قضايا وآراء

أهداف اغتيال «محسن زاده»… والرد الحتمي الإيراني

| محمد نادر العمري

من المعلوم أن سياسة الاغتيالات هي قديمة جديدة، يقدم عليها الكيان الإسرائيلي عبر أذرعه المباشرة كالموساد، أو غير المباشرة كالمجموعات الإرهابية الأخرى التي تشغلها أجهزة الموساد، وتمثل ذلك باغتيال العلماء الإيرانيين، النوويين أو غير النوويين، أو باغتيال غيرهم من علماء محور المقاومة، كمهندسي الصواريخ أو الطائرات المسيّرة الفلسطينيين أو العرب، وقد دأبت تل أبيب دائماً على اتباع هذه الإستراتيجية في مواجهة القدرات البشرية والفكرية لمحور المقاومة، بعد أن عجزت عن عرقلة إنجازات دولهم أو الحد منها، بمشاركة ودعم أميركي.
لذلك فإن عملية اغتيال رئيس منظمة البحث العلمي والتطوير في وزارة الدفاع الإيرانية «محسن فخري زاده»، تهدف من خلالها تل أبيب ومن خلفها إدارة ترامب في واشنطن إلى تحقيق مروحة من الأهداف:
١- استنزاف المقدرات النخبوية في إيران على مختلف المجالات العسكرية والعلمية والاقتصادية والسياسية، والتي تشكل مرتكز القوة والتأثير، بعد إخفاق إسرائيل بجر أميركا لحرب مباشرة ضد إيران، وفشل الأخيرة في الوصول إلى نتائج أثناء ولاية ترامب من إجراءات العقوبات القصوى.
٢- في أحسن الأحوال سعي إسرائيلي لفرض أمر واقع على الإدارة الأميركية لخوض حرب مع إيران، بعد إخفاق ترامب في التوصل لاتفاق مع وزير دفاعه السابق «مايك إسبر» على توجيه ضربات على المنشآت النووية الإيرانية وفق ما سربته وسائل إعلام أميركية.
٣- في أدنى المساعي المشتركة بين ترامب ونتنياهو من جراء مثل اعتداءات كهذه، تكمن في تطويق الإدارة الأميركية القادمة وعدم السماح لها بالعودة لاتفاق النووي السابق.
٤- خلخلة الداخل الإيراني وخاصة أن هذا الاعتداء حصل في العمق الإيراني وبمكان لا يبعد سوى 35 كم من العاصمة الإيرانية، وبالتالي قد تكون كل من أميركا وإسرائيل تريدان القول إن هناك ضعفاً في الداخل الإيراني ويمكن للمعارضة الإيرانية التحرك، وإظهار نوع مفتعل من هشاشة الثقة للمواطن الإيراني بقدرة دولته، بالتزامن مع تردي الأوضاع المعيشية.
كل التصريحات ومن معظم المسؤولين الإيرانيين والإجراءات الاحتياطية التي بدأت مراكز القرار في تل أبيب تتخذها، تؤكد أن الجمهورية الإسلامية الإيرانية سيكون لها رد حتمي على اغتيال «محسن فخري زاده» لعدة أسباب:
• أولاً من حيث المكانة فإن زاده يعتبر بمنزلة مكانة الجنرال قاسم سليماني لكن من الناحية العلمية العسكرية في إيران، حتى إن أحد الدبلوماسيين الغربيين في عام 2014 قال: «إذا فكرت إيران بعسكرة برنامجها النووي فإن محسن زاده سيكوب أب القنبلة النووية» لذلك فرضت عليه العقوبات.
• ثانياً سكوت إيران وعدم ردها في هذه الفترة قد تمنح من يقف خلف هذه العملية ومنفذها وداعمها سواء جماعة مجاهدي خلق أم الموساد الإسرائيلي أو الأميركي أو الاستخبارات الخليجية، فرصة لتصعيد اعتداءاتها قبل انتهاء ولاية ترامب، وخاصة بعد القمة الثلاثية التي سبقت اغتيال زاده بأيام والتي ضمت كلاً من محمد بن سلمان ونتياهو ومايك بامبيو والتي من المرجح أن يكون جزء منها يتضمن استهداف إيران إلى جانب الدعم الإسرائيلي للسعودية في حربها على اليمن والاتفاق على الترتيبات الضامنة لوصول محمد بن سلمان إلى الحكم.
• ثالثاً إيصال رسالة حازمة لإدارة بايدن القادمة بأن إيران لم ولن تغير مواقفها ومازالت قوية رغم أشكال الحصار القصوى كافة التي فرضت عليها.
ولكن يبقى شكل الرد ومكانه وتوقيته هو محط البحث، فقد نشهد رداً على الاغتيال حسب الجهة التي تقف خلفه والجهات المتعاونة والمنفذة من جهة، ومن جهة ثانية فإن أسلوب وطبيعة الرد سيكون إما اغتيال شخصية بمكانة زاده، وإما احتمال حجز سفينة عسكرية في الخليج، أو سيكون سيبراني كاستهداف مفاعل ديمونة وتعطيله إلكترونياً وقد يكون أمنياً عسكرياً محدوداً ولكنه مضبوط.
أما التوقيت فقد يكون العامل الحاسم وسيكون متخذ القرار في إيران أمام خيارات صعبة، الرد المباشر قد يدفع أميركا نحو عمل عسكري وهو ما تدركه إيران، والرد المتأخر قد يشكل فرصة للحلف الأميركي الإسرائيلي الخليجي لنقل المعركة أكثر نحو العمق الإيراني، وفي كلتا الحالتين هناك حسابات دقيقة خاصة أن إيران لا تريد إرباك موقف بايدن ومنح أعدائه في الداخل الأميركي وخارجه فرصة لتكبيل إدارته من العودة للاتفاق النووي، ولكن حصول اغتيالين بثقل سليماني وزاده قد يغير حسابات المشهد السياسي الداخلي في إيران لمصلحة المحافظين الذين سيكونون في موقفهم أفضل عندما تحين الانتخابات الرئاسية عام 2021.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن