رياضة

قصة منتخب سورية للناشئين والمونديال … محاولة وغياب وتأهل وبسمة وسط الآلام

خالد عرنوس :

بعد قرن من دخولها بلادنا عبر بعض الطلبة لم تعرف كرة القدم السورية ثباتاً في المستوى فحيّرت المراقبين والعشاق على صعيد المنتخبات الوطنية والأندية، وعاشت منتخباتنا الكثير من النكسات والقصص الحزينة منذ بدايتها مع المنافسات القارية والإقليمية والعالمية، وتخللها بعض الأفراح القليلة التي ما زلنا نتغنى بها على الرغم من أنها لا تقاس بمعايير هذه الأيام مع الإنجازات الكبيرة، فلم نبلغ كأس العالم حيث المقياس الحقيقي لقوة الدول العظيمة على صعيد اللعبة الشعبية الأولى، ولم نستطع على سبيل المثال الوصول أبعد من الدور الأول في بطولات القارة الصفراء التي بات مجرد الوصول إلى نهائياتها حلماً.
هذا على مستوى المنتخب الأول، وشهدت مشاركاتنا بالفئات السنية بعض البسمات فشاهدنا منتخب الشباب في النهائيات العالمية واستطاع الوصول إلى ربع نهائي المونديال عام 1991 قبل أن تخذله ركلات الترجيح، وبعد 15 عاماً نجح بتكرار التأهل إلى الدور الثاني الذي أصبح دور الـ16 فخانته العراقة، أما منتخب الناشئين فقد استطاع التأهل إلى مونديال هذه الفئة للمرة الأولى قبل 8 سنوات بعد المشاركة الثالثة بالتصفيات وهاهو يستعد للمشاركة بالعرس العالمي للمرة الثانية بعد أيام عقب رسمه بسمة على شفاه السوريين المكلومين بتجاوزه ربع نهائي البطولة الآسيوية في ظروف لم تكن مثالية.
فما قصة سورية مع مونديال الناشئين؟… وما نتائجنا بمشاركاتنا السابقة في بطولات القارة الصفراء وفي مشاركتنا المونديالية الأولى بكوريا الجنوبية؟… وكيف استطاع جيل 2014 أن يتجاوز كل الصعاب ويحجز مقعداً في نهائيات تشيلي؟… نحاول أن ننقل صورة لكل هذا في «الوطن» عبر السطور التالية.

للتاريخ
بداية منتخب سورية لفئة الناشئين كانت مع بداية المونديال فشارك بالتصفيات المؤهلة إلى النسخة الأولى لكأس آسيا عام 1984 ولم تلب هذه المشاركة الطموح ولم يستطع التأهل إلى النهائيات التي أقيمت في الدوحة واكتفى بشرف المحاولة بعدما خرج بخفي حنين أمام كل من الإمارات والسعودية واليمن الديمقراطية والأخيران تأهلا إلى النهائيات.
وغابت منتخبات الناشئين بعدها حتى مطلع الألفية الثالثة عندما وجد القائمون على الكرة السورية ضرورة المشاركة في هذه الفعالية على غرار فئة الشباب التي مثلتنا في 3 نسخ مونديالية وقد استطاع المنتخب الذي تأهل إلى نهائيات المونديال 1995 وضع اسم سورية على لائحة الشرف للفائزين باللقب القاري بعد مشوار مثير عام 1994، وقد جاءت المشاركة الأولى للناشئين بعد غياب في التصفيات المؤهلة إلى مونديال 2003.

عودة حميدة
يمكننا اعتبار أن تلك المشاركة ناجحة إلى حدٍ كبير وخاصة أنها حملت التأهل الأول إلى النهائيات الآسيوية بعد ما أوقعتنا القرعة بمواجهة السعودية ولبنان، فانسحب الأخير لتقتصر منافسات المجموعة الثانية على مباراتين مع الخضر فكان التعادل سلباً يوم 26/7/2002 في مدينة الإحساء حافزاً مهماً لناشئينا، وفي الإياب الذي أقيم بعد خمسة أيام فقط فاز منتخبنا بهدف كان كافياً لحضوره في النهائيات التي جرت في الإمارات بعد أقل من 40 يوماً.
هناك أوقعتنا القرعة في المجموعة الثالثة إلى جانب كل من أوزبكستان وقطر واليابان، وفي الافتتاح فاجأ لاعبونا الجميع بالفوز على شقيقه القطري بهدف بعد تألق لافت، وفي المباراة الثانية تعادل مع أوزبكستان بهدف لمثله وعلى الرغم من الخسارة أمام اليابان بهدف إلا أن نتائج بقية المباريات وضعت منتخبنا بالمركز الثاني برصيد 4 نقاط مقابل 3 نقاط لليابان ومثلها لقطر و7 نقاط للمتصدر أوزبكستان ليتأهل ناشئونا إلى الدور الثاني، وفيه خسرنا أمام اليمنيين بهدف مقابل هدفين بعد مباراة مثيرة ليقطع الأشقاء بطاقة التأهل إلى مونديال فنلندا 2003.

فوز كاف
استضفنا مجموعتنا الرابعة بالتصفيات المؤهلة إلى النهائيات الآسيوية 2006 في حلب (ملعب الحمدانية) وبمشاركة منتخبي الكويت والإمارات فقط وقضى النظام وقتذاك بتأهل منتخب واحد إلى النهائيات المقررة في سنغافورة وبالقرعة افتتح المباريات بلقاء شقيقه الكويتي الذي خاض مباراة باحثاً عن التعادل وكان له ما أراد بعد إخفاق لاعبي الفريقين بالتسجيل، ثم التقى منتخبنا بشقيقه الآخر الإماراتي وانتظر لاعبونا بداية الشوط الثاني ليفتتح أحمد كلاسي الأهداف (48) وأكد محمد ميدو درويش الفوز بهدف ثان (80)، وبات المنتخب الكويتي بحاجة إلى الفوز بأكثر من 2/صفر ليتصدر وأي نتيجة أخرى تصب في مصلحة ناشئينا، وبالفعل فاز الإماراتيون بهدفين نظيفين الشيء الذي منح فريقنا بطاقة العبور إلى النهائيات.

وصافة سهلة
هناك في سنغافورة وقع منتخبنا في المجموعة الرابعة السهلة نسبياً وضمت كلاً من الصين وفيتنام وبنغلاديش وأقيمت البطولة بعد قرابة 11 شهراً من التصفيات ما أتاح لمدربنا محمد جمعة فرصة الإعداد الجيد للبطولة، التنين الصيني بطل نسخة 2004 كان خصمنا الأول في الافتتاح ووسط حذر شديد دخل الفريقان إلى ملعب بيشان ولعب منتخبنا على مبدأ السلامة وخاصة مع جهلهم بالفريق المنافس وكادت نتيجة التعادل تسود اللقاء لولا الهدف المتأخر من يانجشين وانغ الذي منح النقاط الثلاث للفريق الصيني.
الخسارة الافتتاحية فرضت على لاعبينا دخول لقاء بنغلادش باحثاً عن التعويض، والفوز وحده سيعيدهم إلى المنافسة ولم يترك نجوم منتخبنا أي فرصة للتنفس للبنغال فانهالت أهدافنا مبكراً ولم تكد تمضي ربع الساعة الأول حتى أعلن اللوحة تقدم سورية برباعية عبر محمد جعفر(8) ومحمد ميدو (10 و15) وسليمان سليمان (12)، النتيجة الكبيرة في وقت قياسي جعلت لاعبينا يتفننون ويقدمون ما عندهم من إمكانيات وخطط فأنهى زياد عجوز الشوط الأول بالخامس (42)، وفي الثاني اكتفى فريقنا بهدفين فأكمل ميدو الهاتريك (56) وأنهى محمد جعفر المهرجان بالسابع (61) وأمضى لاعبونا الوقت المتبقي على الواقف، وبهذا الفوز الكاسح بات لزاماً على منتخبنا الفوز على المنتخب الفيتنامي الذي فرض التعادل على العملاق الصيني بنتيجة 3/3 إذا أراد الالتحاق بمنتخبات دور الثمانية وكان الفريق الفيتنامي فاز على بنغلادش 2/صفر فرفع نقاطه إلى 4 ما يعني اكتفاؤه بالتعادل ليتقدم علينا بالترتيب.
ولعب فريقنا بفرصة واحدة فسيطر لاعبونا على أرض الملعب إلا أن كراتهم تاهت أمام المرمى، وحاول الفيتناميون مباغتتنا إلا أن المدافعين وحارس مرمانا أحمد مدنية كانوا بالمرصاد وانتظرنا الدقيقة 80 ليعلن ميدو وضع قدم أولى في ربع النهائي ولم ينتظر زميله زياد عجوز أكثرمن 3 دقائق فقط ليؤكد تفوقنا منهياً أحلام الفيتناميين وواضعاً منتخبنا في الدور التالي بالمركز الثاني وراء الصين التي فازت على بنغلادش 5/صفر.

الحلم المونديالي
تأهل منتخبنا إلى الدور الثاني من المركز الثاني وضعه بمواجهة مع المنتخب السعودي بطل المجموعة الثالثة والفائز بينهما يقطع تذكرة إلى النهائيات العالمية التي ستقام في كوريا الجنوبية، فدخل الفريقان وعينهما على البطاقة المونديالية وهو ما كان كافياً لخوضهما مباراة العمر وخاصة لاعبينا الذين لم يسبق لهم الظهور في العرس الكبير فبدأ مهاجماً بحذر شديد ولم يتأخر التقدم السوري عبر محمد جعفر (9)، وكما العادة حاول فريقنا الدفاع عن هذا الهدف واستطاع الصمود حتى نهاية الشوط الأول.
في الشوط الثاني أعاد فهد الدوسري المباراة إلى نقطة البداية منذ الدقيقة الأولى الشيء الذي منح الأشقاء أملاً بالتقدم إلا أن مهاجمنا محمد جعفر كان له رأي آخر فرفع رصيده الشخصي إلى ثنائية (73) معلناً تقدم نسور قاسيون من جديد وهذه المرة تمسك لاعبونا بالنتيجة وتألق مدافعونا ومن ورائهم حارس مرمانا أحمد مدنية وتحملوا عبء الهجوم السعودي الضاغط بغية التعديل وبعد لحظات عصيبة أعلنت صفارة الحكم عن تأهل تاريخي لمنتخبنا إلى مونديال 2007.

المركز الثالث كاف
عقب تحقيق الحلم الكبير بقي البحث عن إنجاز أكبر على صعيد البطولة القارية فدخل مباراة نصف النهائي بمواجهة الساموراي الياباني الذي تصدر المجموعة الأولى في الدور الأول قبل أن يبعد المنتخب الإيراني بركلات الترجيح من ربع النهائي، وعلى الرغم من التقارب الشديد بيننا وبين اليابانيين على صعيد النتائج والأرقام التهديفية إلا أن الفارق بدا واضحاً على أرض الملعب فقد ظهر اليابانيون أقوى وأثقل فسيطروا وأهدروا واكتفى لاعبونا بمحاولات خجولة للرد وسط استماتة من خطوطنا الخلفية للخروج بالتعادل والوصول إلى أوقات إضافية وصمد فريقنا فعلاً 68 دقيقة قبل أن تهتز شباكنا للمرة الأولى عبر ماتابو ساتو، حاول لاعبونا الرد دون فاعلية فجاء الرد الياباني بهدف كاكيتاني (80) الذي قتل المباراة ليقنع لاعبونا بما حققوه.
الخسارة وضعتنا بمواجهة طاجيكستان من أجل الحصول على المركز الثالث ولأن الفريقين لعبا دون ضغوط كبيرة بعد خسارتهما فرصة اللعب في النهائي القاري للمرة الأولى بتاريخهما فقدما مباراة هجومية ممتعة امتدت إلى وقتين إضافيين بعدما سيطر التعادل بهدفين لمثلهما على الوقت الأصلي فتقدم فتح اللـه للطاجيك (28) قبل أن يقلب فريقنا الطاولة بهدفي محمد جعفر وسليمان سليمان (45 و50)، وأدرك سوييرف التعادل (65)، وفي التمديد تقدم محمد جعفر لسورية (93) وفشل لاعبونا بالحفاظ عليه فقد تلقى مرمانا التعادل عبر عبد القيوم (114) لينقاد الفريقان إلى ركلات الأعصاب الترجيحية التي ابتسمت للطاجيك الذين فازوا من خلالها 5/4 ليحتل منتخبنا المركز الرابع.
وعلى الصعيد الفردي توج لاعبنا محمد جعفر هدافاً للبطولة برصيد 6 أهداف واحتل زميله محمد درويش ميدو المركز الثاني بمشاركة 5 لاعبين آخرين هم: اليابانيان ميزونوما وكاكايتاني والكوريان الديمقراطيان جين هيوك وري سانغ شول والطاجيكي تختانوسوف.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن