قضايا وآراء

سورية في عالم مختلف

| مازن بلال

يصعب تمييز الحدث المحلي، فكارثة الوباء التي كسرت كل المقاييس السياسية ألغت الأولويات، ورسمت عالماً من وحي الصراعات التي ترتكز اليوم على قوة مختلفة، فالنظام الدولي المضطرب يتركز اليوم داخل المختبرات، ويتشكل على إيقاع العلوم أكثر من أي وقت مضى، وعند هذا الحد تصبح الدول أرقاماً لأعداد الضحايا، وتغدو سورية وسط هذه الخريطة محطة لمراجعة ذاتية فقط، فلا أحد قادر اليوم على النظر إليها ضمن لحظة من الصراع غير المسبوق لتسجيل نقطة قوة خارج ميدان القوة التقليدية.
سيواجه السوريون بعد أزمة كورونا واقعاً مختلفاً وذلك بغض النظر عن مجريات موازين القوى القائمة حالياً، فالحرب مع هذا الوباء تشكل فرزاً للمنظومات السياسية، وتقوم بإنهاك الدول والمؤسسات غير القادرة على مجاراة التنافس القائم، ولحظات المواجهة القادمة ستكون مع الفجوة التي دفعها الواقع الدولي إلى الواجهة، فمشاكل الدول التقليدية تكتسب الآن سمات مختلفة، وحتى نستطيع قراءة ما يجري فإننا أمام أمرين:
– الأول هو الإنهاك الدولي نتيجة «الكارثة» التي تضرب العالم، وهي ليست وباء فقط بل متوالية من الأزمات التي سيفرضها الوباء، والأقل إنهاكاً هو القادر على التعامل من جديد مع الواقع الدولي، والأزمة السورية ليست استثناء ضمن هذا الظرف، فالتحدي القادم بالنسبة لنا هو القدرة على قراءة التحولات الممكنة التي ربما تؤجل أي حسم سياسي للموضوع السوري.
– الأمر الثاني يرتبط بالصراع الدائر، فبغض النظر عن تفاصيله الإعلامية التي تظهر عبر الظهور اليومي للرؤساء في مختلف أنحاء العالم، لكنه في العمق اختبار للأنظمة السياسية على مستوى التحكم بالكوارث، فنحن نواجه أنماطاً مختلفة ابتداء من الصين وانتهاء بالولايات المتحدة، والمهم أن هذا الاختبار سيقدم توازنات مختلفة لم تتضح حتى اللحظة، وفي المقابل قدم صورة استثنائية لحالة «التطرف» التي يمكن أن تمارسها أعرق الديمقراطيات، فمن كان يجرؤ على وسم فيروس أو مرض بجنسية معينة (الفيروس الصيني).. هذا النوع من الخطاب لا يختلف عن الأدبيات التي ظهرت قبل الحرب العالمية الثانية.
الواقع السوري سيواجه حالة «الاستباحة» التي فتحها الصراع مع الوباء، فبعض السياسات الدولية غير قادرة على تقبل عالم أوسع باحتياجاته من ضرورات السوق والصراع على أسهم الشركات، والمؤسف أن الصراع بين النمطين هو خارج قدرتنا كسوريين، فما بين النموذجين الأميركي والصيني لا يوجد هوامش لمن لا يمتلك المقارعة بالعلم وبالذكاء الصناعي وببناء السياسات على علوم المعطيات (Data science) وأنترنيت الأشياء (IoT).
ليس جديداً أن تدخل كل العلوم داخل الصراع، فالأزمة السورية تم رسمها وفق هذه العلوم، لكن المختلف اليوم أن العالم يتم فرزه من جديد وفق هذه المعطيات، وربما تصبح المساحة أضيق أمامنا لوضع خياراتنا ليس للأزمة السورية بل لمستقبل الأجيال ولأي مشروع فكري وسياسي نحاول بلورته، فعالمنا أصبح قائماً على «الشك» و«اللايقين»، والسياسة باتت في القدرة على كسر الاحتمالات للوصول إلى الاستقرار.
علينا مراجعة الأزمة السورية من جديد، وقراءة المعطيات الدولية من زاوية تأخذ بعين الاعتبار الممكنات التي تتقلص بسرعة، وتلغي الهامش للتحرك أمامنا، فالأزمة السورية ستتحول على مستوى النظر إليها حتى ولو استمرت الآليات السياسية القديمة قائمة، لأن رؤية العالم تتبدل بأسرع من تحركنا.. السياسة تصبح ظلاً يتسع مع الرؤيا الجديدة ليستوعب احتمالات لم يكن أحد يتوقعها.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن