قضايا وآراء

التصويت في أميركا.. حق أم امتياز؟

| دینا دخل اللـه

انشغل العالم مؤخراً بمتابعة الانتخابات الرئاسية الأميركية لما للولايات المتحدة من دور مؤثر في السياسة الدولية، إلا أن الانتخابات هذه السنة كانت مميزة لم تشهد أميركا مثلها من قبل، فالرئيس المنتهية ولايته دونالد ترامب أثار جدلاً واسعاً حول فعالية النظام الانتخابي الأميركي وشفافيته.
تعتبر الولايات المتحدة نفسها أقدم ديمقراطية في العالم وتقول إنها تلعب دور الشرطي الحارس الأمين على حقوق الإنسان والديمقراطية في العالم، لكن كيف لها أن تحكم على أنظمة وشعوب، وفي الولايات المتحدة مازال هناك مواطنون أميركيون يكافحون من أجل الحصول على حقهم في التصويت؟
لفهم النظام الانتخابي الأميركي لابد من التعمق قليلا بحق التصويت، ما هو في الدستور وكيف يعمل؟
يرى الباحثون أن أكبر معضلة في تاريخ الديمقراطية الأميركية هي إثبات حقيقة أن التصويت في الانتخابات هو حق لجميع المواطنين وليست امتيازاً يتمتع به البعض.
مع استقلال الولايات المتحدة وكتابة الدستور عام 1776 كان التصويت في الانتخابات للقلة البيض الأغنياء والرئيس جورج واشنطن 1787 هو أول رئيس أميركي منتخب، ولم يذكر الدستور الأميركي فقرة خاصة بالتصويت بل أضيفت فقرات في تعديلات دستورية لاحقا كحصول الأميركيين الأفارقة على حق التصويت في التعديل رقم 15 لعام 1870 «the 15th amendment»، وحصول النساء على حق التصويت 1920 في التعديل رقم 19 «the 19th amendment»، ثم حصل سكان أميركا الأصليون على حق التصويت «Native American Citizenship Act».
تملك كل ولاية من الولايات المتحدة قوانين خاصة بها تتعلق بالتصويت في الانتخابات. مثلاً في انتخابات 2020 اضطرت الولايات إلى اللجوء للتصويت عبر البريد بسبب تفشي فيروس كورونا في البلاد، ففي بعض الولايات يتم التصويت عبر البريد بشكل تلقائي أي إن بطاقات التصويت ترسل بشكل تلقائي إلى كل الناخبين المسجلين في الولاية كولاية كاليفورنيا، أما في أغلب الولايات فعلى الناخب الذهاب إلى مراكز خاصة لتسجيل اسمه في القوائم أولاً ثم يحصل على بطاقة التصويت. في حين يوجد ولايات يحتاج فيها الشخص إلى مبرر للتصويت عبر البريد ولا تعتبر جائحة كورونا مبرراً كولايات الجنوب، ذات الأغلبية المحافظة.
تفرض القوانين التي تتحكم بالانتخابات من قبل سياسيي الولاية. إذ يحق لكل ولاية سن القوانين الخاصة بالتصويت والتي تحدد من يحق له التصويت. منذ أن بدأت الحكومة الأميركية إعطاء حق التصويت للأميركيين من أصل إفريقي عام 1870، أصدرت ولاية فلوريدا قراراً يمنع المحكومين بالتصويت في الانتخابات. لأن التعديل الدستوري الذي حصل بموجبه الأميركيون الأفارقة على حق التصويت ينص على أنه لا يحق منع أحد من التصويت على أساس عرقي لكنه لم يذكر شيئاً عن المحكومين، ما جعل الولاية تقوم بفرض قوانين تستطيع من خلالها سجن ومحاكمة الأميركيين من أصول إفريقية دون غيرهم وذلك لمنعهم من التصويت. لم يقتصر الأمر على فلوريدا بل انتشر هذا في معظم الولايات. قامت الولايات بفرض قوانين أخرى للسيطرة على الانتخابات كقوانين تتعلق بالتعليم والأمية والوضع المادي. ففي عام 1940 كان فقط 3 بالمئة من الأميركيين الأفارقة البالغين مسجلين في قوائم الناخبين في ولايات الجنوب.
أدى هذا الكبت المتواصل للناخبين من قبل حكام الولايات إلى تفجر حالة من الغضب بين الناخبين تحولت إلى احتجاجات كبيرة ما دفع الرئيس الأميركي الأسبق لندون جونسون إلى تمرير «قانون حقوق التصويت» عام 1965 «Voting Rights Act». وفرضت الحكومة الفدرالية حصول الولاية على موافقة مسبقة على أي قانون يمنع أياً كان من التصويت. هذا التحرك أدى في النهاية إلى انتخاب أول رئيس من أصول إفريقية في الولايات المتحدة وهو الرئيس باراك أوباما بين عامي 2009-2017.
في العام 2013 حكمت المحكمة الدستورية العليا ضد قانون «حقوق التصويت 1965» ما أعطى الولايات حق فرض قوانين صارمة من دون العودة للحكومة الفدرالية. أصبح التصويت في الانتخابات صعباً مرة أخرى على الأميركيين من أصول إفريقية ولاتينية. منعت ولاية فلوريدا مرة أخرى المحكومين من التصويت، إذ قال حاكم ولاية فلوريدا الجمهوري رون دوسانتز الذي فاز بالولاية بفارق 32 ألف صوت فقط «إن التصويت امتياز وليس حقاً».

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن