تشهد المنطقة الممتدّة بين مدينة عين عيسى وأريافها وريف تل أبيض بمحاذاة الطريق الدولي حلب – الرقة اعتداءاتٍ تركية مستمرّة منذ أكثر من أسبوعين، حيث أدت الهجمات التركية إلى حركة نزوح واسعة لأهالي مدينة عين عيسى وأريافها باتجاه مدينة الرقة ومحيطها، مع انتشار معلومات عن قرب استئناف تركيا وفصائلها ما يسمى عملية «نبع السلام». وتَرجمت أنقرة هذا التوجّه على الأرض من خلال بناء قاعدة عسكرية جديدة على بعد أقلّ من كيلومترين شمال مدينة عين عيسى في قرية مردود، مع الدفع بالمزيد من الجنود والآليات إلى المنطقة وهو ما يستهدف في نهاية المطاف السيطرة على المنطقة الممتدّة من عين عيسى مروراً بعين العرب وصولاً إلى منبج بهدف ربط مناطق ما يسمى مناطق «درع الفرات» بـمناطق ما يسمى «نبع السلام» جغرافياً على امتداد يزيد على 300 كيلومتراً وبعمق يتجاوز 30 كيلومتراً على امتداد طريق M4.
وتكمن أهمية عين عيسى في كونها تمثل عقدة مواصلات مهمة تربط بين محافظتي حلب والحسكة من خلال الطريق الدولي M4 الذي يمر من منتصفها، كما أنها تتميز بطرق محلية تربطها بمدينة تل أبيض الحدودية مع تركيا ومدينة الرقة، وهي بمثابة خط الدفاع الأول عن عين العرب ومنبج ومدينة الرقة كونها تقع على امتداد شبكة طرق مهمة وتمتلك عقدة المواصلات التي تربط مناطق عين العرب وتل أبيض وصولاً إلى منبج في ريف حلب.
في ضوء ما سبق طالبت روسيا السلطات الكردية بتسليم السيطرة على عين عيسى إلى الدولة السورية، في محاولة تذكرنا بما جرى عشية احتلال عفرين من قبل القوات التركية، كما أنها تذكرنا بما جرى إبان إعادة انتشار قوات الاحتلال الأميركي في المنطقة، حيث جرى الاتفاق بين موسكو وميليشيا قوات سورية الديمقراطية حينها على انتشار الجيش العربي السوري في كامل المناطق الحدودية مع تركيا وضمن المدن والبلدات التي لا تزال تحت سيطرة ميليشيا قسد وعلى امتداد طريق M4، لكن «قسد» انقلبت على هذا الاتفاق وعرقلت تمدد سيطرة الدولة السورية على تلك المناطق، فهل يجوز الرهان على «قسد»؟ وهل يجوز الرهان على اتّعاظ تلك الميليشيا من التاريخ القريب قبل البعيد؟ وهل من الممكن ربط تقدير الموقف الميداني والسياسي في شرق الفرات بموقف «قسد»، ورهن مصير المنطقة بقدرة هذه الميليشيا على التصرف بحكمة وبما يتناسب مع مصلحة سورية والقاطنين في تلك المناطق؟
– أولاً، مما لا شك فيه أن الرهان على «قسد» لا يعدو كونه رهاناً مكرراً لا طائل منه، فهذه الميليشيا تساهم اليوم بإفقار الشعب السوري، وتعتبر الأداة الأبرز ميدانياً وسياسياً في الداخل السوري من حيث مساهمتها في الحصار والعقوبات المفروضة على سورية، وهنا لا يمكن الفصل بين المشغّل والأداة ومحاولة تبرئة «قسد» على قاعدة أنها وكيل للسياسات الأميركية، فأهمية هذه الميليشيا في الإستراتيجية الغربية حالياً لا توازيها أي أهمية، وإن كان الرهان على تغيّر في المقاربة الأميركية من سورية مع وصول جو بايدن إلى البيت الأبيض هو من يدفع بعض القوى الإقليمية اليوم وعلى رأسها تركيا لمحاولة توسيع احتلالها لمناطق في سورية، فهو ذاته من سيدفع «قسد» أكثر فأكثر للارتماء في حضن الإدارة الأميركية الجديدة وعدم العمل على استفزاز واشنطن حتى لو كان هناك يقين لدى «قسد» بأن إدارة ترامب لن تتحرك في نهاية ولايتها لمعارضة أي عملية عسكرية تركية.
– ثانياً، هل عين عيسى أهم وأكثر رمزية بالنسبة لـ«قسد» من مدينة عفرين، حتى تتحرك باتجاه تنفيذ المطلب الروسي بتسليم السيطرة على عين عيسى إلى الدولة السورية؟!
– ثالثاً، من يراهن على التاريخ يراهن على مجموعة لها تاريخ في المنطقة التي يجري الصراع حولها، لكن الفصيل المتعامل مع عدو بلاده والمساهم في حصار شعب بلاده لا تاريخ له ولا يمكن الرهان عليه.
إن التحرك الميداني باتجاه عين عيسى والتحرك لمنع تركيا من مغامرة عسكرية جديدة في المنطقة لا يجوز أن يُربطا بموقف «قسد» على الإطلاق، هذا لا يعني قطع سبل التواصل مع بعض العقلاء في صفوف هذه الميليشيا، إن وجدوا، لكن التحرك يجب أن يبنى على منع أنقرة من احتلال المزيد من الأراضي في شرق الفرات، ومنع التواصل الجغرافي بين أرياف الرقة وأرياف حلب واللاذقية في مناطق وجود الاحتلال التركي ممثلاً بمرتزقته تحت عناوين مختلفة من «درع الفرات» إلى «نبع السلام».
كما أن مقاربة هذه العملية يجب أن تكون مختلفة بالنسبة للجانب الروسي الراعي للاتفاقات غير المباشرة في شرق الفرات بين الدولة السورية وميليشيا قسد، وأيضاً باتجاه تركيا التي يجب أن تمنع من تحقيق أي تقدّم ميداني جديد في هذه الفترة الفاصلة بين نهاية ولاية ترامب وتولي جو بايدن المعروف بانتقاده لسياسة أنقرة في العديد من الملفات الدولية والإقليمية.