ثقافة وفن

تطور الأفيش السينمائي العربي… وفنيّته بين الإبداع والاقتباس من العالمية

| سوسن صيداوي

تطورت صناعة «الأفيش» مع تطور صناعة السينما، وصار الأفيش السينمائي باعتباره المروّج الدعائي للفيلم، يحكي لنا بمجرد نشره بالشوارع واللائحات الطرقية الإعلانية عن نجاح الفيلم أو فشله، بتكهّن من النقاد والجمهور حتى قبل العرض، وعلى أثره يحدّدون مشاهدة الفيلم أم لا.
وكما ذكرنا في مقال سابق بأن الأفيش يجمع مضامين العمل السينمائي، بداية من اسم المخرج والمؤلف، وصولاً إلى صور نجوم الفيلم بحسب ترتيب بطولتهم.
اليوم وعلى الخصوص في السينما المصرية السبّاقة في هذا المجال عربياً، سنفرد الحديث حول تطور أفيشها مع قيمته الجمالية والفنية التي تأثرت بالتطور العام لذائقة الجمهور، مع التطرق إليها من حيث تطورها من الريشة إلى الغرافيك.

في البداية
تحول الأفيش إلى سلعة دعائية مهمتها لفت نظر الجمهور وجذبهم لمشاهدة الأفلام، كما وبقي جامعاً هذا المنتج بين التجارة والفن، لتظل أفيشات السينما عبر سنوات لها مكانتها المهمة بين الجمهور العاشق والمتابع للفن السابع.
وفي مصر محل حديثنا، كانت الإسكندرية قبل أكثر من مئة عام قِبلة للأوروبيين وعلى الخصوص اليونانيين، وكان معظم الرسامين من اليونان قبل أن ينخرط المصريون في هذا الفن في العشرينيات، ومنها ازدهرت الصناعة الفنية، ليصبح في تلك الحقبة الأفيش المروّج الأساس للأفلام السينمائية، ورسومه ما زالت تخلدها المكتبات والمتاحف، بعد أن اكتشف أصحاب الاختصاص في مصر اهتمام الأجانب واللبنانيين على الخصوص بأفيشاتهم، فكانت غيرتهم فعالة بجمع إبداعهم ومعاملته كإرث أو مقتنى فني يتم عرضه بالمعارض المهمة بين فترة وأخرى، وهنا نذكر على سبيل المثال مكرم سلامة الذي جمع ألفي أفيش من مدن الصعيد والإسكندرية والقاهرة والسويس لأشهر الأفلام في ذلك الوقت.

الدنيا أفيش
لم ينعدم الاهتمام بالأفيش السينمائي المصري، حيث كان يحتفل رواد السينما بموروثهم بكل المناسبات والمهرجانات الثقافية عبر افتتاح المعارض لتقديم الأفيشات المجموعة منذ زمن نهضة السينما المصرية منذ أيام الأبيض والأسود، وكان قد قال مرة الناقد السينمائي محمود قاسم «الدنيا أفيش»، تأكيداً على دور هذا المنتج الإبداعي في السينما والمساهمة في نشر الأفلام والتسويق لها، بل والأهم بأن الأفيش بذات نفسه قادر على التعبير عن العصر الذي طبع ونشر فيه، ولابد من الإشارة إلى أنه في الفترة من الأربعينيات حتى السبعينيات لم تكن هناك مشكلة في أن يحتوي الأفيش على صورة نجمة نصف عارية، أو مشهد يصوّر قبلة حارة بين البطل والبطلة، ففي تلك الفترة لم تخضع الأفيشات للرقابة الرسمية، لأنها لوحات تعبر عن وجهة نظر صانعيها، لكن وبالمقابل لقد كانت تخضع لرقابة المجتمع الذي في كثير من الأحيان لم يتقبل أفيشاً يخالف العادات والتقاليد المجتمعية، مما يدفع الكثيرين من المحتجين إلى تمزيق أو تخريب الأفيشات الخارجة عن مألوف حشمة وعادة القالب المجتمعي، كما حصل في أفيش فيلم «شهر عسل من دون إزعاج» (1968) للمخرج أحمد فؤاد، حيث رسم صانع الأفيش عبد العليم الفنانة ناهد شريف عارية من الخلف.

المصري بين العالمية ونسخِها
أخيراً حتى الأفيشات الحديثة تأثرت بتطور التكنولوجيا والعصرنة التي فرزتها الدول المتقدمة من حيث الميديا والصورة والرسم، لتجاري تطور السينما.
ولكن من جهة أخرى الاقتباس من العالمية لم يقتصر على الموسيقا والقصص والروايات، بل وصل إلى الأفيش السينمائي، وهذا بدا واضحاً خلال دورات عجلة الأفيش المصري، المتأثر بطبيعة الحال بالمنعطفات مثله مثل الفن السابع.
ولإيضاح الفكرة سنورد لكم بعض الأمثلة: فيلم «عريس مراتي» الذي أنتج في العام 1959، أخذ من ملصق الفيلم الأجنبي «الطبقة الأرستقراطية» الذي أنتج في العام 1956، وقام ببطولته فرانك سيناترا مع غريس كيلي وبنغ كروسبي.
وأخيراً أفيش فيلم «ارحم حبي» (1959) المأخوذ عن الفيلم الأجنبي «الاستحواذ الرابع» (1954) بطولة روك هيدسون.

في التجربة السورية
بالنسبة للأفيش السينمائي السوري فهو بحاجة إلى الدعم، والقيام بعملية بحث لتأريخه والتوثيق له، وخصوصاً بأنه لا يوجد أرشيف خاص به، لا في القطاع السينمائي الخاص ولا العام.
ارتبط تاريخ وجود فن الملصق السينمائي في سورية بتاريخ أول عرض تم فيها، وكان في مدينة حلب عام 1908. نفذ العرض مجموعة من الأجانب، جاؤوا عن طريق تركيا، حيث قدموا عرضاً للصور المتحركة على آلة متنقلة، تتحرك فيها الصور أفقياً، ومن بعدها اجتهد بعض الشباب السوري الطموح مقبلاً على التجارب الخارجية في سبيل تطوير الفن السابع لدينا، بخلق صناعة سينمائية محلية، لتكون الانطلاقة في عام 1927 للبدء بتصوير أول فيلم سينمائي سوري.

البداية الحقيقية من عام 1932
في هذه المرحلة شهدت السينما السورية تحولاً، فلقد دخلت الأفلام السينمائية الناطقة إلى دور العرض المحلية، ولكن الإعلان عنها كان بعدة طرق منها: القيام بخط عبارات كبيرة على لافتات توضع فوق باب السينما، أو قيام أحدهم بالمناداة أمام الدور لاجتذاب المارة وتحريضهم على الدخول إليها، أو إحداث نوع من العراضة أو جلب فرقة موسيقيّة مصغرة للعزف أمام الدور، أو قد تذهب جوقة من المنادين، إلى الأحياء والحارات، لإعلام الناس بالعروض السينمائية ومواعيدها وأسماء أبطالها، وبنوعية العروض إن كانت مخصصة للعموم، أو للعائلات، أو للنساء، أو للبالغين.
لكن البداية الحقيقية للأفيش السينمائي السوري جاءت في أربعينيات القرن، فلقد كان الأفيش كبيراً ويغطي مساحة كبيرة من واجهة الدار، وكانت أغلبيتها بقياس 600*270 سم، ويطلقون عليه اسم (أفيش24) لأنه مكون من 24 قطعة، بالمقارنة مع ملصق الفيلم الإيطالي والأميركي المتنوع القياسات، في حين كان المصري أو الأوروبي صغيراً.
وبعد انتشار السينما في سورية، أصبح التجار وعامة الناس يسعون للحصول على الملصقات السينمائية- التي كان يصممها ويرسمها الفنانون التشكيليون والخطاطون- لوضعها في واجهات المحلات أو في المنازل.
ولكن في عام 1963 تطورت السينما السورية مع تأسيس المؤسسة العامة للسينما، لتصبح المواضيع المطروحة أكثر انفتاحاً ومعالجة، وبالطبع هذا الأمر دفع المؤسسة لتتعاون مع النخبة من الفنانين التشكيليين الآخرين الذين نهضوا بالأفيش السينمائي السوري لينطلق إلى العالمية حاصداً جوائزها في المهرجانات السينمائية، منها ملصق فيلم (الفهد) الذي أخرجه نبيل المالح.
وأخيراً تطور الأفيش السوري متأثراً بالأفيش المصري والغربي، ولكن في قيمته الفنية، جمع عناصر تشكيليّة بسيطة بين الرسم التشخيصي الدلالي والعبارات أو النصوص، ليتطور بعدها مع تطور وسائل الطباعة الحديثة وتقاناتها، ليدخل الحاسوب بتكنولوجيته دامجاً بين العناصر التشكيلية، إضافة إلى العبارات والنصوص الكتابيّة التي تحدد الحدث المعلن عنه وتاريخه ومكانه.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن