قضايا وآراء

من هو المسؤول: نحن أم هم؟

| د. بسام أبو عبد الله

شكل خطاب الرئيس بشار الأسد أمام مؤتمر وزارة الأوقاف بتاريخ 7 كانون الاول الجاري، محطة مهمة للغاية لإيضاح وتحليل ومواجهة الهجوم الشرس المستمر على الدين ووحدة المجتمع وقيمه ومنذ ما قبل الحرب الفاشية على سورية وصولاً إلى الواقع الراهن، والحقيقة أن هناك محطتين أساسيتين سبقتا هذا اللقاء الأولى في نيسان العام 2014 خلال لقاء مماثل مع السادة العلماء ورجال الدين، وأئمة وخطباء المساجد والداعيات، والثانية في أيار 2019 خلال افتتاح مركز الشام الإسلامي الدولي لمواجهة الإرهاب والتطرف، والسؤال الذي يطرح من قبل البعض: لماذا هذا الاهتمام والتركيز على هذا الملف أكثر من غيره؟ ثم ذهب البعض الآخر ممن يحب الاصطياد بالماء العكر للقول: إن هناك تحالفاً غير معلن بين البعث ورجال الدين، وهذا الكلام للأسف وجدناه يُضخ عبر وسائل تواصل اجتماعي في الخارج، ويروج لها في الداخل، من دون أدنى فهم لجوهر ما يتحدث عنه الرئيس الأسد، وخطورة المعركة الفكرية التي نخوضها منذ سنوات طويلة، ولكن الفرق أن هناك قائداً سياسياً يمتلك الجرأة والشجاعة والشفافية لتسمية الأمور بمسمياتها، ويرفض رفضاً قاطعاً لجوء البعض للهمس واللمز والشكوى المستمرة من هذه الظاهرة أو تلك.
سأكون صريحاً أكثر لأقول: إن الرئيس بشار الأسد هو أول قائد بعثي يتحدث عن العلمانية، ويبسط مفهومها أمام رجال الدين، ويقاربها بنضوج، ويزيل الالتباس الذي رافق هذا المفهوم لعقود طويلة، حتى التصق مصطلحا العلمانية والإلحاد مع بعضهما، فاستثمر ذلك الإخوان المسلمون ليتسللوا إلى الشارع المتدين وينصّبوا أنفسهم ممثلين للدين والتقوى، مقابل توصيف الأحزاب مثل البعث والقومي السوري والشيوعي والناصري، بأنهم أحزاب ملحدة، والبعض صمت أو تقاعس، أو استمرأ هذه التهمة من دون أن يتصدى لها بوضوح فكري وسياسي ومقاربة مبسطة ومواجهة مباشرة، وتسمية الأشياء بمسمياتها، ذلك أن الجزء الأكبر من مشاكل مجتمعاتنا تتمثل في حالة النفاق السياسي والسكوت والتكاذب حتى تنفجر مشاكلنا في وجوهنا، ونبدأ حينئذ بردود الأفعال وتحميل المسؤوليات، ومن دون أدنى تحليل وتفكيك للمشكلة وطرح الحلول لها، وقد كان الرئيس الأسد محقاً وواضحاً عندما أشار إلى أننا دائماً ما نتعاطى بردود الفعل ومن يتعاطى برد الفعل يخسر المعركة، ومن هنا تأتي الأهمية الإستراتيجية لما طرحه، ويطرحه الرئيس الأسد في مثل هذه اللقاءات ذات الطابع الإستراتيجي، وليس المؤقت أو المرحلي.
عناوين مهمة تناولها الرئيس الأسد منها: الليبرالية الجديدة ودورها في تحطيم قيم المجتمع ونشر الإباحية، والمخدرات والمثلية، وفك ارتباط الإنسان بأسرته ومجتمعه باسم الحداثة، وتفريغ الدين من مضمونه عبر تحويله إلى مجرد «شعائر من دون مقاصد»، وموضوع الترويج لنهاية الأيديولوجيات بهدف تحويل الإنسان إلى ساعٍ «للمال والغريزة» من دون أي رسالة أو هدف في حياته، والتأكيد على أن انتصار الدين هو بالسلوك، وأن نقاط ضعفنا هي التي تستغل من قبل أعدائنا حينما لا نعالجها، وأن علاقتنا بالدين وبالقيم يجب أن تكون مبدئية وثابتة وليست متذبذبة وغيرها من العناوين المهمة والحساسة التي تحتاج إلى حوارات وتأطير وتنفيذ على الأرض.
الآن السؤال الذي يطرح: من هو المسؤول.. نحن أم هم؟
كي أوضح ذلك أقصد هل نحن مسؤولون عما وصلنا إليه أم أعداؤنا، والجواب مباشرة: نحن المسؤولون لأننا لم نحصن أنفسنا، ولم نعالج نقاط ضعفنا، وظللنا لسنوات نمارس سياسة النعامة حتى فوجئنا بما نحن فيه!
ولأن حجم المساحة المتاحة لهذا المقال لا يتسع لمناقشة كل الأفكار المطروحة، سأحاول الإجابة على سؤال واحد طرح في بداية الحرب على سورية، وما يزال يطرح حتى الآن، ويرتبط بمحاولة تقاذف المسؤولية عما حدث، فالبعض ذهب باتجاه اتهام المؤسسة الدينية السورية بكل ما حصل وطرح العلمانية كحل، وكأن الأمر هو وجبة سريعة، أو وصفة طبية يمكن أن تشكل الدواء السحري، وذهب آخرون لاتهام حزب البعث بكل الموبقات من دون أدنى تحليل منطقي للمشكلة وحلها، وهكذا تاه الجميع بين طروحات متناقضة ومتضاربة، وتقوم على ردود الأفعال فقط، ولذلك كانت كل تلك الطروحات ليست متماسكة وقابلة للنقد، لأنها لا تقدم رؤية شاملة للمخارج والحلول.
فيما يخص مسؤولية المؤسسة الدينية أقول بكل وضوح، من دون أدنى مجاملة إن موقفها خلال الحرب على سورية كان موقفاً وطنياً وتاريخياً، ولو انغمست هذه المؤسسة، وسارت خلف المغريات الهائلة التي قدمت لها، لكنا الآن بلداً مقسماً مشرذماً، ويكفي أن أذكر هنا موقف العلامة الشيخ د. محمد سعيد رمضان البوطي الذي دفع دمه ثمناً لحماية بلده وشعبه، وهناك عشرات النماذج التي اغتيلت بسبب مواقفها الوطنية آخرها الشيخ د. عدنان الأفيوني، وكل هذا لا يعني أن هذه المؤسسة لا نقاط ضعف فيها أبداً، هي مؤسسة مثل كل المؤسسات الوطنية فيها سلبيات ونقاط ضعف لابد من العمل على معالجتها، وهدف لقاءات الرئيس الأسد المستمرة هو العمل الجماعي لمعالجة هذه الثغرات، أضف لذلك أن الأمور لا ترتبط بهذه المؤسسة فقط، فالقيم والمبادئ تعلم في الأسرة وللتربية دور مهم وإستراتيجي.
من هنا أقول إنه إذا كانت المسؤولية تقع على عاتقنا فمن البدهي أن يكون التصدي شاملاً وعاماً ومتكاملاً، أي هناك أدوار للجميع في المؤسسة الدينية، وقطاعات التربية والجامعات، والإعلام، والثقافة، والفنون، والرياضة، وهي جميعاً تتكامل لتجيب على السؤال الأساسي هل نحن المسؤولون؟ إذا كان الجواب نعم، فإن أول طرق التصدي هو الاعتراف بالمشكلة، ثم تشخيصها ثم تطبيق الحلول بواقعية وبتدرج.
النقطة الأخيرة أن حزب البعث الذي اتهم كذلك بالمسؤولية عما حدث، وهو يتحملها فعلاً، لأنه في مرحلة ما توقف عن تأهيل كوادره وفق قيم ومبادئ، وتحول إلى سُلّم يستخدمه الانتهازيون والفاسدون للوصول إلى غاياتهم الدنيئة، كما ابتعد عن قضايا الناس وهمومهم ليهتم البعض بالسلطة فقط ومزاياها وغنائمها، من دون العمل على الفكر والقيم والرسالة التي يجب أن يحملها الوطني السوري سواء أكان بعثياً أم يحمل أي هوية سياسية أخرى، وللعلم فإن الشرفاء في هذا الحزب قدموا آلاف الشهداء للدفاع عن وحدة هذا البلد وعن شعبه وضمان مستقبل أفضل.
كي لا يفهم أحد بشكل خاطئ ما قلته أعلاه، فإنني أختصر لأقول: يجب أن نتوقف عن اختراع المعارك الوهمية التي تشتت الجهود مثل معركة «العلمانية والدين»، والعناوين الأخرى الاستفزازية، ونوحد جهودنا جميعاً باتجاه التصدي لمخاطر فكرية وثقافية وتربوية وأخلاقية ستدمر أجيالنا القادمة، وساعتئذٍ لن يفيدنا الوقوف على الأطلال، ولا تقاذف المسؤوليات.
كلنا مسؤولون، وكل مسؤول في قطاعه ومجاله، المهم أن نكون صادقين ومخلصين ونتخلى عن النفاق الذي طبع حياتنا لعقود من الزمن.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن