خيار الانقضاض على السلطة بالتراضي أو بالإكراه قبيل حلول الخريف المقبل الذي سيشهد الاستحقاق الأميركي دون انتظار لتدخل القدر الذي إن فعل كان ملغياً لخيار الإكراه المحرج، وثانيهما هو أن النار قد وصلت في محطتها الأخيرة إلى عمق البيت السديري الحاكم الآن، وهذا المصطلح الأخير يطلق للدلالة على الأبناء السبعة للملك عبد العزيز المؤسس من زوجته حصة بنت أحمد السديري الذين وصل منهم إلى السلطة اثنان هما الملك الراحل فهد والحالي سلمان، فيما سجل يوم الجمعة الماضي 6 آذار اعتقال الأمير أحمد بن عبد العزيز شقيق الملك، والأمير محمد بن نايف ولي العهد السابق السديريين أيضاً، وهو أمر شديد الحساسية قياساً للتوازنات القائمة في السلطة راهناً، فيما القرار باقتحام ذلك البيت يمكن النظر إليه على أنه رسالة داخلية مفادها أن «بلدوزر» السلطة لن يوفر أي ندبة تقف في طريق وصول ابن سلمان، كمتسابق أول، إلى الشريط الذي يشير إلى فوزه بالسباق.
تكاثفت التقارير الغربية في غضون الأيام القليلة الماضية تلك الراصدة لهذا الحدث الأخير، وأبرزها الأميركية والبريطانية شديدتا القرب من دوائر صنع القرار في المملكة، وكلا المنبعين كان يقدم في كل تقرير المزيد من تفاصيل الاعتقال الذي قالت صحيفة «ميدل إيست آي» البريطانية إنه توسع لاحقاً ليشمل عشرين أميراً آخرين في الساعات التي تلت اعتقال رأسي الحربة الأميرين أحمد ومحمد اللذين أجمع المنبعان الأميركي والبريطاني على أنهما كانا يعدان العدة للقيام بانقلاب يحول دون وصول ولي العهد إلى قصر اليمامة كحاكم له.
لا تشبه الاعتقالات الأخيرة المشار إليها تلك التي حصلت في العام 2017 عندما جرى اعتقال العشرات من الأمراء في فندق «الريتز كارلتون» بتهم فساد، فهذي الأخيرة كانت من حيث المرامي نوعاً من الضغط الشديد على قوى اقتصادية ومجتمعية لقولبتها في سياق النهج الذي كان ابن سلمان قد قرر السير فيه والذي كانت تراسيمه تريد القول: إن المملكة محكومة بالتغيير أو إن كيانها مهدد بالغياب وفق صورته الراهنة، كما أن الاعتقالات التي تزامنت معها، أي مع الاعتقالات الأخيرة، وشملت كوادر لحركة حماس وآخرين محسوبين عليها ليست مرتبطة بها بنيوياً وإنما يمكن اعتبار الأخيرة كشيك يدفع مسبقاً في سياق الأثمان المترتبة على تمرير الأولى، كما ويمكن اعتباره في سياق «حسن النوايا» الذي يجب على الرياض إثباته تجاه «صفقة القرن»، وبالنتيجة فإن اعتقالات كوادر حماس جاءت خادمة لاقتحام البيت السديري حيث النجاح في هذا الفعل الأخير يمثل تمهيداً أكيداً، ولربما إزالة لآخر العقبات، أمام حمل ابن سلمان للرقم 8 في نادي ملوك الدولة السعودية الثالثة التي أعلنت بشكلها الحالي في العام 1932.
يمكن القول إن التطورات الأخيرة تحظى بإيماءة أميركية، وكذا بريطانية، على الرغم من أن المعتقلين الأساسيين فيها يعتبران تلميذين نجيبين لوكالة الاستخبارات الأميركية CIA وكلاهما تربيا في مدارسها وخدما طويلاً أجندتها في المنطقة، إلا أن المصلحة الأميركية كما يبدو تتطلب ابتعادهما عن المشهد بفعل ريبة في القدرات وكذا في الآفاق التي يمكن أن يستحضرها وصول أحدهما إلى السلطة قياساً إلى أن ذلك الوصول المفترض يمكن أن يخلط العديد من الأوراق في العديد من الملفات التي أخذ ترتيبها جهداً كبيراً منذ العام 2015 عام وصول الملك سلمان إلى السلطة، ومن المؤكد الآن أن وصول ابن سلمان إلى قصر اليمامة بات أمراً منظوراً، بل ومرجحاً، في غضون الأشهر المقبلة، ما لم تهب رياح من الخارج تتصف بالعتي يكون من شأنها أن تهشم زخارف «هيئة البيعة» بطبعتها الراهنة، أو هي تثير حفيظة المؤسسة الدينية التي تنظر بعين الريبة لتوجهات ابن سلمان التي ترى فيها عاملاً مزعزعاً لاستقرار المجتمع السعودي.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن