قضايا وآراء

بايدن وسيناريوهات التعامل مع الملف السوري

| محمد نادر العمري

ربما سيكون الملف السوري من أول الاهتمامات الخارجية للرئيس السادس والأربعين للولايات المتحدة الأميركية، وستكون ضمن أجنداته القادمة فيما يتعلق بتحديد معالم سياسته الخارجية، نظراً لضرورة التعامل مع هذا الملف ليس فقط بما يتضمنه من مسعى أميركي لترسيخ الأمر الواقع على سورية واستهداف البنية التحالفية والإيديولوجية، بل لاعتبارات تخرج عن الإطار الجغرافي ويتعلق بالأطراف المتدخلة، والصراع على النفوذ بين القوى الإقليمية والدولية، وتحسين الموقع التفاوضي وتأمين أمن الكيان الإسرائيلي، والحفاظ على صورة ومكانة الولايات المتحدة الأميركية ومصالحها، وتأثير ذلك في طبيعة النظام الدولي والعلاقات التي شهدت تبدلاً في طبيعته وتركيبته في فترة الرئيس دونالد ترامب لمصلحة روسيا والصين ودول صاعدة أخرى.
من الملاحظ في هذا السياق أنه لن يكون هناك أي تغيير في نمط السلوك والتفاعل الأميركي مع الملف السوري، على الأقل خلال الأشهر الستة الأولى من عهد إدارة الرئيس جو بايدن، استناداً إلى مؤشرات متعددة، أهمها:

1- توقع وتصريح المبعوث الأميركي الخاص لسورية قبل أيام من استقالته «أنه لن يطرأ تغيير في السياسة الأميركية الحالية تجاه سورية وهذه السياسة ستستمر بدعم من الحزبين»، إضافة إلى دوره في الضغط على الاتحاد الأوروبي وبعض الدول العربية لإفشال مؤتمر عودة اللاجئين ومقاطعته، وما أفصح عنه منذ أيام أنه: «نصح فريق الرئيس المنتخب جو بايدن بالاستمرار بسياسة الرئيس دونالد ترامب في سورية، لأنها ناجحة، وفق وصفه، لأننا لم نقم بأي من أخطاء إدارة باراك أوباما، واستخدمنا جميع عناصر القوة التي بحوزتنا بما فيها القوة العسكرية».

وتابع: «إن قوات أميركية تنتشر شرق الفرات وتدعم «قوات سورية الديمقراطيّة» لهزيمة داعش»، مضيفاً: «عبر وجودنا في الأرض والجو، نريد أن نحرم (الرئيس بشار الأسد) وروسيا وإيران من السيطرة على الأراضي هناك وفي التنف». وأشار إلى أنه «متأكد أن النظام لن يعود إلى إدلب».

2- تعيين جويل ريبيرن مبعوثاً أميركياً جديداً خاصاً بالملف السوري، لا يقل بمواقفه العدائية عن سابقه، ومعروف بتطابق مواقفه مع جيفري من حيث تبني الحصار الاقتصادي ودعم وجود القوات الأميركية ودعم قسد. وهذا برز في تصريحه الأول عندما أشاد ريبيرن بالعقوبات التي فرضها الاتحاد الأوروبي مؤخراً على سورية، ومن المعروف أن المبعوث الجديد وجه بالسابق تحذيراً إلى لبنان من تقديم الدعم للحكومة السورية.

3- تصريح الرئيس الأميركي الجديد بأنه سيحافظ على وجود قوات بلاده العسكرية في شمال شرق سورية واستمرار فرض الحصار الاقتصادي ودعم ميليشيات قسد بقوة، وردع تركيا عنهم.

4- سعي الإدارة الحالية بتطويق الإدارة القادمة وتطويقها وتحديد معايير تعاملها مع الأزمة السورية وفق الأسلوب والتكتيك الذي اتبعته إدارة ترامب، وإغلاق أي أفق أمام مسعى بايدن في حال توجهه نحو إيجاد تسوية سياسية للأزمة السورية، وتمثل ذلك في عدة نقاط بارزة:

• أولها: تقدم لجنة الدراسات في الحزب الجمهوري بمشروع قانون جديد حول سورية تمت مناقشته في مجلس النواب، يتضمن حزمة غير مسبوقة من العقوبات وقائمة من المحظورات على أي إدارة أميركية في التعامل مع سورية، حيث يتضمن حظراً صارماً على الحكومة الأميركية الاعتراف بشرعية السلطة والحكومة في سورية، كما يحظر القانون الاعتراف بحق الرئيس بشار الأسد في الترشح لأي انتخابات مستقبلية جديدة، إضافة إلى تضمنه احتمالية إقامة مناطق حظر طيران في إدلب والتهديد بالمحاكم الدولية.

• ثانيها: من النصائح التي قدمها جيفري لإدارة بايدن هي توظيف القوات الأميركية التي تنتشر شرق الفرات لدعم ميليشيات «قسد»، مضيفاً: «عبر وجودنا في الأرض والجو، نريد أن نحرم سورية وروسيا وإيران من السيطرة على الأراضي هناك وفي التنف»، وأشار إلى أنه «متأكد أن القوات الحكومية لن تعود إلى إدلب».
وضمن هذا الإطار يمكن وضع «تقدير موقف» حول سياسة جو بايدن تجاه سورية بأنه سيكون مرهوناً بين شقين:

الأول هو سلبي بمعنى أن يتوجه بايدن نحو استكمال سياسة ترامب من حيث استمرار فرض الحصار الاقتصادي على سورية ودعم ميليشات قسد وإبقاء قوات الاحتلال الأميركية في الشمال الشرقي.
وهذا السيناريو يستند إلى مؤشرات وعوامل عدة أبرزها:

1- بايدن يعتبر كما مؤسسات الدولة العميقة وخاصة البنتاغون والصقور العسكريين أن روسيا هي عدو تاريخي للولايات المتحدة الأميركية ولا يجب التعاون معها، ولذلك لابد من إغراق روسيا في المستنقع السوري وألا يسمح لها بتحقيق أي إنجاز يزيد من نفوذها وتأثيرها على حساب النفوذ الأميركي المتآكل.

2- من المعروف أن بايدن هو من أكثر الداعمين للقوى الكردية في الشمال السوري وهو في الوقت ذاته في علاقات خلاف مع أردوغان ويصنفه «كمستبد»، الأمر الذي يضعنا بين خيارين:

– أن يزيد بايدن دعمه السياسي والعسكري لـ«قسد» وأن يطلب من تركيا الانسحاب من الشمال الشرقي لحساب الأخيرة وأن يهددها بالرد على أي عدوان جديد، وفرض المزيد من العقوبات على تركيا.

– أن تستغل روسيا حالة التوتر الأميركي التركي لجذب تركيا لجانبها لتسريع تطبيق سوتشي، وحل الأزمات الأخرى.

3- أميركا هي دولة مؤسسات وبالتالي استمرار الحصار والاحتلال ضمن الأجندات التي ترسمها وتضعها هذه المؤسسات.

4- قد نشهد في الوقت ذاته تفعيل وتنشيط الضغوط بمختلف أشكالها على سورية في الملفات الإنسانية والكيميائية والدستورية، ونعود لوتيرة التهديد باستخدام القوة أو استخدامها، باعتبار أن ترامب هو الرئيس الوحيد الذي لم يخض حروباً تقليدية وبالتالي قد يصدر بايدن مشاكل وأزمات أميركا الداخلية ولفت الأنظار نحو حرب جديدة، وخاصة إن كانت التقديرات الأميركية تشير لنجاعة العقوبات، وبايدن ساهم عندما كان نائباً للرئيس أوباما في إعطاء الضوء الأخضر للسعودية بحرب اليمن ودعم ما سمي الربيع العربي والميليشيات المسلحة.

الشق الثاني هو إيجابي ويكون خاضعاً لعامل مهم جداً وهو يتمثل في المقاربة التالية:

أن تشهد الولايات المتحدة الأميركية حالة فوضى تدفع بايدن للاهتمام بالشؤون الداخلية أو نشهد عزلة لترتيب البيت الداخلي، وهذا ما سيتيح لروسيا العمل متفردة أو بشراكة شكلية ومتفق عليها مع أميركا لتسريع وتيرة الحل، كما أن احتمالية العودة للاتفاق النووي مع إيران سيرخي بتأثيراته الإيجابية على الملف السوري وخاصة أنه لا رؤية واضحة لدى أركان الإدارة الجديدة وبخاصة وزير الخارجية الجديد أنتوني بلينكن وصف سياسية إدارة أوباما في السابق تجاه سورية بالفاشلة، وسيواجه صعوبة في الحصول على الدعم الداخلي لدعم عمل عسكري شامل في سورية.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن