ثقافة وفن

الكورونا وباء قرئ في الروايات حتى انقلب السحر على الساحر … من الطاعون إلى الكوليرا إلى كورونا رحلة الأدب مع الأمراض واقعية ومتخيلة

| جُمان بركات

الكوارث تحل تباعاً في أزمة الصحة العالمية من انتشار وباء الكورونا حيث تقفز الأخبار كل دقيقة على الشاشات العالمية معلنة عن مصاب هنا ووفاة هناك وإجراءات استثنائية تأخذها جميع دول العالم واحدة تلو الأخرى. وليس وباء الكورونا الخطير الذي يرعب ويجتاح بلداناً وأصقاعاً إلا نموذجاً من الأوبئة الشهيرة التي غزت التاريخ وأحدثت هزات عنيفة في الحياة الجماعية، متخطية التخوم الجغرافية والسياسية، مخلفة وراءها مآسي ما برحت محفورة في الذاكرة العالمية. في هذه الأجواء كان مرحباً بالدخول إلى عقول الكتّاب والتنزه في حديقة خيالهم، ومعرفة كيفية تصويرهم الكوارث قبل وقوعها على الورق وكيف تخيلوها والمعنى الإنساني الذي ظهر بين السطور.
في البداية يجيب أحد كتاب الخيال العلمي عن سر الإقبال على قصة يمرض فيها الجميع تقريباً ويموتون، بأن الحديث عن هذه الأزمات في الكتب يشبه استحضار الأرواح، فبهذه الطريقة، يمكنك قتال تلك الأرواح. لكن أن تستحضر من خلال كتاب شيء وأن تحيا هذا الكابوس شيء آخر، يقول أحدهم كنت أقرأ أو أحضر هذا الشيء الذي نعيشه اليوم على الشاشة، لكن أن ينقلب السحر على الساحر فهو شعور مخيف، وباء كورونا الذي يحتل أجساد العالم، ويهدد دولاً عديدة أيضاً يأخذ الحيز الأكبر من أحاديثهم، فتعود ذاكرة البعض إلى ما قرؤوه عن هذا الوباء وكيف تنبأ الكثير من الكتاب به أو استحضروه في رواياتهم وأفلامهم.

الطاعون
ومع اتساع نطاق الخطر من المرض المعدي الجديد، قارن كثير من النقاد بين ما يجري حالياً وما سجله ألبير كامو عام 1947 في روايته الشهيرة «الطاعون» التي نشرت بعد الحرب العالمية الثانية، حيث تجبرنا الرواية والتأمل في أحداث «الطاعون» على التفكير في مسؤولياتنا تجاه الناس من حولنا، وتطرح الصراع بين السعادة الفردية والالتزام الأخلاقي تجاه المجموع عبر هذه الأحداث الحية التي تتضمن تكريس الطبيب ريو نفسه لمقاومة الطاعون والتضامن مع ضحاياه واستعداده للتضحية في سبيل ذلك. وتبدو خلاصة رواية كامو وكأن «النضال المشترك هو ما يجعل المجتمع ممكناً»، ويبقى درس «الطاعون» هو أننا يجب أن ننظر إلى أنفسنا كأعضاء في المجتمع لا كأشخاص يعيشون حياة فردية منفصلة عن الآخرين، إذ يجبرنا الوباء على التفكير، لا في أنفسنا فحسب، وإنما في كيفية تأثير أفعالنا على الآخرين.

الحب في زمن الكوليرا
منذ انتشار فيروس الكورونا، والناس تتبادل جملة «الحب في زمن الكورونا» في استبدال لرائعة الكولومبي غابريل غارسيا ماركيز «الحب في زمن الكوليرا» –الرواية الحائزة على جائزة نوبل تروي أحداث الرواية قصة حب رجل وامرأة منذ المراهقة، وحتى بعد بلوغهما السبعين وتصف ماتغير حولهما ومادار من حروب أهلية في منطقة الكاريبي، وحتى تغيرات التكنولوجيا وتأثيراتها على نهر مجدولينا في الفترة من أواخر القرن التاسع عشر حتى العقود الأولى من القرن العشرين، كما أنها ترصد بدقة الأحوال في هذه المنطقة من العالم من حيث الأحوال الاقتصادية والأدبية والديموغرافية من دون التأثير على الأحداث وسيرها الدقيق ما يضعنا أمام كاتب يمسك بأدواته على أحسن ما يكون.

عيون الظلام
«هناك فيروس يحمل اسم ووهان 400 تسبب في اندلاع مرض»، هذه جملة دونت في رواية صدرت في الثمانينيات لكاتب أميركي، تروي أحداثها أن هناك معملاً عسكرياً صينياً في ووهان ينتج فيروساً كسلاح حيوي، سرعان ما يصاب المدنيون بالعدوى عن طريق الخطأ الأمر الذي ربطه البعض بانتشار فيروس كورونا. صدرت رواية «عيون الظلام» عام 1981، وفضلاً عن كونها رواية من روايات الرعب، فأحداثها تتشابه مع أحداث الواقع الراهن بشكل مثير للدهشة، إذ فبالرغم من أنها كُتبت قبل 39 عاماً فإنها تفاجئ كل من يطالعها بقدرتها الرهيبة على التنبؤ بالمستقبل، إذ تتحدث عن فيروس ينطلق من مدينة ووهان الصينية ويتفشى سريعاً بشكل خارج عن السيطرة، وهو بالضبط ما حدث منذ عدة أشهر، مع ظهور فيروس كورونا في هذه المدينة الصينية تحديداً، قبل أن ينتشر خارج الحدود ويصير خطراً عالمياً متنامياً.
وقد اشتهر الكاتب الأميركي دين كونتز دوماً برواياته التي تحمل طابع التشويق والغموض، وتمزج أحياناً بين الرعب والفانتازيا والخيال العلمي، وصنفت بعض أعماله في قائمة نيويورك تايمز لأعلى الكتب مبيعاً، ومن غرائب الصدف أن المختبر الذي تتحدث عنه روايته، يقع على بعد 22 كيلومتراً فقط من مركز تفشي فيروس كورونا المستجد، ما أدى إلى سرعة التساؤلات حول كون الرواية قد تنبأت بالأحداث أم هي مصادفة غريبة؟

«شربة الحاج داوود»
في عام 2014 طرح الروائي المصري الراحل د. أحمد خالد توفيق كتاب «شربة الحاج داود» وهو عبارة عن مجموعة من مقالات طبية وعلمية بصياغة روائية، تناول حينها الكاتب المصري تأثير فيروس كورونا (المتلازمة التنفسية الخاصة بالشرق الأوسط الناجمة عن كورونا) في صورته الأولية التي ظهرت قبل 8 سنوات تقريباً، وقال عن إمكانية وصول الفيروس إلى مصر واستعرض من خلال هذه الرحلة الظروف الصعبة التي تعيش فيها شريحة كبيرة من المصريين، وفي النهاية يموت الفيروس فيقول في روايته: «فجأة ساد حر رهيب، وارتفعت الحرارة إلى حد غير مسبوق، بعد هذا أدرك الفيروس البائس أن الأمر يتكرر خمس مرات يومياً»، وتابع: «بعد قليل عرف أن وعيه ينسحب، الحياة تتسرب منه، سقط، لقد قضت مصر على الفيروس، كما ترى أنا مطمئن، هذا الفيروس الرقيق الواهن سوف يصاب بالتسمم ويموت، فلا مكان له في مصر، لا داعي للقلق».
«العدوى»

أعاد الفيلم الأميركي «العدوى» إلى دائرة الضوء من جديد، بعد مرور أكثر من ٨ أعوام على عرضه، وأصبح فجأة ضمن قائمة الـ١٠ أفلام الأكثر مبيعاً على منصة «iTunes»، وذلك حسب صحيفة «الغارديان» البريطانية، وصحف عالمية أخرى.
وشعر الجمهور بأن الفيلم تنبأ بالأحداث الحالية، إذ إنه يحكي عن فيروس ينشأ في الصين بسبب الخفافيش وينتشر بسرعة كبيرة، وهو ما يتطابق مع مسيرة نشوء وانتشار فيروس «كورونا» المميت.
فيلم «العدوى» الذي أخرجه ستيفن سودربيرغ عام 2011، واحد من الإنتاجات الفنية التي رسمت على نحو مثير للاستغراب قصة فيروس يظهر أول مرة في هونغ كونغ وينتقل من خفاش إلى خنزير إلى أحد الطهاة الذي يقتني الخنزير وينقل العدوى لمواطنة أميركية، كانت في زيارة عمل، عن طريق المصافحة لتنقله الأخيرة لأسرتها عند عودتها لبلادها فينتشر وباء الفيروس ويقع ضحيته آلاف الأشخاص ويصاب به الملايين عبر العالم.
يبدو سيناريو الفيلم مماثلاً إلى حد بعيد جداً لسيناريو فيروس كورونا المستجد، ذلك أن الشبهات حول هذا الأخير تحوم حول كون مصدره هو سوق للحيوانات البرية في ووهان، كما أن الأعراض التي تظهر على المصابين متشابهة أيضاً مع انتشاره على نطاق واسع، إضافة إلى الجهود الوطنية والدولية التي تبذل من أجل الوقاية من الوباء والأبحاث المكثفة التي تجري للعثور على لقاح فعال، كل هذه المصادفات جعلت الحديث عن قدرة السينما على التنبؤ بالمستقبل، بحسب كثير ممن شاهدوا الفيلم، أمراً ذا مصداقية، كما جعلت فيلم «العدوى» نفسه يحقق قفزة في عدد المشاهدات بعد ظهور فيروس كورونا، سواء داخل الولايات المتحدة أم خارجها.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن