قضايا وآراء

الخرق المُمنهج والمُتعمد للدستور العراقي

| أحمد ضيف الله

صوت المجلس النيابي العراقي في الـ8 من تشرين الأول 2019 على تجميد أعمال مجالس المحافظات العراقية، التي من ضمن صلاحياتها انتخاب المحافظين، استجابة لمطالب المتظاهرين الذي اعتبروا أن رواتب المجالس استنزاف لخزينة الدولة، عدا عن أنها واجهات للفساد والابتزاز. ما يعني أن استمرار عمل مجالس المحافظات بعد تصويت المجلس النيابي، والقرارات التي يمكن أن تتخذها مخالفة للقانون وباطلة.
في الـ24 في تشرين الثاني 2019 صوت مجلس محافظة نينوى على انتخاب قائد عمليات نينوى السابق الفريق الركن المتقاعد نجم الجبوري محافظاً لنينوى، بعد إقالة محافظها السابق منصور المرعيد.
وفي غفلة انشغال العراقيين وقواه السياسية بالأحداث الدامية والعنفية للتظاهرات التي كانت قد انطلقت مطلع تشرين الأول 2019. أصدر الرئيس برهم صالح في 27 تشرين الثاني 2019، المرسوم الجمهوري الخاص بتعيين نجم الجبوري محافظاً لنينوى، دون أن يحتج أحد أو يقدم شكوى للمحكمة الاتحادية، لا على المرسوم الجمهوري، ولا على قرار مجلس محافظة نينوى، بمن فيهم المحافظ السابق المقال!
محافظ نينوى الحالي نجم الجبوري، كانت قد عينته سلطات الاحتلال الأميركي في العام 2004 مديراً لشرطة غرب نينوى وقضاء تلعفر، ثم قائمقاماً لقضاء تلعفر خلال الفترة 2005-2008. وبعد الانفجار الضخم لشاحنة ملغومة في قضاء تلعفر في آذار 2007، الذي تسبب في مقتل المئات من المدنيين وإلحاق دمار هائل بالمكان، لجأ الجبوري إلى القاعدة الأميركية في مطار تلعفر، هرباً من الغضب الشعبي والرسمي، وبعد إقالته وانسحاب القوات الأميركية من قاعدة تلعفر في آب 2008، اختفى الجبوري من الساحة العراقية، ليظهر مع عائلته في واشنطن في تشرين الأول 2008، كمحاضر وباحث في «مركز الدراسات الإستراتيجية للشرق الأدنى وجنوب آسيا –NESA»، وبعد زيارة رئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي للولايات المتحدة الأميركية في الـ14 في نيسان 2015، عاد الجبوري إلى العراق، حيث عينه العبادي قائداً لعمليات محافظة نينوى في الـ24 من حزيران 2015!؟
رئيس جمهورية العراق برهم صالح القادم من رحم حزب الاتحاد الوطني الكردستاني، ورئيس مجلس أمناء الجامعة الأميركية في محافظة السليمانية ومؤسسها، لم يتوقف خلال فترة حكمه القصيرة عن مخالفة الدستور وتجاوز الأعراف والسياقات السياسية المعمول بها في الدولة العراقية، منذ استقالة حكومة عادل عبد المهدي حتى الآن، إذ كان يُفترض به تكليف رئيس وزراء جديد من الكتلة النيابية الأكبر عدداً بعد استقالة حكومة عادل عبد المهدي خلال فترة 15 يوماً من تاريخ الاستقالة، إلا أنه ماطل وانتظر حتى انتهاء المدة الدستورية، ليوجه سؤالاً بنهايتها إلى المجلس النيابي عن الكتلة النيابية الأكبر!
ورغم قيام «كتلة سائرون» المدعومة من مقتدى الصدر بإبلاغ رئيس الجمهورية ورئاسة مجلس النواب رسمياً، بتنازلها عن حقها في تقديم مرشح لرئاسة الوزراء، ومن ثم قيام المجلس النيابي بتحديد كتلة «تحالف البناء» الذي يرأسه هادي العامري على أنها الكتلة النيابية الأكبر بشكل رسمي، التي قدمت أكثر من مرشح لرئاسة الحكومة المقبلة حسب الأصول.
امتنع رئيس الجمهورية عن تكليف أي منهم وفق الآليات الدستورية المتبعة، واضعاً ملاحظات ليست من صلاحياته، ما عقد المشهد السياسي، وساهم في تعميق أزمة التشكيل، مكلفاً بعد ذلك محمد توفيق علاوي خلافاً للسياقات الدستورية، الذي لم تتبن أي كتلةٍ نيابيّةٍ ترشيحه بشكلٍ رسمي.
قيام رئيس الجمهورية برهم صالح بتكليف عدنان عبد خضير عباس مطر الزرفي في الـ17 من آذار الجاري بتشكيل الحكومة، من دون ترشيحه من قبل أي تكتل نيابي، هو إصرار على خرق الدستور عمداً وعلناً لإرباك الساحة السياسية العراقية ودفعها باتجاه الاقتتال الداخلي، كما هو استهتار بما اتفق عليه من معايير، بأن يكون المرشح لرئاسة الوزراء «مستقلاً»، ومن غير «مزدوجي الجنسية»، وغير «مجرب»، و«غير جدلي».
المرشح لرئاسة الحكومة النائب عدنان الزرفي هو رئيس كتلة «تحالف النصر» الذي أسسه رئيس الوزراء العراقي الأسبق حيدر العبادي، المشهور بتغريدته عُقب تصويت المجلس النيابي على قرار إخراج القوات الأجنبية والأميركية من العراق، قائلاً: «لم نخسر حليفاً مفيداً فقط إنما ربحنا عدواً يخشاه الجميع»! يحمل الجنسية الأميركية، وكان قد عاد إلى العراق عند احتلاله عام 2003 كمترجم مع مجموعة الحاكم المدني للعراق بول بريمر، ليصبح لاحقاً عضواً في فريق هيئة الإعمار العراقي عام 2003، ثم محافظاً للنجف عام 2004، ثم مساعداً لشؤون الاستخبارات في وزارة الداخلية عام 2006، ومحافظاً للنجف مرة ثانية في العام 2009 حتى إقالته من منصبه في الـ13 من تموز 2015، على خلفية قضايا فساد، وهو متهم أيضاً بتلقيه دعماً خليجياً لتأجيج أعمال الشغب التي حصلت مؤخراً في النجف، كحرق القنصلية الإيرانية، وضريح آية اللـه محمد باقر الحكيم في المدينة!.. وفهمكم كفاية.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن