ثقافة وفن

الشخصيات التخيلية وما تحمل

| إسماعيل مروة

ليس بسيطاً الحوار بين شخصيتين إحداهما حقيقية، وتاريخية، والثانية شخصية وهمية اختلقها المبدع لصنع بيئة لحكايته، ويتمكن المبدع الحقيقي من تحميل الشخصية التي اخترعها ما يريد من قناعات يعجز عن تحميلها للشخصية الحقيقية التي حددت حياتها معالمها التاريخية والفكرية، وما لا يتمكن واحدنا من إسباغه على شخصية معروفة يمكن أن يفعله مع الشخصية الوهمية التي قد تتحول إلى البطولة المطلقة، لأنها ببساطة قادرة على حمل رؤى الكاتب وتوجهاته الأيديولوجية، وعلى تبني أحلامه وأمانيه مهما كانت عظيمة وصعبة التحقق، إنها تخرج من الإطار التاريخي والمنطقي لتقدم ما يريده أو يفكر به أو يحلم به المبدع، فحوار الشحاد مع الملك وهم لم يتحقق، لكن المبدع أراده ليتحدث على لسانه، والملك استعذبه لأنه يعطيه براءة غير متوقعة وغير ممكنة، فهو لا يعلم، وهو يخدعه المستشار، ولم يكن ينتظر سوى الشحاد الذي يفتح عينيه على الحقيقة، ونسأل: لماذا لم يأت الشحاد منذ البداية ليعيش أهل المملكة بأمان؟ وهل من ضرورة أن يعمّ العذاب والقهر والظلم والكره والفساد حتى يظهر الشحاد ليطلع الملك على حقيقة أهل سيلينا والمملكة؟ وهالة وحدها تخبر الجميع أنها تبحث عن الحب وليس عن الملك، وليس عن السلطة، هالة لا تخضع لمساومات الوزراء والمستشارين، ترفض أن تخدع الملك لأنها تبحث عن الحب، وهي لا تحبه!
الشحاد هو من يميط اللثام، ويخبر الملك بحقيقة من حوله، وبأن هالة لا تحبه ولا تريده زوجاً، ويستمر البوح بين الشحاد والملك، لنكتشف الملك وطيبته المتناهية، ورغبته في ألا يصل إلى مرحلة اللا شيء، فليس بعد الملك من شيء.
إنها الخاتمة، لأنه إنسان يعيش بلا أحلام، بلا أمنيات، بلا غايات يسعى إليها!!
الملك يحسد الشحاد! في مهزلة فكرية تحمل الفكرة المثالية، تماماً كما فعل عبد الوهاب عندما تغنى بحياة الفلاح محلاها عيشة الفلاح، فهو يعيش حراً، يطمر قدميه في الأرض الطينية الطيبة، وكأن هذه الحياة للفلاح سعيدة على وجه الحقيقة، وليصبح المالك للأرض، والغني ينظر إلى الفلاح الفقير متشقق القدمين نظرة حسد!
حتى الشقاء يلجؤون إلى تجميله ليحسد واحدنا هذا الشقي الذي يعيش عمره لا يعرف طعم السعادة والراحة، لمجرد أن الغني متعب بعدّ أمواله وأملاكه وجواريه، ولمجرد أنه مشغول بسهراته وأصحابه… أما الفلاح فلا شيء لديه يتعبه حسب زعم الغني!
وهو لم ير أصابع الفقير وهي تنثر بعض الماء على خبز يابس متعفن ليتناوله مع وجبة متواضعة وحقيرة! ولم ينظر هذا إلى أحلام الفلاح المسكين الذي يرى سيده المالك، ويتلمظ لطعام أو لباس أو شراب أو تعليم! وربما تخيل هذا السعيد المالك أن رأس الفقير الفلاح ليس أكثر من صندوق فارغ لا يحمل عقلاً أو أمنيات أو أحلاماً!
ونصفق للشحاد الذي يحمل لباس المالك على يديه، ولم يجرؤ على لبسها حتى لا يفسدها، بينما الملك لبس لباس الشحاد، ولم ننتبه إلى أن الملك استطاع أن يبقي الشحاد عارياً حتى في لحظة الاعتراف، بأنه لا يملك طموحاً لأن يسعى إلى اللا شيء!
قاس هو الإبداع في شخصية متخيلة حالمة، يريد أن يقنع الإنسان بطيبة الظالم، يمنعه من شق صدور ظالميه يتركه في عالم من الحلم الغبي الذي ليس له من خاتمة سوى الأرق والقلق، ومن حسن صنيع الملك أن يعود إلى قصره حاملاً ثيابه، ليدخل إلى قصره في رحلة جديدة من الغيبوبة والغياب، وهالة تبحث عن الحب، والشحاد يعود إلى ثيابه، فبقي الملك ملكاً، وإن شعر بكذب حاشيته ومن حوله، وهالة تسكن الحلم، والشحاد يبحث عن مرحلة يحبها هي مرحلة ما قبل (الماشي).
قاسية هي الشخصيات التخييلية القائمة على التخيل وإرسال الرسائل من المبدعين، لأنها تحمل كل الأوزار، وتقول ما لا يمكن أن يقال، وتوصل إلى نتائج مؤلمة، لكنها تبقى في إطار العبث على كل حال.
وتستمر لعبة البحث عن لحظة صدق يدركها الحالمون، وتغيب عن الشخصيات الحقيقية التي قد تكتفي بالأسف اللحظي!

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن