قضايا وآراء

ثلاث ملاحظات بعد خسارة ترامب

| تحسين الحلبي

ربما ليس من المبالغة التأكيد على أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب تلقى هزيمة صارخة لأنه لم ينجح في السنوات الأربع الماضية التي استلم فيها دفة إدارة حروب وسياسة الولايات المتحدة في تغيير الشرق الأوسط لمصلحة إسرائيل والولايات المتحدة وفي ظل هذه الحقيقة تظهر ثلاث ملاحظات الأولى هي: إنه لم يستطع تفتيت قدرات دول وأطراف محور المقاومة برغم أنه استخدم كل القدرات الأميركية والإسرائيلية العدوانية وقدرات الحلفاء المحليين في المنطقة لتحقيق هذا الهدف عن طريق كل أشكال العدوان العسكري والحصار الاقتصادي والسياسي.
ولهذا السبب سارع في آخر عهده لاستغلال الوقت المحدد له في الحكم للتعويض عن هذه الهزيمة بادعاء الانتصار بوساطة فرض بالونات تطبيع على بعض الدول العربية واستخدم بهذه الطريقة كما يقول المحللون الأميركيون إعطاء إسرائيل أوراقا يملك صلاحية توظيفها في كل وقت ودون عناء وكأنها قوة احتياط تحت إشراف سياسته وهدفه هو إبعاد الأنظار عن هزيمته في الحرب التي شنها ضد من عدهم أشرس أعدائه وأعداء إسرائيل في المنطقة. فقد استخدم بعض الدول الصديقة والحليفة التاريخية لواشنطن لوصلها مع حليف إستراتيجي هو إسرائيل ليعلن أنه حقق انتصارا بتطبيع دولتين معها وهما من نفس النادي الأميركي في المنطقة في حين ظهر في المقابل أن الدول التي استهدفها في محور المقاومة بعدد من الاشتباكات الفاشلة ازدادت قدراتها الإجمالية على الصعيد الإقليمي وعلى مستوى التحالف الدولي فكسبت قوة إضافية وربما لا نبالغ إذا استنتجنا أن إسرائيل لم تحقق زيادة في قدراتها الإجمالية عما كانت عليه في عهد أوباما لأنها بقيت عاجزة عن شن حرب شاملة على قوى ودول محور المقاومة أو على أي طرف منها بشكل شامل.
والملاحظة الثانية هي أن استحقاقات صعبة وعسيرة داخلية وخارجية ستترافق مع الإجراءات المتسارعة لتطبيع علاقات بعض الدول مع إسرائيل فتفرض نفسها لتزيد من انشغال هذه الدول بجدول عمل لم تكن بحاجة إليه تجاه مواطنيها وأشقائها في المنطقة وبخاصة لأنها لم تكن تعد من دول المواجهة مع إسرائيل. فقد أحضرت هذه الدول لنفسها مجانا عن طريق هذا التطبيع الذي لم تكن بحاجة إليه المزيد من المتاعب وبخاصة لأن إسرائيل لا يهمها من التطبيع إلا زيادة مشاكل هذه الدول وزيادة التسلط على قراراتها لمصلحتها فالجديد الذي حمله هذا التطبيع هو أن تل أبيب أصبحت شريكا مع الولايات المتحدة في تحقيق المصالح المطلوبة لها من هذا التطبيع حتى لو كانت على حساب مصالح هذه الدول فصار وضع هذه الدول مثل الذي أحضر دباً آخر إلى حديقة بيته وهو يعرف أن عدم قبول مواطنيه بهذا الدب سيحمل له متاعب من نوع لم يكن موجودا من قبل.
والملاحظة الثالثة هي: أن إدارة جو بايدين ستنشغل في سد ثغرات الضعف التي تولدت في السنتين الأخيرتين من سياسة ترامب في القضايا الداخلية وفي قضايا السياسة الخارجية في عالم ترسخ فيه تعدد أقطاب القوة العالمية وظهرت فيه قدرات أقطاب إقليميين صاعدة يمثل أحدها محور المقاومة الذي يشكل سدا منيعا في وجه الهيمنة الأميركية وتصديا لسياساتها في المنطقة. وهذا العالم ذو النظام الجديد بدأت تظهر معالم الأطراف التي تشكل أقطابه التي تأسست على حساب القطب الأوحد الأميركي السابق فالصين وروسيا أصبحتا قطبين لا تستطيع الولايات المتحدة فرض مصالحها عليهما لا في الاقتصاد ولا في القوة العسكرية أو النووية وهما يشكلان قطباً موحدا تتزايد قدراته في هذه الميادين وبدأ يوسع دائرة أطره الاقتصادية فلأول مرة تؤسس الصين إطارا اقتصادياً بين 15 دولة آسيوية دون وجود الولايات المتحدة فيه ولأول مرة كانت روسيا والصين قد أسستا قبل ذلك منظمة دول شنغهاي للتعاون ولم تستطع واشنطن منع دول كثيرة من الانضمام إليها حتى من الدول التي تعد حليفة لها.
وفي أوروبا سينشغل الاتحاد الأوروبي العاجز عن فرض سياسة خارجية موحدة في إعادة تنظيم قوته الاقتصادية والعسكرية بعد خروج بريطانيا التي ستتحول إلى الحليف الأساسي للولايات المتحدة في أوروبا على حساب مصالح أوروبا وفي عالم كهذا ستكون أوروبا الغربية القديمة ومعها الاتحاد الأوروبي قد خسرت قوة اقتصادية ونووية بريطانية لكي تصبح بريطانيا مع الولايات المتحدة قوتين نوويتين أمام قوتين نوويتين منافستين هما روسيا والصين أما فرنسا الدولة النووية في الاتحاد الأوروبي فها هي تكشف عن عجز في قيادة ماكرون لسياستها الداخلية فما بالك بالسياسة الخارجية التي تدهورت قدراتها على تنفيذها للمحافظة على نفوذها في عدد من الدول التابعة أو الحليفة لها ولذلك أصبح المستقبل في العقد الثالث من الألفية الثالثة في أغلب الاحتمالات يميل لمصلحة القوى العالمية الصاعدة والقوى الإقليمية المتحالفة معها وبخاصة حين نجد أن دول محور المقاومة ما تزال تشكل قوة إقليمية منيعة برغم كل أشكال الحصار والعقوبات.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن