الخبر الرئيسي

خلال مشاركته في الاجتماع الدوري الموسع الذي تعقده وزارة الأوقاف في جامع العثمان … الرئيس الأسد: لو لم نمتلك عوامل الاستقرار لكنا غرقنا منذ الأسابيع الأولى للحرب … لا يوجد علاقة بين العلمانية وفصل الدين عن الدولة لأن العلمانية هي حرية الأديان وهذا في صلب ديننا

| الوطن

أكد الرئيس بشار الأسد أن الحديث عن القضايا الأمنية والمعاشية وأي قضايا أخرى هي قضايا عكوسة تزول بزوال الأسباب، أما القضايا الفكرية تتصف بـ«الإزمان» وكل مزمن يصعب علاجه، وبالتالي ما قد نكسبه في القضايا الفكرية وما يصل إلينا قد يكون من الصعب التخلص منه وما قد نخسره قد يكون من الصعب استعادته.
وفي كلمة له خلال مشاركته في الاجتماع الدوري الموسع الذي تعقده وزارة الأوقاف في جامع العثمان، اعتبر الرئيس الأسد أنه عندما نتحدث عن الفكر بمنطقتنا في هذا الشرق الكبير، وهو شرق عقائدي وشرق ديني فعندما نتحدث عن الفكر فجوهر الفكر هو الدين لأنه يدخل في كل جوانب الحياة، يدخل في العقل والعاطفة والسلوك، في الماضي والحاضر وسيكون في المستقبل، لذلك يكفي أن نخرب هذا الفكر لنخرب المجتمعات، وهذا الشيء يحصل منذ قرن تقريباً أو أكثر بقليل وبالمحصلة بعد مئة عام فقد حقق أعداء تلك المجتمعات نجاحات كبيرة في هذا الشيء، وبدلاً من أن يكون الدين الذي أنزل أداة للمجتمعات لكي تتطور استخدم هذا الدين ليكون أداة لتخريب تلك المجتمعات.
وشبه الرئيس الأسد المحيط الذي نعيش فيه، بالمحيط الهائج أمواجه عاتية تضرب في كل الاتجاهات، تضرب بالاتجاه الأمني عبر الإرهاب وتضرب بالاتجاه الاقتصادي عبر الحصار والتجويع وتضرب بالاتجاه الفكري عبر الدفع بالمجتمعات إلى الدرك الأسفل، وفي هذا المحيط نرى سفناً و«نرى مراكب» تعلو وتهبط، البعض منها يهتز بهدوء والبعض يترنح والبعض غرق وما يحدد الفارق وما يحدد قدرة هذه المراكب على مواجهة هذه الأمواج، هي عوامل الأمان والاستقرار التي تمتلكها هذه المراكب وهذا هو حالنا كمجتمع.

وشدد الرئيس الأسد أنه لو لم نكن نمتلك هذه العوامل لكنا غرقنا منذ الأسابيع الأولى، وبنفس الوقت لو كنا قد قمنا بصيانة هذه العوامل والحفاظ عليها بشكل جيد لما كنا دفعنا هذا الثمن الغالي اليوم، لافتاً إلى أن هذه الأمواج مستمرة لا تتوقف تضرب بمجتمعاتنا بشكل مستمر تضرب بنية المجتمع عقائد المجتمع وتضرب رموز المجتمع وهي ليست عفوية لأن هذا المحيط الهائج ليس هائجاً بفعل عوامل الطبيعة وإنما بفعل المصالح الدولية وهناك تعارض بين تلك المصالح وبنية مجتمعاتنا، لأننا لا يمكن أن نفصل بينة مجتمعاتنا عن ديننا، وبالمحصلة نحن نخسر وأعداؤنا يتقدمون للأمام.
ولفت الرئيس الأسد إلى أنه عبر التاريخ لم يحصل أن هناك عقيدة انهارت بهجوم خارجي، دائماً كان الأبناء يتمسكون بها وتصمد، معتبراً أن الخوف على الدين من الخارج غير مبرر ولا مكان له ولن أضيع وقتي بالحديث عنه، وقال: دائماً الخطر يأتي من الداخل، الخطر من أبناء الدين ومن اتباع الديانات ومن اتباع العقيدة، ويبدأ هذا الخطر بالتخلف والتطرف وبالتعصب وبعدم قدرة أبناء أو اتباع تلك العقيدة على التفكير السليم، أما الإرهاب فأنا لم أتحدث عنه ولم أقل بأن الإرهاب يشكل خطراً لأن الإرهاب هو مجرد نتيجة وليس سبباً».

واعتبر الرئيس الأسد أننا نغضب لكننا لا نتصدى وهناك فرق كبير بين الغضب وبين التصدي، كل ما يحصل، وما نقوم به يدور حول مشاعرنا، لا يدور حول مصالحنا، وعندما نتحدث عن مصالحنا فهي لا تنفصل عن عقائدنا لأن العقائد أنزلت من أجل المصالح. وبين الهجمة والهجمة والإدانة والغضب يتحول الدين إلى كرة يتقاذفها الانتهازيون من السياسيين.
وأشار الرئيس الأسد إلى أن الانتهازي الأول هو في فرنسا، والذي لديه انتخابات العام القادم، وهو يريد أن يستقطب المصابين برهاب الإسلام، أما الثاني لديه انتخابات في عام 2023 في تركيا، وهو أردوغان، والذي لم يعد لديه من الأكاذيب ما يقنع بها شعبه وبدأ يخسر شعبيته فقرر أن ينصب نفسه حامياً للإسلام.

الرئيس الأسد أشار إلى وجود تيار لم يكن واضحاً للكثيرين، وهو تيار الليبرالية الحديثة، فالقلة من الناس تعرف عنه، وهو يختلف عن الليبرالية، والتي تمثل تياراً سياسياً اجتماعياً لا يوجد فيه مشكلة، مبيناً أن الليبرالية الحديثة تشبه الآن الحديث عن تسويق الديمقراطية بالنسبة لأميركا، فهم يستخدمون الديمقراطية من أجل الهيمنة على الشعوب ويستخدمون حقوق الإنسان من أجل شن الحروب، موضحاً أن المطلوب من هذه الليبرالية ضرب إنسانية الإنسان، وهنا تتناقض مع الدين، لأن الأديان أنزلت من أجل تكريس الإنسانية فتأتي الليبرالية لتفصل الإنسان عن إنسانيته، متسائلاً: عندما يُفصل عن إنسانيته ويفصل عن قيمه وعقائده ما الذي يقود هذا الإنسان؟ «يقوده شيئان، المال والغريزة، وعندها تسهل قيادته بالاتجاه المطلوب.
الرئيس الأسد اعتبر أن مسألة فصل الدين عن الدولة تتم في حالة واحدة، عندما نفصل الدين عن المجتمع، لأن الدولة تتجذر حيث يتجذر المجتمع، ولا تتجذر حيث تريد أن تتجذر هي، وعندما ينفصل المجتمع عن جذور محددة فلابد للدولة أن تنفصل عن هذه الجذور فهي مرآة لهذا المجتمع، وأضاف: «وكما نرى بأن مجتمعاتنا عقائدية وستبقى عقائدية لقرون إلى ما شاء الله، ففصل الدين عن الدولة بالشكل الذي يطرح يعني فصل الدولة عن المجتمع».

وشدد الرئيس الأسد على أنه لا يوجد أي علاقة بين العلمانية وفصل الدين عن الدولة، لأن العلمانية هي حرية الأديان، وهي احترام الأديان وهذا في صلب ديننا، وفي صلب ممارسات الرسول الكريم احترام الآخرين وحرية الأديان، «فلذلك العلمانية في مكان آخر لا علاقة لها بالليبرالية ولا فصل الدين عن الدولة ولا كل هذه الأشياء».

ولفت الرئيس الأسد إلى أن جزءاً من الجدل القائم بين طرفين هو إمكانية استبدال الديانة في المدارس بمادة التربية الأخلاقية، واعتبر أن هناك في ديننا أخلاق، وفي ذات الوقت الفطرة التي يفطر عليها الإنسان والتي وردت في القرآن، هي فطرة الخير، وبالتالي هذه الفطرة لا بد أن تلتقي مع الأخلاق في مكان ما، والأهم منها هو الكلام الواضح هو كلام الرسول «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق»، هو قال أتمم ولم يقل أؤسس، فالرسول يقول لنا بأن هناك أخلاقاً ولكن بحاجة لإتمام، وهنا أقول بأن كلا الرأيين عندما يتحدثان بالشكل المطلق يخطئان لأن الرسول تحدث بشكل نسبي، ولم يتحدث بشكل مطلق، قال هناك أخلاق ولكنها لا تكتمل».

مؤسسة الأوقاف كانت رديفاً للجيش فلو تخاذل الجيش لانتصر الإرهاب ولو تخاذلت المؤسسة الدينية لانتصرت الفتنة، معتبراً أن من يهاجم هذه المؤسسة انطلاقاً من الشك وليس من سوء النيّات، بأنه لا يعرف عن دور هذه المؤسسة في منع الفتنة والتقسيم، وهو لا يعرف عن دور هذه المؤسسة في منع الطائفية وفي منع التطرف، وفي تطهير المناطق التي تحررت من بقايا الفكر التكفيري المتخلف، لا يعرف عن الأشياء التي تقومون بها الآن بشكل مستمر.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن