اقتصاد

طلال أبو غزاله

لأنني أحب الحقيقة وأحبكم أقول: بين الصّين وأميركا.. صراعٌ أم مُواجهة

ما زالت تسجّل الصّين نفسها – وبكل تواضع – في المنظمة العالمية للتجارة على أنها دولة نامية! رغم اعتراض الرئيس الأميركي السابق (ترامب) على ذلك وإصراره على تحويلها إلى صفة (دولة متقدمة)، وتستفيد الصّين من صفتها (النامية) من الميزات التي تُعطى للدول النّامية، كما أن الصين كانت قد اشترطت عندما انضمت إلى نظام التّجارة العالمي، أن تبقى صفتها (دولة نامية)؛ من أجل تعديل أوضاعها وقوانينها وبنيتها، وأن تبقى عملتها مستقلة عن الدولار.
ومع مرور الوقت.. أصبحت الصين القوة العظمى المنافسة لأميركا، وأصبحت تسهم في 35% من نمو الناتج القومي في العالم، في حين أن حصة أميركا تقلصت إلى 17%، وخلال عقدين من الزمن سيصبح الاقتصاد الأميركي ثلث حجم الاقتصاد الصيني، وعلينا ألا ننسى أن عدد الصينيين هو خمسة أضعاف عدد الأميركيين، فالعامل البشري مهم جداً في عملية النمو الاقتصادي خاصة في عصر المعرفة القادم إلى الكون من أوسع الأبواب.
يعدّ القادة الأميركيون نمو الصّين الاقتصادي والتكنولوجي، تهديداً للأمن القومي الأميركي، ويتحدثون عن قلق ينتابهم من تصاعد قوة الصين، ونمو اقتصادها المهول وشديد السرعة، ومن كبر الفجوة بينها وبين أميركا.. مما جعلنا نستشعر حرباً بين الطرفين؛ لأن أميركا لن تخلي مكانها ببساطة، كقوة تسيطر على العالم، وستعيش تحت شعور بأن أمنها القومي مهدد، وأنها لا بد أن تتخذ إجراءات معينة للحد من تفوق الصين وتصاعدها، ومنعها من أن تحقق حلمها بحكم العالم كما تتمنى.
بدأت أميركا إقرار مرحلة العقوبات تجاه الصين، بقرارات أحادية ولا تستند إلى قوانين، وبدأت تتناوش مع الصين؛ لتستفزها، رغم رفض الصّين لما كانت صرحت به: «إنها غير مستعدة لتغيير نظامها لتصبح مرتبطة بالنظام العالمي الذي صاغته أميركا»!
وبدأت العقوبات الأميركية بالظهور بدءاً من العقوبات التّجارية، التي لم تنجح في استفزاز الصين، ثم انتقلت إلى العقوبات الاقتصادية وإلى حرب السياسات التجارية المتناقضة وهو ما يعرف بـ(الحرب التجارية)، واستمر الوضع، ولم يتغير شيء من موقف الصين، واستمر الضغط الأميركي الذي أدى إلى (حرب باردة) وليس حرباً اقتصادية أو تجارية، مما حرى بالصين كي تصرح غير مرة بأن «على أميركا أن تغير نظام حكمها؛ لأنه دكتاتوري واستبدادي ومتسلط».
تظهر في الحرب الباردة مجموعة أسلحة وأدوات كثيرة دون الدخول في صراع عسكري نازف. من خلال تكليف وتوجيه دول أخرى تستعملها كأداة لها في المنطقة مثل استخدام أميركا لـ(هونغ كونغ)، ولكن الصين استخدمت أسلوب (ضبط النفس) ولم تعترض، ولكنها نادت بما نادت به أميركا من قبل قائلة: «إن الوضع في هونغ كونغ يهدد الأمن القومي»، وأصدرت قانوناً يتناول النّواحي الأمنية.. وهذا هو أسلوب الحرب بالوكالة وهو أسلوب معروف، تتجاذبه مرحلة الحروب الباردة التي تستخدم كل ما لا تستخدمه الحروب الدموية مثل الحرب النفسية، والكلامية، وغير ذلك.
وفي هذا الوقت ذاته يجب أن نتذكر أن هناك أموراً كثيرة تؤثر على النفسية الأميركية مقارنة بالصين في حين أن الصين لا تتوقف عن الاستثمار في العالم، وقد وصلنا الآن إلى (الحرب الساخنة) بينهما.. مما سيزيد الأمر سوءاً، فبحسب تقارير المنظمات الدولية هناك حاجة إلى 20-30 تريليوناً لإعادة إعمار العالم وبالأخص منطقتنا العربية التي هي الأكثر دماراً وتضرراً في العالم، الصراع الكبير في بحر جنوب الصين سيكون أداة جيدة لإشعال النار، وهناك محللون قالوا إن الحرب ستنطلق، وها نحن الآن أمام أزمة اقتصادية وجائحة لا مثيل لها تسمى بـ(الكورونا) وغير ذلك.. مما سيؤدي – حتماً – إلى تحوّل وشيك في قيادات العالم ورموزه وقواه الاقتصادية وتحالفاته، وسيتأثر الناس على كوكبنا.. والإنسان الأميركي هو أكثر المتضررين، وستزداد الوفيات بأعداد كبيرة، وسنشهد تغيراً جذريّاً في طبيعة الناس، وما يملكونه وما يحكمونه خلال هذا العام وما يليه لأن التعامل بين الدول في العالم سيشهد بشاعة للنظام العالمي الحالي المصاب بالأنانية والهشاشة! ولكن من شكل إنسان هذه المرحلة؟
إنه إنسان حورب في صحته وانقطع عن العالم الذي كان يعده قرية صغيرة.. إنسان يكره الكل.. إنسان انقطع عن التعليم.. ومن المتوقع أن نخرج من هذه الأزمة برقم مخيف من العاطلين عن العمل، نحن في أزمة وباء وحروب وسجالات ستصل البطالة فيها إلى ما لا يقل عن 20%، البطالة بخلاف كل المعايير الأخرى هي المعيار ذو الأولوية في خططنا للخروج من أي أزمة، والكارثة الرّاهنة، أما الحل لهذه المشكلة فيكمن في بناء الإنسان بما يتناسب مع العصر الرّقمي القادم بقوة، مما سيزيد الفروقات بين المجتمعات في العالم، وسنشهد ثورات واضطرابات اجتماعية، وعدم رضا.. وغير ذلك.
أمامنا عالم صعب، إذا لم نستطع أن نصل فيه إلى لقاء إستراتيجي بين العمالقة، ونظام جديد، وبناء خطة وسياسات جديدة، ونؤسس لعملية إعمار، وإذا لم ننجح.. فسيقودنا هذا إلى مشاكل ولفترات ليست بالقصيرة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن