الأولى

«اغزوهم قبل أن يغزوكم»

| بيروت– محمد عبيد

سيبقى العالم يقف على «رِجلٍ ونصف» حتى الرابع عشر من شهر كانون الثاني من العام المقبل 2021، هذا التاريخ هو موعد اجتماع لجنة المجمع الانتخابي الأميركية المخولة الإعلان عن نتائج الانتخابات الرئاسية الأميركية بشكل رسمي ونهائي، مع ما يعني ذلك من إسقاطٍ لكل الاتهامات غير الموثقة قانونياً التي يطلقها الرئيس الحالي دونالد ترامب بين الحين والآخر بهدف تعليق تلك النتائج، وبالتالي الاستمرار في القيام بمهام الرئاسة في البيت الأبيض بقوة الأمر الواقع!
يعني نحن أمام شهر ونصف من المفاجآت «الترامبية» أو تلك التي سترتكب في ظل ما تبقى من رئاسته، التي يمكن أن تخلط الكثير من الأوراق السياسية والاقتصادية والعسكرية والأمنية في العالم وفي منطقتنا بالتحديد، لكونها الأكثر حماوة والأعمق تأثراً بالمتغيرات في السياسة الخارجية الأميركية.
اعتاد بعض الأنظمة العربية أن يكون وقوداً سياسياً للانتخابات في كنيست كيان العدو الإسرائيلي، فيتوهم أنه في حال أبدى رغبة بالسلام المزعوم وبادر إلى الاجتماع مع أي من الأطراف الإسرائيلية المتنافسة، أو أنه في حال تجاوز مجزرة قام بها جيش هذا العدو بحق أي من الشعوب العربية، أن ذلك سيترك أثراً في نفوس الناخبين في الكيان المذكور وبالتالي سيؤدي إلى ترجيح كفة الطرف الذي يراهنون عليه كشريك مفترض فيما يسمى «عملية السلام».
وقد دفع العرب بسبب هذه السياسات الغبية الملتوية أثماناً كبيرة ليس أقلها تلاعب العدو بمختلف أطرافه بهم، وذلك من خلال جرهم إلى تنفيذ الأجندات الإسرائيلية الأميركية المشتركة التي أفقدتهم كل قدرات المواجهة التي امتلكوها وبالأخص منها السياسية والاقتصادية، والأخطر أنها أدت إلى تشرذمهم وانصياعهم منفردين إلى الرغبات الأميركية ولاحقاً الإسرائيلية لجهة إسقاط مبدأ العداء مع كيان العدو الهجين وبالتالي التخلي عن فكرة فلسطين برمتها.
من الطبيعي أن يتغلب منطق إجراء الحسابات الدقيقة عند كل منعطف سياسي يمكن أن يشكل تحولاً في التوازنات الإقليمية والدولية، ولكن من غير الطبيعي أن تنتقل عدوى التوهم السائدة عند بعض الأنظمة العربية أن الرد على اعتداء أميركي أو إسرائيلي ما على أي من دول وقوى محور المقاومة في هذا التوقيت الانتقالي في الإدارة الأميركية، سيعيد دونالد ترامب مثلاً إلى المكتب البيضاوي أو أن ذلك سيؤدي إلى قيام حرب إقليمية أو إلى تدخل عسكري أميركي مباشر ضد هذا المحور.
من المؤكد أنها ليست دعوة إلى التهور، ولم تعودنا قوى محور المقاومة التهور وعدم المسؤولية، لكنها عودتنا أيضاً عدم تمكين العدو أياً كانت صفته أو هويته من الاستخفاف بقدرات أطراف هذا المحور على الثأر لدماء مناضليه ومجاهديه وشعبه، أو القبول بترسيخ معادلة انتظار المكان والتوقيت المناسبين للرد! والأكثر خطورة من ذلك كله، نشر جو من الإحباط النفسي لدى الرأي العام الحاضن لمحور المقاومة في ظل ماكينة سياسية إعلامية مضادة تعمل على بث أخبار ومعلومات مشوهة تزيد من حدة هذا الإحباط.
كل ذلك يقودنا إلى سؤال جوهري: ماذا تنتظر إيران من جو بايدن وإدارته؟ العودة إلى الاتفاق النووي مثلاً؟
تعلم القيادة الإيرانية علم اليقين أنه، مهما بلغت قوة الدفع الانتخابية والمؤسساتية التي ستوصل بايدن إلى البيت الأبيض وهي بالمناسبة لم تكن كاسحة، لن يكون في وارد أن يعود إلى مرحلة ما قبل إلغاء دونالد ترامب لهذا الاتفاق، أي إنه سيطرح أفكاراً وآليات لإعادة صياغة مسودة اتفاقٍ مبنية على الوقائع السياسية والعقابية الاقتصادية والعسكرية والأمنية التي ثبتها سلفه.
والأهم، ما مصلحة إيران أصلاً في العودة إلى مندرجات الاتفاق المذكور الذي دفعت أثماناً كثيرة للوصول إليه وللحفاظ عليه أيضاً، أولها حصارٌ اقتصادي ومالي حاد وموجع للشعب الإيراني، مروراً باغتيال القائد في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني، وصولاً إلى اغتيال المرجع النووي محسن فخري زاده. وخصوصاً أن الشركاء المفترضين لواشنطن في منظومة الـ5+1 تصرفوا كشركاء صامتين في ترسيخ الحصار والعقوبات وحتى العزل السياسي لطهران.
إيلام العدو شرط أساسي للجلوس على طاولة التفاوض من موقع الند، ما عدا ذلك ليس سوى أوهام «إصلاحية» حول إمكانية تحقيق انتصارات على الند الآخر الذي يحضر إلى طاولة التفاوض مزهواً بوجعنا وجوعنا ودمائنا.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن