قضايا وآراء

المقاومة و«الشرق الأوسط الجديد»

| تحسين الحلبي

بعد التوقيع على اتفاقات أوسلو مع قيادة منظمة التحرير الفلسطينية عام 1993 والاتفاقية التي تلتها مع المملكة الأردنية عام 1994، أعد شمعون بيريس أحد أهم مهندسي هذه الاتفاقات، مشروعاً أوسع لفرض شرق أوسط جديد يجند فيه بعض الدول العربية، واستند إلى هاتين الاتفاقيتين بشكل أساسي وفي النهاية بدأ هذا المشروع يتآكل إلى أن وضعته إسرائيل والولايات المتحدة في الثلاجة بعد انتفاضة الأقصى عام 2000، ومع سقوط هذه النسخة ظهرت نسخة جديدة بعد الاحتلال الأميركي للعراق عام 2003، وبدأ التمهيد له باستهداف الساحة اللبنانية عام 2005 ثم بشن عدوان مباشر إسرائيلي شامل على المقاومة في جنوب لبنان بدعم وتنسيق أميركي علني وبإعلان إسرائيلي أميركي على لسان وزيرة الخارجية الأميركية حينها، كوندوليزا رايس عن ولادة «شرق أوسط كبير» إلى أن تبين أن إسرائيل لم تستطع منع سقوط صواريخ حزب الله على مستوطناتها طوال 34 يوماً، وبهذه النتيجة أجبرت تل أبيب وواشنطن على إعادة تجميد مشروع الشرق الأوسط الجديد بانتظار تنفيذ مخطط مناسب للتخلص من قدرات محور المقاومة وتفتيته بعد أن تبين أنه يشكل العقبة الأساسية أمام فرض هذا المشروع الأميركي الإسرائيلي.
وفي أعقاب حملة الضغوط التي مارسها الرئيس الأميركي دونالد ترامب لدفع بعض الدول العربية لتطبيع علاقاتها مع إسرائيل ونجاحه في فرض هذه الإجراءات على الإمارات والبحرين، بدأ الحديث يعود مرة ثالثة عن مشروع الشرق الأوسط الجديد وشق طريقه في هذه الظروف.
في تحليل بعنوان «شرق أوسط جديد لكن هذه المرة بوجود صيني إلى جانب طهران»، يرى أمير بارشالوم في مجلة «زمان يسرائيل» أن: «الصين أصبحت كقوة عظمى موجودة في المنطقة كحليف لطهران ودمشق، ومن المتوقع أن توقع مع طهران على اتفاق تاريخي يتضمن استثمارات صينية بمئات المليارات من الدولارات»، وكانت صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية قد أكدت هذه الأنباء وتضيف الصحيفة الإسرائيلية: إن «الصين لن تكون وحدها في المنطقة بل ستتعاون وتنسق مع روسيا حليفها وحليف الدولتين إيران وسورية ولذلك تعتقد إسرائيل أن هذا الواقع الجديد سيحمل الأخطار للدور الأميركي المطلوب في مشروع الشرق الأوسط وسوف يشكل عقبة أمام إسرائيل في تنفيذ هذا المشروع وتحقيق أهدافها منه.
إضافة إلى ذلك، سيكون من الطبيعي أن تجد الولايات المتحدة في إسرائيل قيمة إستراتيجية توظفها لمصلحتها في المنطقة ما دام الطرفان الأميركي والإسرائيلي لن يتمكنا بوجود الصين وروسيا في المنطقة من النجاح للمرة الثالثة بفرض شرق أوسط جديد تتحكمان على قاعدته بجميع دول المنطقة.
وعلى قاعدة هذه النتيجة الطبيعية، من المقدر ألا تزداد قوة ونفوذ الولايات المتحدة بعد فترة تدهورها في العراق، وبعد بعض خلافاتها مع تركيا وتراجع قدرتها على فرض ما تريد إلا على دول وإمارات صغيرة مثل البحرين وأبوظبي والمغرب، في حين أن دولاً عربية رئيسة أخرى مثل الجزائر والعراق، ستناهض أي مشروع تسيطر فيه إسرائيل على الشرق الأوسط كما لن تجد مصر في ظل هذا النشاط الأميركي، أي مصلحة لها على المدى البعيد.
وبالمقابل لن يكون بمقدور إسرائيل منع دول عربية عديدة من التعاون مع الصين وروسيا ولو كانت من بين الدول التي وقعت حكوماتها على اتفاقات تطبيع كما لا ننسى أن واشنطن ستضطر إلى الانشغال لعدة سنوات في إعادة ترميم ما خربه الرئيس ترامب في ولايته في المجالات الاقتصادية والاجتماعية وخاصة بعد أن فقدت واشنطن جزءاً مهماً من «قدرة الردع» في مواجهة إيران وحلفائها في المنطقة، إضافة إلى تناقص قدرة الردع الإسرائيلية إلى أدنى حدودها في العامين الماضيين تجاه إيران وحلفائها من المقاومة اللبنانية في جنوب لبنان إلى فلسطين وتحديداً في قطاع غزة.
من الواضح أن إسرائيل لن يكون بمقدورها تغيير ميزان القوى الراهن الذي فرضت مقاييسه قوى محور المقاومة والدول العربية التي ستناهض التطبيع، وهذا ما سوف يكشف أن بالونات التطبيع الأميركية التي فرضتها إدارة ترامب لن يكون بمقدورها بناء مشروع شرق أوسط جديد لمصلحة إسرائيل.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن