ثقافة وفن

أدوار نسائية أبدع في تأديتها ممثلون رجال … استمرارية التجارب لا تتعلق بالممثل وإنما بطبيعة النص الذي يفترض وجوده

| سوسن صيداوي

أن يكون الفنان من رواد الكوميديا، وأن يختار من الأدوار ما هو معقد بشخصياته وسلس في آن واحد، بل أن يحقق المعادلة عبر أدوار تصيب الدهشة، وتقطف فرحة القلب بإثارة الضحك، هي عبقرية يحاولها البعض من الممثلين، ولكن شرط النجاح لا يحققه إلا قلّة من بينهم حتى ولو كانوا من النجوم.

الحديث في موضوعنا اليوم عن تجسيد الأدوار النسائية من الممثلين الرجال، وعن أسباب نجاح الكثير من نجوم الفن العربي بهذه الأدوار وفشل البعض الآخر رغم مهاراته وتقنياته التمثيلية العالية، مع التحدّي بإثبات الجدارة بتجاوز كل العقبات الفكرية والاجتماعية أو حتى الانتقادات التي ستوجّه للممثل بقبوله بأدوار كهذه فيها من الحرج حتى بالطرح في بعض المواضيع والأماكن كما سنتحدث لاحقاً، هذا عدا قدرته في تحقيق المطلوب بأن يشاهد المتلقي الشخصية ويصدق حقاً أنها امرأة، إضافة للكثير من النقاط التي سنتطرق لها في حديثنا مع الصحفي والناقد ماهر منصور، مع الاستعراض الذي سنورده لأهم الشخصيات العربية التي قدمت شخصيات كهذه، وما زالت حتى يومنا هذا مكانتها محفوظة في ذاكرة الجمهور المتابع سواء في الدراما أم المسرح وحتى في السينما.

من أهم ما في الذاكرة

لنبدأ من جانبنا السوري فلقد استحوذت شخصية «أم كامل» التي جسّدها الراحل أنور البابا الوجدان طوال أربعين عاماً تقريباً، مستمراً بعطاءاته وبذات الشخصية في ابتكار متّقد، فلقد انطلقت «أم كامل» منذ تاريخ 1947 عندما شارك بالشخصية هذه في مسرحية إذاعية توعوية بسبب وباء الكوليرا الذي ضرب سورية في ذلك الوقت، ومنذ ذلك الوقت لم يتخلَ عن سبب نجاحه محلياً وعربياً ناثراً اللهجة الشامية في الخارج.
استمر أنور البابا في شخصية «أم كامل» إذاعياً وفي الصحافة حتى عندما كتب في مجلة «الدنيا» ضمن زاوية أسبوعية شعبية بعنوان «أم كامل تتحدث إليكم»، وطبعاً المقالات كانت باللهجة المحلية، متنوعاً ما بين السينما والتلفزيون بمشاركة العديد من الفنانين، منهم على سبيل الذكر ​إسماعيل ياسين​ و​دريد لحام​، متابعاً على خشبة المسرح مع فرقة محمود جبر، ثم مع الأخوين فتوح في العشرات من المسرحيات.
وبقي أن نذكر بعضاً من أعماله في السينما: إسماعيل ياسين للبيع، بنت البادية، الأزواج والصيف، أنت عمري، مغامرات فلفلة، امرأة تسكن وحدها، شقة للحب، فاتنة الصحراء، حبيبي مجنون جداً، غرام المهرج.
ومن مسلسلاته الدرامية: الأميرة الخضراء، أبو صياح الثاني عشر، مسحّر رمضان، مختار السبع حارات، وصية المرحوم.
وسنبقى في جانبا السوري ولنذكر شخصيتين برع في تأديتهما، وكان لهما الأثر القوي، ولكن للأسف لم تتكرر المحاولات، الشخصية الأولى كانت بحضور سريع للفنان أيمن زيدان بالجزء الثاني من يوميات مدير عام، عندما جسّد شخصية امرأة كي يوهم الموظفين بالمديرية ويكون قريباً من أصحاب القرار فيها بالجلوس كعضو في لجنة المقابلات.
والشخصية الثانية والتي كان لها أيضاً أثرها البالغ قام بأدائها الفنان أيمن رضا في إحدى لوحات بقعة ضوء بشخصية «أم سعيد الرز».

في الجانب العربي لابد لنا الإشارة بأن المحاولات أغنى وعلى الخصوص في الجانب المصري، فالتجارب كثيرة وهناك من الممثلين من صدر قرار بمنعهم من لعب شخصية المرأة في السينما كالممثل المصري إسماعيل ياسين، فأشهر أدواره كان شخصية «فيفي» في فيلم «الآنسة حنفي»، وصدر بعد فيلمه هذا قرار بمنعه من أداء أي دور نسائي في السينما المصرية، لأن فكرة الفيلم كانت جريئة في ذلك الوقت لكونها تحاكي قضية التحول الجنسي، وتحكي قصة «حنفي» الذي تحول عن طريق الخطأ إلى «فيفي» عبر عملية جراحية.
وتجدر الإشارة أن قرار المنع أثر على نشاط إسماعيل ياسين التمثيلي إذ لم يتمكن من تأدية شخصية امرأة في فيلم «سكر هانم»، ومن ثم وقع الاختيار على الممثل عبد المنعم إبراهيم، الذي جسّد سابقاً شخصية الأنثى إلى جانب الفنان إسماعيل ياسين في فيلم «لوكاندة المفاجآت».
كما ولابد من الذكر بأن كلاً من عادل أمام وسمير غانم شاركا في فيلم «أذكياء ولكن أغبياء» إلى جانب رشدي أباظة بشخصية «شهيرة» و«بهيرة».

ولكن من أجمل الأدوار الكوميدية التي جسدها عادل أمام هي شخصية «إم الولد أم الخط» في فيلم «احترس من الخط».
ومن الأسماء التي شاركت أيضاً هذه النوعية من الأدوار نذكر: محمود حميدة وسامي العدل في فيلم «حرب الفراولة»، هاني رمزي في فيلم «السيد أبو عربي»، علاء ولي الدين بفيلم «الناظر» حيث جسّد أكثر من شخصية في الفيلم، وهي: الابن صلاح الدين، ووالده عاشور، ووالدته جواهر، محمد هنيدي في فيلم «يا أنا يا خالتي».
وأخيراً نذكر في الجانب اللبناني اشتهرت أسماء عدة لشخصيات أنثوية برع في تأديتها الرجال من الممثلين وعلى خشبة المسرح منهم: ماريو باسيل الذي يؤدي على المسرح شخصية بائعة الهوى «ماريوكا»، بيار شمسيان في تجسيد شخصية المرأة الأرمنية «أم جورجيت»، فادي رعيدي في أداء شخصية «فاديا شراقة»، ناجي مندلق في أداء شخصية المرأة الجنوبية اللبنانية «أم حسين» والتي أداها في عدة أعمال مسرحية.

وفي الحوار… رأي النقاد

لماذا ينجذب الجمهور للشخصيات النسائية التي يقدمها النجوم من الرجال؟

المسألة باختصار هي أن جمهور الدراما ينجذب تجاه كل ما هو عنصر غريب في موقف معتاد، وانجذاب الجمهور إن حصل لشخصية نسائية يجسدها رجل، أو شخصية رجل تجسدها امرأة.. فذلك يرتبط بالموقف الدرامي ذاته ومدى تحقيقه عنصر المفارقة والدهشة ومبرراته الحكائية.. وخارج المنطق الحكائي لا معنى اليوم لأن يجسد رجل دور امرأة أو تجسد امرأة دور رجل.

إلى أي مدى يسهم النص الناضج في إنجاح هذه الحالة؟

النص هو الذي يملي بالأساس وجود هذه الحالة، فضلاً عن شكل الجنس الدرامي الذي تقدم من خلاله، وما لم يملك النص ضرورة لذلك، يصير عبئاً على الدراما ومصداقيتها.

في بدايات الدراما كان الافتقار إلى العنصر النسائي في فرق التمثيل يملي أن يجسد رجل دور امرأة، ومع الأيام سقط هذا السبب ولاسيما بعد افتتاح معاهد التمثيل التي باتت تضخ كل عام خريجات أكاديميات وموهوبات قادرات على النهوض بكل الأدوار التمثيلية النسائية.. ليقتصر تجسيد الأدوار الرجالية من نساء أو العكس على الضرورات الدرامية، التي تمليها الحكاية، أو بغاية إحداث المفارقة التي تستهدف إضحاك الناس.. لذلك كانت الكوميديا هي المجال الأرحب لمثل هذه الحالات.

لنجاح الممثل في تجسيد هذه الأدوار لا يكفي أن تكون قدراته وتقنياته عالية، بل يحتاج إلى تحقيق الصدمة للمشاهد والدليل أن كبار النجوم العرب قدموا أدواراً كهذه ولكنهم لم ينجحوا… ما تعقيبك؟

القدرات التمثيلية مطلوبة دائماً ليكون الممثل مقنعاً وليستطيع إيصال دوره إلى الناس مهما كانت طبيعة هذا النص أو جنسه الدرامي، ولكن كما سبق قلنا: إن النص هو من يملي حالات تمثيلية كهذه، وإن كان تبني ممثل رجل لتقديم شخصية نسائية من باب «الكاركتر» كما هو الحال مع الفنان أنور البابا بشخصية «أم كامل» فذلك الأمر سيكون مرتبطاً بنجاح الكاركتر وقدرته على التعايش مع النصوص المختلفة أو قدرته على صناعة النص الخاص الذي يناسبه… وفي كل هذه الحالات المسألة مرتبطة بالنص، نص يستوعب الكركتر بطريقة ذكية أو نص متماسك يصنع لها خصيصاً.

وأخيراً في الجانب السوري وعلى عكس الجانب المصري، من بعد أنور البابا لم نشاهد هذه الحالة إلا من أيمن رضا في إحدى حلقات بقعة ضوء، وأيمن زيدان في يوميات مدير عام ج2… وعلى الرغم من نجاح الحالة إلا أن الفكرة لم تتكرر…

ما العائق برأيك؟

العائق مرتبط بجملة ظروف تتعلق اليوم بصناعة النص الدرامي الجيد… النص الكوميدي بالذات، على سبيل المثال حين أطل أيمن زيدان بشخصية امرأة في يوميات مدير عام 2 ودخل ليكون عضواً في لجنة المقابلات، وحين جسد عادل إمام وسمير غانم، على سبيل المثال، شخصيتي شهيرة وبهيرة في فيلم «أذكياء لكن أغبياء» والكثير من الأمثلة المشابهة… كانت الضرورة الدرامية تملي ذلك، وحين قدم أيمن رضا شخصية أم سعيد الرز في بقعة ضوء، ورأينا المرحوم علاء ولي الدين في فيلمه «الناظر»، وهو يجسد دور الأم، ومحمد هنيدي بدور الخالة نوسة في «يا أنا يا خالتي» كانت تلك المشاركات تستهدف زيادة جرعة الكوميديا والضحك في هذه الأعمال.. وبالحالتين كنا أمام نصوص متماسكة… ومن ثم السؤال عن استمرارية مثل هذه التجارب لا يتعلق بشخص الممثل، وإنما بطبيعة النص الذي يفترض وجوده في شخصية نسائية.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن