في الفترة بين يومي 17 و22 نوفمبر عام 2020، حضر الرئيس الصيني شي جينبينغ ثلاث فعاليات مهمة متعددة الأطراف على التوالي: القمة الـ12 لدول بريكس والاجتماع غير الرسمي الـ27 لقادة دول أبيك والقمة الـ15 لمجموعة العشرين، حيث ألقى سلسلة من الكلمات المهمة، وحث فيها المجتمع الدولي على بلورة التوافق وإجراء التعاون في القضايا المهمة، مثل التنسيق بين مكافحة الوباء والتنمية الاقتصادية والاجتماعية وصياغة النظام الدولي في فترة ما بعد الوباء وتعزيز الحوكمة الاقتصادية العالمية، من أجل إقامة مجتمع المستقبل المشترك للبشرية.
في الوقت الراهن، تمر البشرية بأخطر جائحة منذ مئة سنة، ولا يزال فيروس كورونا المستجد متفشياً وأصاب أكثر من 62 مليون نسمة في العالم كله؛ كما يشهد اقتصاد العالم أخطر انكماش منذ الكساد الكبير في ثلاثينيات القرن الماضي، وتواجه العولمة الاقتصادية تياراً عكسياً، وتتصاعد الأحادية والحمائية يوماً بعد يوم، وتزداد المشاكل بين الإنصاف والفعالية والنمو والتوزيع والتقنية والتوظيف، وتبقى الفجوة بين الفقراء والأغنياء كظاهرة منتشرة. الجائحة والتغيرات غير المسبوقة منذ مئة سنة أدت إلى تسريع وتعميق التغير في المعادلة الدولية وازدياد العناصر غير المستقرة وعدم اليقين في الأوضاع الدولية، فأمام المجتمع الدولي اختبار كبير للاختيار بين التعددية والأحادية وبين الانفتاح والانغلاق وبين التعاون والتصادم. في هذا السياق، هناك سؤال العصر يطرح نفسه: «ماذا حدث في العالم وما العمل»؟ والرئيس شي جينبينغ، بما لديه من الرؤية الكونية والثقة بالنفس والهدوء، ساهم بخطة الصين وحكمتها لحل القضايا الملحة، المتمثلة في مكافحة الوباء وإنعاش الاقتصاد، وكيفية صياغة النظام الدولي ونظام الحوكمة العالمية ونمط التنمية الاقتصادية في فترة ما بعد الوباء.
أكد الرئيس شي جينبينغ في كلماته أن العنوان الرئيس للعصر لم يتغير، ولا يزال يتمثل في السلام والتنمية، وتيار العصر لم يتراجع ولا يزال يتمثل في التعددية والعولمة الاقتصادية. التهديدات والتحديات الكونية تتطلب جهوداً عالمية متضافرة، كما تتطلب مكافحة الوباء التزام جميع الدول بإعلاء مصلحة الشعب وحياته، وتقاسم الخبرات في الوقاية والسيطرة على الوباء، وتعزيز التعاون في تطوير اللقاحات والأدوية، واستبدال الخلافات بالتضامن وتبديد التحيز بالعقلانية، ورفض تسييس الوباء وربطه بدول معينة، ودعم منظمة الصحة العالمية للقيام بدور التنسيق المهم، وإنشاء آلية دولية للاعتراف المتبادل للكود الصحي، وبناء خط الدفاع العالمي ضد الوباء وإقامة مجتمع الصحة المشتركة للبشرية. كما يتطلب إنعاش الاقتصاد العالمي تكريس جميع الدول لمفهوم «التنمية المنفتحة والمبتكرة والشاملة والخضراء»، والحزم في بناء الاقتصاد العالمي المنفتح وتسيير عجلة الاقتصاد العالمي وصيانة نظام التجارة المتعددة الأطراف القائم على أساس منظمة التجارة العالمية، وتعميق الإصلاح الهيكلي وتوليد قوة دافعة جديدة للتنمية بالابتكار التكنولوجي والثورة الرقمية، والالتزام بـ«المعاملة الخاصة والتفضيلية» للدول النامية، والاهتمام بتمكين الدول النامية والفئات الضعيفة من الاستفادة من ثمار التنمية بشكل أكبر، والالتزام بنمط التنمية المستدامة والخضراء، وبناء عالم أخضر وجميل وتحقيق التعايش المتناغم بين الإنسان والطبيعة. كما يتطلب الإصلاح للنظام الدولي ونظام الحوكمة في فترة ما بعد الوباء تمسك جميع الدول بمبادئ التشاور والتعاون والمنفعة المتبادلة، والالتزام بالتعددية والانفتاح والتسامح والمنفعة المتبادلة والتعاون ومواكبة العصر، وتكريس النظام الدولي المتحور على الأمم المتحدة، وصيانة النظام الدولي القائم على أساس القانون الدولي، واستكمال هيكلة الحوكمة للعولمة الاقتصادية وصيانة نظام التجارة المتعددة الأطراف، ودعم الإصلاح لمنظمة التجارة العالمية، ودفع العولمة الاقتصادية نحو المزيد من الانفتاح والتسامح والتوازن والمنفعة المشتركة، وتطوير الاقتصاد الرقمي والبحث ووضع قواعد الحوكمة الرقمية العالمية، ورفع القدرة على مواجهة التحديات الكونية، وخاصة تعزيز النظام الدولي للصحة العامة للوقاية والسيطرة على فيروس كورونا المستجد وغيره من الأوبئة المعدية.
