ثقافة وفن

«حوار الحضارات» أم صراع الحضارات؟ .. «ثقافتي هويتي» تبحث عن الهوية العربية في مواجهة الآخر

| سارة سلامة

الحضارات يجب أن تتحاور فالعالم يعيش مرحلة مخيفة، ويمر بمتغيرات صعبة في ظل تنامي العولمة، فنجد أن المجتمع أصبح يتصدى للكثير من أخطار الأفكار الرائجة والتي تهدف أساساً لانهيار وزعزعة الأمن في الكثير من الدول والأمم سواء كانت تلك الأخطار مباشرة أم غير مباشرة.
وفي الآونة الأخيرة جاء مشروع «حوار الحضارات» من أجل تقوية علاقاتهم وإن وجد الاختلاف.
واحتفاءً بيوم الثقافة السورية «ثقافتي هويتي» وتحت عنوان «حوار الحضارات أم صراع الحضارات» أقامت مكتبة الأسد الوطنية ندوة فكرية بإدارة الدكتور محمد الحوراني.

رؤية الشرق

وقال الدكتور وائل بركات عن رواية «البوصلة رؤية الشرق في رواية الغرب: حضور حوار وصراع»: «لولا وجود الترجمة لكنّا نعيش شعوباً متصارعة لا يفهم بعضنا الآخر، وتظهر رواية «البوصلة» للروائي الفرنسي ماتياس إينار شوقاً غربياً نحو الشرق الذي أمدّ حضارته بعوالم من النور والخيال والإبداع، وبصور من ليالي السحر في ألف ليلة وليلة، وبإضافات في الموسيقا يتوقف عندها معظم موسيقيي العصر الحديث. وترافق ذلك مع عشق أوروبي أظهره الكتّاب والفنانون في مؤلفاتهم، لا يبدأ مع فيكتور هيجو وشاتوبريان ورامبو ونيرفال وغيرهم الكثير، لكنه أيضاً لا ينتهي بما جادت به روح الشرق على وجدان بيتهوفن ومينديلسون وشتراوس وغيرهم من الموسيقيين الأوروبيين الذين ما زالوا يدهشون بعبقريتهم أسماع العالم حتى اليوم. إنها الروح الشرقية التي لوّنت عالم الغرب، وانعكست فيه دهشة وسحراً، وبحث عنها المستشرقون طويلاً.
وبيّن بركات أن: «أهمية الرواية تكمن في تكريمها الدراسات الغربية المنفتحة على عالم الشرق وحبها له وشغفها به، وفي كثافة المعلومات الدقيقة والمهمّة والأسماء الاستشراقية والأدبية والفنية والموسيقية بصورة خاصة التي تأثرت بالشرق واستعرضتها على صفحاتها، وفي كشفها عن حقائق موضوعية في هذه العلاقة الشائكة بين الطرفين. ولابد أن نذكر هنا أيضاً حساسية القضايا التي تثيرها وأهميتها، فهي ترحل بنا كبساط طائر إلى مواضع مختلفة في بلدان مشرقية، في جانب موازٍ يقف القارئ مذهولاً أمام كمّ المعلومات الثقافية والفكرية والتاريخية ونوعيتها التي تتحفنا بها الرواية لدرجة تصبح مرهقة للذاكرة، لشدة ما تجوّلت في أماكن وذكريات. حيث تنشد الرواية عموماً إظهار أن الحوار بين الثقافات مصيره صيانة العالم من المخاطر المؤلمة التي تتهدّده والتي قد تودي به إلى النهاية المفجعة بهلاك الإنسان على هذه الأرض. ويبذل المؤلف إينار جهوداً واضحة مستعيناً بالوقائع والحقائق وبشيء من الخيال لتوضيح فكرته التي يؤكدها بحشد هائل من الأسماء والأعمال والمؤلفات التي تثبت تأثير الشرق بالغرب».

تسييس الحوار

ومن خلال محور «حضارات العالم: صراع وتنافس أم تفاعل وتكامل» أوضح الدكتور خلف الجراد: أن انقسام الرؤى والتيارات والمرجعيات في مسألتي الصدام أو الصراع الحضاري من جهة والدعوات المطالبة، ولأسباب مختلفة للحوار الحضاري ظهرت على شكل تنازع وتعدّد واستقطاب على صعيد الحجج الثقافية مع نظائرها السياسية. كما أن المتابعة للمقارنات التراكمية في بعض المراكز البحثية العربية بيّنت مدى تسييس دعوات الحوار الآتية من الغرب، حيث تمّ توظيف الحوار في الإستراتيجيات الكلية، مع استمرار جولات الصراع التي توظف فيها بعض فئات الغرب السياسية والفكرية الأطروحات الحضارية الثقافية والدينية بأهداف سياسية».

وأشار الجراد إلى أن: «حوار الحضارات هو موضوع سياسي يقوم على قاعدة ثقافية يمكن أن تُستدعى كعامل مساعد، ومن ثم علينا أن نحسن من توظيف البعد الثقافي كأداة من أدوات السياسة الخارجية، ومسألة تجديد الخطاب الديني تشكل بعداً دينامياً في إصلاح منظومتنا الحضارية».

الانفتاح من دون قيد

وفي محور «الثقافة بين الانفتاح والانغلاق» تحدث الدكتور عاطف البطرس أن: «العالم اليوم تستبيحه وسائل الاتصال والإعلام فهي التي تكوّن العقول وتحدّد أمزجة المتلقي. لذلك يصعب التقوقع والانغلاق أو الوقوف في وجه ما يصدر من حزم المعلومات والأفكار والثقافات المتعدّدة، إذ تكمن المشكلة في عملية الاستقبال والاختيار ماذا نأخذ من المصدّر إلينا وماذا نرفض؟ عملية الاستقبال تخضع لأسس ومعايير تمليها متطلبات الحاضر واستحقاقات المستقبل، وهذه تحدّدها الإرادة والرغبة في الماهيات التي نسعى إلى تكوينها والمرتكزة على معرفة من نحن، وهذا يعيدنا إلى طرح سؤال الهوية في علاقاتها المتشابكة مع الآخر.

ولفت البطرس إلى أنه: «ثمّة ثلاثة مواقف من هذه العملية المتداخلة والمعقدة، الأول يقول بالانفتاح على العالم بكل أرجائه من دون قيد أو شرط وعلى كل ما يصدر وينتج من دون غربلة أو تحليل، والموقف الثاني يدعو إلى إغلاق الأبواب والاحتماء بالخصوصيات والموروثات خوفاً عليهما من الضياع والذوبان تحت وهج وقوة وجبروت ما تنتجه الآلة المتقدمة في الدول المتطورة، والسد المنيع هو الاحتماء والتسلح بالأصالة، والموقف الثالث يقول علينا أن نتخلّص من الثنائية الضدية القاتلة المبنية على أساس الانفتاح المطلق أو الانغلاق المطلق بالانتقال إلى النسبية والتعامل على أساس التقاطع والالتقاء بين الوافد بعد غربلته وبين المحلي بعد تخليصه مما علق به بفعل التقادم والثقل التاريخي في عملية تخصيب وتفاعل خلاق يحافظ على التنوع».

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن