خلال المرحلة الأخيرة لدور المجموعات في دوري أبطال أوروبا، وخلال المباراة التي جمعته قبل الأمس مع نادي باريس سان جيرمان الفرنسي، أعلن نادي باشاك شهير التركي الانسحاب من أرض الملعب احتجاجاً على توجيه الحكم الرابع عبارات عنصرية لأحد إدارييه المنحدر من أصولٍ إفريقية.
كان الحادث سيمرّ مرور الكرام لو أن الأمر انتهى هنا، أي انسحاب الفريق وبالتالي خسارته إدارياً للمباراة، لكن ما جرى عكس ذلك إذ رفض لاعبو فريق باريس سان جيرمان إكمال المباراة تضامناً مع الفريق الخصم بعد أن عرف لاعبوه وتحديداً النجوم المؤثرين في الفريق السبب الحقيقي لانسحابهم، هكذا غادر الفريقان أرضية الملعب من مبدأ أن الصراع ضد العنصرية يجب ألا يرتبط بمكسبٍ معنوي أو مادي، الصراع ضد العنصرية يجب أن يكون مبدأ قبل كل شيء.
من اللافت أن تنجح الرياضة بمختلف أنواعها بالوقوف بوجه العنصرية، ربما لأن المنظمات الرياضية العالمية مع أغلبية الأندية في الدوريات والمسابقات الكبرى تتعاطى بطريقةٍ خارجة عن سياسة الحكومات الرسمية في هذا العالم، تحديداً أن الحكومات الرسمية وتحديداً الدول التي ترى في نفسها مدرسة أخلاقية، هي نفسها من تمارس العنصرية تجاه باقي الشعوب في هذا العالم، فهناك دول أوروبية قامت بنهب ولا تزال تنهب خيرات الدول الإفريقية مثلاً.. أليس هذا الأمر أسوأ من همروجة العنصرية تجاه اللون؟
كانت العنصرية ولا تزال هي الداء الذي يقتل التّماسك المجتمعي، لكن من قال إن العنصرية هي فقط تلك التوصيفات التي يوجهها البيض للسود، هناك عنصرية قومية يوجهها أصحاب هذه القومية لتلك، هناك عنصرية مذهبية تتغلغل في ثنايا الإنسانية كما الفيروسات عندما يظن كل طرفٍ بأنه «شعب اللـه المختار»!، لكن ماذا عن مجتمعاتنا؟
بعيداً عن موشحات الشتائم التي تطلقها جماهير أنديتنا من دون استثناء حتى باتت أشبه بتراث التشجيع الرياضي لدينا، فإننا في الكثير من المناحي نعاني عقدة التفوّق تجاه الآخر، بمعزلٍ عمن هو الآخر، فعندما نريد التحدث لرفض واقعٍ ما نقول:
نحن لسنا في مجاهل إفريقيا، ولا ندري أن معظم الدول الإفريقية باتت في عداد الدول الناهضة اقتصادياً وصناعياً واجتماعياً، تخيلوا مثلاً أن البعض ما زال ينفي عن نفسه صفة الغباء بالقول إنه ليس من هؤلاء الذين يحملون على رأسهم ريشة طائرٍ، وهو لا يدري أن هؤلاء يديرون أحد أقوى الاقتصادات في العالم.
أما في الشخصنة، فحدّث ولا حرج! ألم يكن لديك خلال سنوات الدراسة تلك الصديقة التي إن أرادت أن تحدّثك عن إحداهنّ تبدأ كلامها بالقول «هي محجبة لكنها منفتحة»، أو ذاك الذي ظنّ أن اللـه لم يهد سواه، ويحدّثك عن إحداهنّ بالقول:
«هي ليست محجبة لكنها محترمة»، أي إن كلامنا عن الآخر يجب أن يعبر نفق العنصرية الشكلي قبل أن نعطي رأينا فيه، دون أن ندري أن هذا الرأي ولو كان إيجابياً لكن ما عاد له من قيمةٍ لأنه أساساً مسبوق بنظرةٍ عنصرية تجاه حرية الآخرين الشخصية لدرجةٍ تدفعنا للقول: إذا كنا عنصريين مع من نحب ونحترم.. فماذا تركنا لمن نكره؟!
في الخلاصة: العنصرية سلوك قد نمارسه يومياً من دون أن ندري، وواهم من يظن أن هذا السلوك يتجسّد كأسلوب حياةٍ أو نظرةٍ تجاه لونٍ أو عرق، ولنتذكّر دائماً أن العنصرية هي مدفنٌ للأخلاق التي هي الركيزة الأساسية لنهوض المجتمعات.