التنمية في الصين جاءت بفضل التعاون العالمي، التي وفرت قوة دافعة مستمرة للاقتصاد العالمي. وأشار الرئيس شي جينبينغ إلى أن الصين ستدخل مرحلة جديدة للتنمية وبمعادلة جديدة لها، وستدفع التنمية العالية الجودة، وتستمر في توسيع الانفتاح، ما يخلق فرصاً أكثر للعالم. عُقدت مؤخراً الجلسة الكاملة الخامسة للجنة المركزية الـ19 للحزب الشيوعي الصيني، وأقرت الخطة الخمسية الـ14 ورؤية 2035، الأمر الذي رسم خطة عريضة للتنمية في الصين في المرحلة المقبلة، وأكد أن الصين ستعمل بشكل علمي في المرحلة الجديدة وتكرّس المفهوم الجديد للتنمية وتسعى إلى تشكيل المعادلة الجديدة التي تعتمد أساساً على الدوران المحلي، مع التكامل بين الدوران المحلي والدولي. من الجدير بالتأكيد، أن المعادلة الجديدة لا تعني الانغلاق على الإطلاق، بل رفع الصلابة والتنافسية للاقتصاد الصيني من خلال تعزيز العرض والطلب وتسهيل حلقات الإنتاج والتوزيع والنقل والاستهلاك، ما يقيم نظاماً جديداً للاقتصاد المنفتح وعلى مستوى أعلى، الأمر الذي سيوفر فرصاً أكبر لدول العالم للاستفادة من التنمية العالية الجودة في الصين. في هذه المعادلة الجديدة، ستعمل الصين على تحرير الإمكانية الكامنة للسوق وخلق طلب أكثر لكل الدول، وزيادة الانفتاح لتقاسم فرص التنمية مع جميع الدول، وتعميق التعاون الخارجي لتحقيق المنفعة المتبادلة والكسب المشترك مع جميع الدول. تمتلك الصين ما يزيد على 400 مليون نسمة من الفئة المتوسطة الدخل، وتوقّع العديد من الوكالات الدولية تجاوز حجم المبيعات بالتجزئة في الصين 6 تريليونات دولار في هذا العام. وستخفض الصين الرسوم الجمركية والتكلفة المؤسسية لمواكبة حاجات شعبها للحياة الأفضل، الأمر الذي سيوفر فرصاً أكبر لجميع الدول ويأتي بقوة دافعة أكثر للتنمية المستقرة للاقتصاد العالمي. ستستمر الصين في تحرير وتسهيل التجارة والاستثمار، وتهيئة بيئة أعمال تحكمها قواعد السوق والقانون وتتسم بالمعايير الدولية، ودعم نظام التجارة المتعددة الأطراف والمشاركة بنشاط أكبر في إصلاح نظام حوكمة الاقتصاد العالمي، ودفعه نحو اتجاه أكثر عدلاً وإنصافاً. وستشارك الصين بنشاط أكبر في التقسيم الدولي للعمل، وتنخرط بفعالية أكثر في سلاسل الإنتاج والإمداد والقيمة، ما يدفع ببناء «الحزام والطريق» بجودة عالية، ويجعله طريقاً للتعاون والصحة والانتعاش والنمو، كما ستعمل على دفع التعاون الدولي، ما يمكّن الشركاء من الاستفادة من ثمار التنمية العالية الجودة بشكل أفضل.
سورية عضو لا غنى عنه في المجتمع الدولي.
خلال الجهود الدولية لدفع عملية الإصلاح لنظام الحوكمة العالمية، يجب احترام هموم حكومة سورية وشعبها للسيادة وسلامة الأراضي، وفهم مطالبها للاستقرار والتنمية، ودعم جهودها في مكافحة الإرهاب والوباء. تدعو الصين دائماً إلى اختيار النظم الاجتماعية والأنماط الاقتصادية والطرق التنموية بالإرادة المستقلة ووفقاً للخصوصية الوطنية، وترفض التدخلات الخارجية والعقوبات الأحادية الجانب والاختصاص الطويل الذراع. لا يستطيع العالم تحقيق السلام الدائم والأمن الشامل والازدهار المشترك إلا بإحلال السلام والتنمية في سورية وغيرها من الدول النامية، وهو بالذات النية الأصلية والهدف لما طرحته القيادة الصينية بشأن خطة الحوكمة العالمية.