ثقافة وفن

تصحيح التصحيف وتحرير التحريف … الصفدي أحب الشام وفيها دفن متصوفاً بحبها

«ينتمي كتاب «تصحِيح التصحيف وتحرير التحريف» للصفدي إلى الجهود التي بذلها علماؤنا القدامى لخدمة الفصحى، وتنقيتها مما لحق بها من أخطاء وأوهام من العامة وبعض الخاصّة. وربما كان أساس هذه الجهود الرسائل اللغويّة المبكرة التي جمعها السلف وصنّفوها في أبواب بعينها، بعد أن سمعوها من أفواه أهل البادية الذين لم يخالطوا العجم، ولم تفسد سلائقهم اللغوية، فكانوا بعيدين عن الانحراف الذي شاب الفصحى حين استخدمها الناس على نحو مغاير للأصول، سواء أكان الأمر يتّصل بالصوت أم بالصرف أم بالنحو أم بالاستخدام. الشأن الذي أطلق عليه فيما بعد (لحن العامة)». هذا مما جاء في مقدمة الدكتور عادل فريجات للقطف التراثي الذي اختاره وهو تعريف ومقدمة مناسبة لما يحمله مضمون الكتاب المختار من سلسلة قطوف تراثيّة، وبيّن فيه هدف المخطوط الأساسي وغايته في الحفاظ على اللغة العربية الفصحى من منابعها الأصيلة، كما فيها إشارة إلى أن اللهجة كانت قد تعرضت للتحريف من العامة في فتراتٍ بعيدة، ولاسيما أنّ الكاتب «بن أيبك الصفدي» عاش في الفترة من 696-764هـ.

في باب الهمزة
مما جاء في متن الكتاب في الهمزة وما بعدها:
1- يقولون «الآذريّ». والصواب «أَذَرِي» بالقصر، وأذرَبِيّ، على غير قياس، لأنه منسوب إلى «أذربيجان» بفتح الذال وسكون الراء.
2- ويقولون: أعطاه السلطان «آماناً» فيمدّون. والصواب «أمانٌ» على وزن فعال.
3- ويقولون: «آريٌّ» لمعلف الدابّة. و«الأرِيُّ» الحبل الذي تَتِدُ به الدابّة، وجمعه «أوارِيّ».
4- ويقولون الأبُّ والأخُّ، يشدّدونهما. والصواب بالتخفيف: وذكر ابن دريد أن ابن الكلبي قال: يُقال: أخٌّ، مثقل، وأخّة. قال ابن دريد: وما أدري ما صحّتُه.

حرف الدال المُعجَمة
254- يقولون للخبيث: «ذاعِر» بالذال المعجمة، فيحرِّفون المعنى، لأن الذاعر هو المُفزع لاشتقاقِه من الدِّعارة، وهي الخبث. ومنه قول: زُمَيل بن أُبير لخارجة بن ضِرار:
أخارِجَ هَلاّ إذ سفهتِ عشيرةً كففتَ لسانِ السوءِ أن يتدّعرا…
256- ويقولون: أخذتهُ «الذَّبحة» والصواب: الذُّبحة والذِّبحة. قلتُ الضّم والكسر هو الصواب. والفتح خطأ.
257- ويقولون: مرضه «الذَّبول». والصواب: «الذُّبول». قلت: يريد أنهم يفتحون الذال والصواب ضمّها.
258- ينشدون قول الشاعر: كضرائِر الحسناءِ قُلنَ لوجهها حَسَداً وبغياً: إنه لذميمُ.
بالذال المعجمة. وهو غلط، إنّما هو بالدال، لاشتقاقه من الدمامة وهي القبح. وإلى هذا أشار الشاعر، إذ بقباحة الوجه تتعايب الضرائر.

حرف الغين المُعجَمة
410- ويقولون: «يا غايثَ» المستغيثين. والصواب: مُغيثَ المُستغيثين، لأنه من أغاث يُغيث. وقد لحن في هذا رجل من جلّة الخطباء…
413- حدّثنا محمد بن موسى البربري، ثنا الحسن بن وهب، وكان أحسن الناس علماً بالشعر والبلاغة قال: حضرنا ابن الأعرابي، فكان عالماً بغريبِ الشعر لا بتصاريفه وجيّده، فأنشدنا:
هريرةَ ودّعها وإن لامَ لائمٌ «غداةَ غَدَت» أم أنتَ للبنينِ واجمُ.
فقلتُ له «غداةَ غدٍ»، فقال: سواء، فقلتُ: «غداة غدت» قريب من المُحال كيف يتأهب لوداعها وقد غَدَت؟!…
417- وينشدون قول حسان بن ثابت الأنصاري:
رُبَّ حِلمٍ أضاعهُ عَدَمُ الما
ل وجهلٍ «غطّى» عليه النّعيمُ
يشدِّدون الطاء. والرواية «غطا» بالتخفيف. وغطّى بمعنى سَتَر. وقد رُوي فيه التشديد إلا أن التخفيف أكثر.

لمحة عن «ابن أيبك الصفدي»
هو صلاح الدين أبو الصفا خليل بن أيبك الصفدي الدمشقي الشافعي. والده أمير مملوك. و«أيبك» لفظ تركي مركب من (أيّ) بمعنى القمر، و(بك) بمعنى الأمير. فهو إذا «قمر الأمير» أو «الأمير القمر». ولد الصفدي في صفد إحدى مدن فلسطين في عام 696هـ وإليها ينسب. حفظ القرآن في صغره، وحفظ ألفية ابن مالك، ثم استهواه الأدب واللغة والنحو والإنشاء حتى لُقّب بأديب العصر. ومارس بدايةً صناعة الرسم وكتابة الخطوط. ويروى أن أباه لم يمكنه من الانقطاع إلى العلم إلى أن بلغ العشرين، وتنوّعت اهتمامات الرجل ومؤلفاته، فكان لدينا الصفدي المؤرخ، ولعلها أبرز صفاته، والصفدي الشاعر وشارح الشعر والناقد، والصفدي صاحب المقامات والقصص، والصفدي اللغوي… تتلمذ الصفدي على أيدي علماء من صفد ودمشق وحلب والقاهرة، الذين كان منهم، على سبيل المثال لا الحصر، ابن سيِّد الناس، وابن نباتة المصري، والسبكي، وابن جماعة، وابن حيّان الغرناطي، والذهبي، والمزي، وابن تيمية. وعمل في وظائف إدارية مثل كتابة الدرج في صفد، وكتابة الدست في دمشق، وكتابة السرّ في حلب، ووكالة بيت المال في دمشق، كما جلس للإفادة في الجامع الأموي بدمشق. توفي الصفدي في طاعون عام (764هـ) الذي ضرب بمصر والشام، ودفن في مقابر الشهداء المعروفة بمدافن الصوفيّة بدمشق، وهو المكان الذي بنيت على أنقاضه الجامعة السوريّة والمشفى الوطني.
الإصدار جاء بعنوان «من كتاب تصحيح التصحيف وتحرير التحريف» من سلسلة قطوف تراثيّة (11) من اختيار وتقديم د. عادل فريجات. وهو من منشورات الهيئة العامة السوريّة للكتاب- وزارة الثقافة- دمشق 2015.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن