من دفتر الوطن

الغضب ونور العقل

| حسن م. يوسف

لم أفاجأ بالأصداء الواسعة التي حظي بها حديث السيد الرئيس بشار الأسد في الاجتماع الدوري الموسع الذي عقدته وزارة الأوقاف للسادة العلماء والعالمات في جامع العثمان في دمشق، لأنه كان بمنزلة مكاشفة بجل القضايا التي تطرح نفسها علينا بإلحاح في أيامنا هذه، وعلى رأسها مسألة الهوية.
في حديثه توقف سيادة الرئيس مطولاً عند الفرق بين الغضب والتصدي، وأشار بوضوح إلى أننا «نغضب لكننا لا نتصدى»، وأشار سيادته إلى أن أعداءنا «يحاربوننا بالفعل ونحن نرد برد الفعل ودائماً من يعمل برد الفعل يخسر».
والحقيقة أنني عشت ككاتب مثالاً واضحاً على صحة هذا الاستنتاج عندما نشرت الرسوم المسيئة للرسول الأعظم عام 2005. في البداية كنت أطمح من خلال مسلسل «سقف العالم» أن أرد بشكل حضاري على الدانمركيين الذين تطاولوا على شخص نبينا الكريم، من خلال تذكيرهم بهمجيتهم كما وثقها سفير الخليفة المقتدر أحمد ابن فضلان في رسالته التي كتبها قبل ألف وتسعة وتسعين عاماً. كنت أطمح أن أجعلهم يرون همجيتهم في ضوء أنوار بغداد عندما كانت عاصمة للحضارة العالمية، كي يتذكروا مَنْ هم وكيف كانوا، ومَنْ نحن وكيف كنا؟
لكنني لم أستطع أن أقنع نفسي بالحكاية الشائعة عن الرسوم المسيئة فرحت أبحث عما وراء المشهد، هكذا بدأت رحلتي في رمال الإعلام المتحركة، وقد بدأ المشهد يتضح لي عندما عثرت على دراسة طويلة حول قضية الرسوم المسيئة ألفها البروفسور جيمس بتراس استاذ علم الاجتماع في جامعة بنجهامبتون في ـنيويورك، بالتعاون مع الدكتور روبن ايستمان. وقد أثبتا فيها بما لا يترك مجالاً للشك بأن الرسوم المسيئة هي عملية استخباراتية من تنفيذ الموساد. فرسامو الكاريكاتير رسموا ما أسمته جريدة يلاندس بوستن الدانمركية «وجوه محمد» بناء على تكليف مسبق من رئيس القسم الثقافي في الجريدة، وهو يهودي أوكراني يدعى فيلمنغ روز. يروي الباحثان أن فيلمينغ روز هذا «جاء إلى موسكو في عام 1990 واشتغل كمراسل للصحف الأوكرانية لمدة خمس سنوات، ثم انتقل لدائرة واشنطن وبقي هناك أربع سنوات، سافر خلالها مع الرئيس كلينتون إلى الصين، وفي عام 1999 عاد لموسكو مجدداً وعمل فور وصوله كمراسل لجريدة «جيلاندس بوستن» الدانمركية. وفي عام 2005 استدعته الجريدة للعمل في مقرها الرئيسي في كوبنهاغن، وتم تعيينه بمنصب المحرر الثقافي على رأس صحفيين دنماركيين معروفين، رغم محدودية معارفه في المجال الثقافي!
استلمت الخيط من الباحثين الأميركيين بتراس وايستمان، وأثبتُّ بالوثائق، من خلال الخط المعاصر في مسلسل «سقف العالم»، أن الرسوم المسيئة ماهي إلا عملية استخباراتية نفذها عميل الموساد فيلمينغ روز ولعبت فيها صحيفة ييلاندس بوستن دور حصان طروادة وهدفها هو: «تأجيج نار الكراهية المتنامية لدى المحافظين الدنماركيين ضد المهاجرين العرب والمسلمين. والتمهيد لفتح صراع الحضارات بين الغرب والشرق». وأنا أرى أن الهدف الأساسي هو كسر حالة التعاطف الشعبي المتنامي في أوساط الإسكندنافيين المتحررين مع قضايا العرب والمسلمين. وتصوير العرب والمسلمين كأعداء لحرية التعبير بوصفها جوهر الحضارة الغربية، وإرهاب السياسيين الإسكندنافيين كي لا يسيروا في درب من دفعوا حياتهم ثمناً لمواقفهم الشجاعة مع الحق العربي مثل رئيس الوزراء السويدي أولاف بالمه ووزيرة الخارجية أنا ليند.
هكذا رددنا بشكل حضاري على الإساءة. صحيح أن المسلسل الذي أخرجه المبدع نجدة أنزور لم يحقق النجاح الجماهيري المأمول لأنه يقدم ثقافة أخرى غريبة، لكن مفتي الجمهورية الدكتور بدر الدين حسون كرّم أسرة المسلسل وقال: «هذا ليس سلعة فنية بل هو رسالة». وقد أقامت كلية الدراسات الشرقية في جامعة كوبنهاغن ندوة دولية حول المسلسل، وعندما عدت منها كتبت مقالاً في هذا الركن عنوانه: «وصلت الرسالة يا سماحة المفتي».
نعم كان الحق معنا، لكن المستسلمين لـ«الغضب» الذين كسروا السفارات أسهموا في تحقيق أهداف عدونا وجعلوا الحق علينا! وهذا خير دليل على أن «الغضب هو الريح الوحيدة التي يمكنها أن تطفئ نور العقل».

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن