من دفتر الوطن

اطلبوا ما في الصين

| حسن م. يوسف

«إن ما كان فيك تضوِّي شمعة، لا تشعل حريء (حريق)
وإن ما كان فيك تواسي دمعة، لا تظلم بريء…»
قبل سنوات عبرت عن خلاصة موقفي من الحياة بهذه الكلمات التي كتبتها لتكون مطلع شارة مسلسل «المارقون» للمخرج القدير نجدة إسماعيل أنزور، وها أنذا أتذكرها الآن في هذا الظرف الحرج الذي نمر به جميعاً نحن البشر، وقد عبرت عن موقفي مما يجري بوضوح إذ قلت: لا للتهويل الذي يجعل الذعر يشل الناس، ولا للتهوين الذي يدفعهم لعدم الوقاية والاستهانة بالخطر.
قبل أيام نشر الفنان الزميل في «الوطن» عبد الهادي الشماع، رسماً كاريكاتورياً يمثل فيروس كورونا وهو يجعل العالم يقف قبالة الحائط مرفوع اليدين، على رجل واحدة، ومع أن فن الكاريكاتير غالباً ما يعتمد على المبالغة، إلا أن لوحة زميلنا الشماع ارتقت من المبالغة إلى البلاغة في تصويرها لعجز البشرية، حتى الآن، في التصدي لهذا الوباء.
في مسلسل «نهاية رجل شجاع» الذي كتبت له السيناريو والحوار قبل أكثر من ربع قرن، يقول مفيد الوحش لصديقه حسن الدفش: «يالطيف ياحسن… لو البني آدم كان بـيعرف قديش هو هش وضعيف ما كان لا بيتحيون ولا بيتجبر». إلا أن فيروس كورونا لم يكشف هشاشتنا كبشر وحسب، بل فضح عرينا الأخلاقي! فهو يشبه الطفل الذي صرخ: «الملك عار» في قصة «ثوب الإمبراطور» للكاتب الدانمركي هانز كريستيان أندرسون!
قبل أيام ألقى رئيس جمهورية صربيا الكسندر فوجيشك خطاباً أعلن فيه حالة الطوارئ في صربيا لمجابهة فيروس كورونا، وقد قال بمرارة شديدة: «الآن ندرك جميعاً أن ما يسمى بـ«التضامن العالمي» فعلياً غير موجود. التضامن الأوروبي غير موجود، لقد كان كل هذا قصة خرافية على الورق. «والسر الكامن خلف هذا الكلام المر هو أن رئيسة المفوضية الأوروبية أعلنت أنه من غير المسموح لصربيا أن تستورد المعدات الطبية من الاتحاد الأوروبي! لأنه لا يوجد ما يكفي لهم». هنا قال الرئيس الصربي لشعبه: «كدت أخرج من جلدي!» وسبب خروج الرجل من جلده هو أن الاتحاد الأوروبي كان يلزم صربيا بتعديل شروط مناقصاتها الخارجية، بحيث لا يكون السعر المنخفض هو الأولوية، «كي نشتري كل شيء من الاتحاد الأوروبي». ولهذه المناسبة لم يفت الرئيس الصربي أن يشيد بموقف الصين الأخوي والأخلاقي.
والحق أن الرأسمالية الغربية كشفت عن أبعاد غير مسبوقة من الوحشية، فترامب عرض على الشركة الألمانية التي تقوم بتطوير لقاح لفيروس كورونا المستجد، نقل مركز أبحاثها إلى الولايات المتحدة كي تحتكر أميركا اللقاح! والأقبح من ذلك هو اعتماد بريطانيا وهولندا والسويد وألمانيا على سياسة «مناعة القطيع» إذ تجد هذه الدول في كورونا فرصة للتخلص من عجائزها وتجديد شباب مجتمعاتها!
مأثرة الصين لا تكمن في أنها كسرت الاحتكار الغربي للصناعة والعلم لمصلحة الإنسان وحسب، بل تكمن في تفوقها الأخلاقي على مدى التاريخ، ففي عام 1697 قال الفيلسوف الألماني ليبنتز بعد أن درس الفلسفة الصينية «إن الأحوال السائدة بيننا وما استشرى في الأرض من فساد طويل العهد تكاد كلها تحملني على الاعتقاد بأن الواجب أن يرسل إلينا مبشرون صينيون ليعلمونا أساليب الأديان القومية وأهدافها… ذلك بأني أعتقد أنه لو عين رجل حكيم قاضياً ليحكم أي الشعوب أفضل أخلاقاً من سواها، لما تردد في الحكم للصين بالأسبقية في هذا المضمار».

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن