لماذا التركيز على جبهة القلمون؟
صياح عزام
من اللافت للنظر تركيز المجموعات الإرهابية المسلحة على منطقة القلمون باستمرار، على الرغم من أنها تُشعل جبهات أخرى في شمال وجنوب سورية وفي شرقها وغربها، من خلال محاولاتها المستمرة في الاعتداء على نقاط تمركز الجيش العربي السوري وعلى المدن والقرى والسكان الآمنين، إذاً، لماذا هذا التركيز على جبهة القلمون رغم الخسائر الكبيرة التي تكبدتها هذه المجموعات هناك؟ لاشك أن ثمة عناصر غير مرئية في هذه المسألة.
بداية، لابد من التذكير بأن منطقة القلمون من الناحية الجغرافية هي منطقة إستراتيجية مهمة من حيث الموقع والامتداد، إضافة إلى طبيعتها المتميزة من هضاب وتضاريس، فهي تمتد من القصير في محافظة حمص إلى أطراف جبل الشيخ، ومن ضمنها منطقة المصنع الحدودية بين سورية ولبنان، وتتقاطع مع جبل الشيخ لتشكل حزاماً من جهتي الجولان السوري المحتل ومزارع شبعا مروراً بالبقاع الغربي يشمل حدود سورية مع لبنان وسورية مع فلسطين المحتلة، أو بشكل أوضح حيث ينتشر جيش الاحتلال الصهيوني، وشمالاً من القصير إلى البحر مع مجرى النهر الكبير الشمالي، تتشكل منطقة كانت ساحة حرب بين الجيش العربي السوري والمجموعات الإرهابية المسلحة، حيث حُسمت المعارك العنيفة التي جرت هناك بطرد هذه المجموعات من القصير على يد وحدات الجيش العربي السوري والمقاومة الوطنية اللبنانية، وبإغلاق معابر الإرهابيين من عكار اللبنانية إلى عكار السورية ونحو بحيرة قطينة وتلكلخ فالبحر عند مجرى النهر الكبير.
الشيء الواضح إذاً، أن إسرائيل هي التي ترسم أبعاد الحرب الإرهابية على سورية بمعنى آخر أن إسرائيل تركز على منطقة القلمون أكثر من غيرها من المناطق، لأنها تريد أن تحقق مكاسب إستراتيجية عسكرية تؤدي إلى تغيير معادلات القوة وتوازناتها، وبالطبع، عندما تُحقق إسرائيل مثل هذه المكاسب، تتحقق مكاسب للولايات المتحدة وحلفائها في الغرب ولعملائها في السعودية وقطر وتركيا، ومن أبرز هذه المكاسب لإسرائيل أن تتمكن «جبهة النصرة الإرهابية» من السيطرة على القلمون والتمدد باتجاه جدران جبل الشيخ، والتوسع شمالاً حتى حوض النهر الكبير الشمالي، وصولاً إلى البحر، ومن إقامة (إمارة) تحمي خطوط تمركز وانتشار جيش الاحتلال الإسرائيلي، وتكون هذه الإمارة بمنزلة جدار عازل يحول دون الاشتباك المباشر، وتقطع الاتصال بين لبنان وسورية، وتقصم ظهر المقاومة الوطنية اللبنانية، بمعنى أكثر دقة ووضوحاً، فإن إقامة إمارة لجبهة النصرة الإرهابية في منطقة القلمون بامتداداتها التي أشرنا إليها، ستغير ميزان الردع الذي أقامته المقاومة بدعم من سورية ومحور المقاومة بشكل عام.
إن إقامة إمارة لداعش الإرهابية في الموصل، هدفها قطع الاتصال بين سورية والعراق، وكذلك إقامة إمارة مماثلة لجبهة النصرة على حدود سورية مع لبنان لها أبعادها ومراميها، كل هذا يؤدي إلى محاصرة سورية بحيث لا يبقى لها أي منفذ على العالم إلا منفذ واحد باتجاه تركيا التي تناصب سورية العداء منذ بداية الأزمة فيها.
وهكذا فإن مثل هذه المشاريع لتطويق وحصار سورية هي مشاريع جهنمية خطرة رسمتها ووضعتها غرف عمليات أميركية- غربية متخصصة بإدارة الحروب ضد الدول والشعوب وبعد دراسات جغرافية وإستراتيجية معمقة للجغرافيا السورية وما حولها.
وتجدر الإشارة هنا إلى ناحية مهمة، وهي أن توتير الأوضاع في شمال سورية وجنوبها وحتى في الغوطة الشرقية عبر تصعيد حدة المعارك، يهدف إلى إشغال الجيش العربي السوري، وإجباره على توجيه قدراته العسكرية نحو الشمال والجنوب، لحسم معركة القلمون لمصلحة المجموعات الإرهابية المسلحة ومن يقف خلفها إلا أن الجيش السوري أدرك هذا الأمر مبكراً.
باختصار، منطقة القلمون هي التي تتحكم برسم خريطة المنطقة، وبالتالي، فإن الإمساك بها، يعني امتلاك مفاتيح الخريطة، ويعني أيضاً إفشال مخطط إسرائيلي- أميركي كبير بالدرجة الأولى، ذلك أن الأتراك والحكم الأردني، والمجموعات الإرهابية ليسوا أكثر من خدم عند الإسرائيليين والأميركيين.