منذ اللحظة الأولى لتسرب الأخبار عن فوز المرشح الديمقراطي جو بايدن في الانتخابات الرئاسية الأميركية، بدأ المراقبون والمتابعون ينشغلون في محاولة تقدير طريقة تعاطيه المرتقبة مع الملفات الداخلية والخارجية، نظراً لما تشكّله من تحديات، خاصة على الصعيد الداخلي.
إن بقاء الرئيس الخاسر دونالد ترامب حتى تسلم جو بايدن الحكم في العشرين من كانون الثاني، وهي الفترة التي تسمى في أدبيات السياسة الأميركية بفترة «البطة العرجاء»، ولا تقتصر فقط على الرئاسة بل كذلك على الكونغرس الأميركي، ينبئ باحتمال اتخاذ قرارات وسلوكيات من ترامب من شأنها أن تعمق الانقسام في الداخل الأميركي وقد تسرّع من نقل هذا الصراع من الشارع للمؤسسات.
إضافة لذلك ثمة مجموعة من التحديات المطروحة أمام بايدن قبيل دخوله البيت الأبيض، فالبرغم من عدم جدوى معظم الدعوات القضائية التي يرفعها ترامب حتى الآن للتشكيك في نزاهة الانتخابات، يكمن التحدي العاجل الأول أمام بايدن في الحفاظ على وحدة أميركا وعلى النسيج الاجتماعي.
فإذا كانت المناورات القانونية لترامب، غير مأمول منها تغيير النتيجة الانتخابية، إلا أنها قد تؤدي إلى تأجيج الغضب وعدم الاستقرار، وزيادة حدة الانقسام في المجتمع الأميركي، لذلك تعهد بايدن في خطاب النصر بأن يكون رئيساً يوحد الأميركيين، في محاولة منه لعدم إعطاء فرصة لحملة ترامب من استغلال الوضع الهش داخلياً.
أما التحدي الثاني العاجل، هو قدرة بايدن على وضع إستراتيجية آنية لمكافحة كورونا، بعدما أخفق ترامب في مواجهتها والاستخفاف بها بوصفه لها بأنها «فيروس صيني»، إذ قال بايدن إن عمله يبدأ بـ«السيطرة على انتشار «كوفيد19»، وإنه لن يدخر جهداً من أجل احتواء هذه الجائحة، وبدأ بتعيين مجموعة من العلماء للعمل كمستشارين انتقاليين لتنفيذ خطته الخاصة بالمواجهة، وأهم معالم تلك الخطة وضع إستراتيجية وطنية للمضي قدماً في مجابهة «كوفيد19» من خلال سن قانون رئيسي في الكونغرس لتمويل حملة اختبار وطنية وصناعة منتجات ومعدات طبية في الولايات المتحدة، وجعل وضع الكمامات إجبارياً في المباني الفيدرالية، وفي وسائط النقل بين الولايات، وتوفير لقاح مجاني للجميع في المستقبل، ويعتزم بايدن إلغاء إجراءات انسحاب الولايات المتحدة من منظمة الصحة العالمية التي أمر بها دونالد ترامب مؤخراً.
ويتمثل التحدي الثالث في تحسين مسار الاقتصاد الأميركي والعمل على إنعاشه، إذ يتعين على بايدن أن يكون مستعداً للعمل مع الحزبين، الجمهوري والديمقراطي، من أجل تمرير مشروع قانون من شأنه أن يعمل على تقديم الدعم لحكومات الولايات والمدن المتعثرة، وعلى تقديم إعانات البطالة التكميلية بصورة حكيمة، بالإضافة إلى تقديم إعفاء إضافي موجه للعمال من ذوي الأجور المنخفضة، بعد أن كان بايدن قد تعهد بالاستثمار بكثافة في مجال الطاقة المتجددة، ويريد بايدن أيضاً إعادة استثمار عائدات الضرائب في البرامج الاجتماعية والتعليم وتحديث البنى التحتية.
ووفقاً للمراقبين، فإن الرئيس الأميركي لن يتمكن من التوقيع على مشاريع قوانين جديدة لإقرارها، لأن الكونغرس أيضاً في فترة «البطة العرجاء» ومن النادر جداً أن يتم تمرير أي مشروع قانون خلال هذه الفترة، لكن الاستثناء قد يحصل هذا العام بسبب فيروس كورونا، واحتمال تمرير مشروع الإنعاش الاقتصادي، في حال اتفق عليه الحزبان.
لكن واقع الأمر، يشير إلى أن الممارسات السياسية للرئيس ترامب الذي يرفض الاعتراف بالهزيمة ويشكك في مصداقية الانتخابات، لن يمكن الرئيس المنتخب بايدن ولن يكون بمقدوره تمرير أي مشروع قانون.
كما يمثل قانون الحظر أو مرسوم الهجرة الذي أصدره ترامب سابقاً أحد أهم الملفات والتحديات التي تواجه الرئيس المنتخب، فقد وعد جو بايدن بإلغائه من اليوم الأول لولايته، والذي يحظر دخول مواطني عدة دول، وسيطلب بايدن من الكونغرس تمرير قانون ضد الجرائم العنصرية.
وتعد إجراءات احتجاز طالبي اللجوء وفصل عائلات مهاجرين غير شرعيين على الحدود الأميركية المكسيكية، من أهم الملفات والتحديات المطروحة أمام بايدن، الذي يرغب في تمرير قانون يعتبر مراقبون أنه سيضع خريطة طريق للمواطنة لـ11 مليون مهاجر غير شرعي يعيشون في الولايات المتحدة، ولما يقرب من 700 ألف شاب وصلوا بشكل غير قانوني إلى الولايات المتحدة عندما كانوا أطفالاً.
من المؤكد أن الجميع ينتظر فترة تولي بايدن إدارة البيت الأبيض، ليس فقط على صعيد الداخل الأميركي بل على المستوى الدولي، نظراً للتداعيات التي قد تنجم عن معالجة التحديات الداخلية والتي بلا شك ستؤثر على تحديد معايير السياسة الخارجية وعلاقة الولايات المتحدة الأميركية مع باقي الدول، لذلك فإن خروج ترامب من البيت الأبيض لن يعني بأن خطره توقف بل على العكس، هناك ما ينبئ بفترة متأزمة على الصعيد الداخلي الأميركي، خاصة أن ترامب سيتوجه نحو تحوله لثقل ضاغط على بايدن سواء من خلال سعيه لامتلاك مؤسسة إعلامية أو ما أظهره من قدرة على جمع الأموال لحملته الانتخابية والدعاوى القضائية، ووصول منتخبيه لأكثر من 70 مليون ناخب يعبّرون عن توجهاته التطرفية.