أُريدُ دجاجتي.. عبارةٌ بسيطة جعلت من الطفل اللبناني حسن الشرتوني حديثَ السوشيال ميديا بعد مطالبتهِ باستعادةِ دجاجتهِ التي عبرَت الشريط الحدودي للبنان مع فلسطينَ المحتلة.
ملابسات الحادث ظلَّت غامضة، فلا معلومات حتى الآن إن كانت الدجاجة قد خضعت للتحقيقِ أم لا لمعرفةِ ملابساتِ هذا العبور، لكنها بكلِّ تأكيدٍ خضعت لجهازِ كشفِ المتفجرات بطريقةٍ تجعل العدو يطمئن بأن لا صلةَ اتصالٍ بين هذه الدجاجة وأقرانها من الدجاج في فلسطين المحتلة، كما أن مجلس الأمن الدولي التزم الصمت، أما وزارة الخزانة الأميركية فرفضت التعليق على عقوباتٍ مفترضة على الدجاج بتهمةِ «إزعاج الابن المدلل».
ربما علينا أن نشكرَ حسن على هذا الحدث الذي أعادَ إلينا ذكرياتٍ كَادت الأمة تنساها، ذكريات لا تتمثل بمعاني الصمود التي يجسدها الجنوب اللبناني فحسب، لكنها تذكرنا كذلك الأمر بنظرةِ الكثير من «الصيصان» لمعاني الصمود، فحسن طالبَ بعودةِ دجاجتهِ ولم يفرِّط بها ولم يقل إنها «دجاجة إسرائيلية»، لم يقبل لها أن تشربَ الشاي على موائدِ جيش العدو تماماً كما فعل يوماً إمعات الاستسلام السياسي خلال حرب تموز 2006. بذات الوقت لا ندري إن كان هناك من سيخرج ليمننَ حسن بعودةِ دجاجتهِ فيخاطبهُ قائلاً:
هل تعلم كم تكلفت الدولة من اتصالاتٍ وبنى تحتية حتى تعودَ دجاجتكَ إليك؟ على طريقةِ إمعة آخر عيرَ يوماً الأسرى المفرج عنهم من سجون الاحتلال الإسرائيلي بعد انتصار تموز 2006. حسن ببساطة لم يبك، هو كان يطالب بحقه بابتسامةٍ عريضة لأنه ببساطة يعرف ما معنى أن تكون على حق بدجاجةٍ، أو بأرض لا تفرق فالحق هو الحق، فلم يختَر طريقَ البكاء لاستعادةِ حقه على طريقةِ إمعة آخر فضَّل البكاء على عدمِ الاعتراف بهزيمةِ العدو وانتصار لبنان!.
بالتأكيد هناك من سيخرج ويسخر من الحدث كما جرتِ العادة، هناك من سيخرج ليقول لكَ لعلَّ الدجاجة أرادت الهروبَ نحو حياةٍ أفضل؛ لماذا لا تنظر كيف هي «إسرائيل» وكيف هي الدول التي تحارب «إسرائيل»؟ هؤلاء تحديداً منهزمون من الداخل، إيَّاك ومحاورتهم؟ هؤلاء يعيرونَ الدول التي تحارب «إسرائيل» لكنهم لا يريدون النظر إلى واقعِ الدولِ التي وقَّعت على سلامِ الاستسلام؛ هل خفَّ عدد سكان المقابر لدى الأُخت الكبرى؟ هل باتت مملكة شرقي نهر الأردن سويسرا الشرق؟!
أما رافعو لواء الـ«نيوليبرالية» وهم قد لا يعرفونَ من هذا المصطلحِ إلا اسمه، قد يخرجون ليقولوا لكَ:
لعلَّ الدجاجةَ تريدُ التطبيع فلماذا نتجاوز وجهةَ نظرها؟ ولماذا نعتبرُ وجهةَ النظر تلك نوعاً من الانحدار الفكري؟
ببساطة هذه الطبقة تحديداً التي لا تميز حتى الآن الفرق بين السلام العادل والشامل المبني على مبدأ استعادة الحقوق والتطبيع المجاني، ليسَ عليك نقاشها ولا مجادلتها، فهم وصيصان التطبيع المجاني لا يشبههم إلا ما قاله دريد لحام يوماً في إحدى مسرحياته:
إن جئنا بحمارٍ ووضعنا أمامه «سطلَ ماءٍ» و«سطل عرق» فأيهما سيختار؟
بالتأكيد فإني هنا أعتذر من القارئ الكريم عن كلمة «عرق» وما لها من مدلولاتٍ قد تبدو عندَ من يظنون بأن الله لم يهدِ سواهم دعوات لانحلال المجتمع لا سمح الله، على طريقةِ وهنِ عزيمة الأمة، وهل من وهنٍ لعزيمةِ أمة أو تجسيدٍ لانحلال مجتمعها أكثرَ من تحولِ الإمعات والإلغائيين لناطقين بالحقوق! شكراً حسن.. دجاجتك ببساطة ستعيد الصيصان إلى قنِّ التطبيع وهو مكانهم الطبيعي.