لا لتدريس العلوم الطبية بلغة أجنبية
| بقلم: الأستاذ الدكتور عمار مشلح – أستاذ في كلية طب الأسنان بجامعة دمشق
تنتشر اللغة الإنجليزية في أنحاء العالم، وتسيطر على جميع الميادين فهي لغة المعرفة والعلوم والتكنولوجيا في كثير من بلدان العالم، ومنها البلاد العربية عامة حتى إن كثيراً من جامعاتنا العربية بدأت تدرس موادها بها في العديد من التخصصات، ونحن نتفق مع القائلين بأهمية اللغة الإنجليزية في جميع مجالات الحياة كضرورة عصرية ولكن لا نتفق معهم على تدريس العلوم البحتة والتطبيقية فضلاً عن الإنسانية والاجتماعية بتلك اللغة لما له من تأثير سلبي على المستوى العلمي، وعلى اللغة العربية.
قد يقول قائل إن المعرفة الحديثة لا يمكن استقاؤها إلا من مصادر باللغة الإنجليزية وبالتالي فإن الخريج الذي لا يتقن اللغة الإنجليزية سوف يكون معزولاً عن آخر المستجدات في مجال تخصصه، وسيحرم نفسه من التواصل مع كل جديد في مجال تخصصه، ومن يقول ذلك يخلط بين أهمية تعلم اللغة الإنجليزية وإتقانها والقراءة فيها وبين تدريس العلوم بها، كما يغفل دور الترجمة. إن تدريس العلوم باللغة الإنجليزية يعني قتل اللغة العربية ونحرها من الوريد إلى الوريد وهي لغة القرآن ورمز الهوية العربية، في حين تعلم اللغة الإنجليزية جنباً إلى جنب مع اللغة العربية يتيح للطالب التواصل بها من دون مساس باللغة العربية.
لو نظرنا إلى دول متقدمة مثل الصين واليابان وروسيا وفرنسا وغيرها لوجدنا أنها لا تدرس العلوم باللغة الإنجليزية، بل بلغتها الأم، ولكي لا تحرم نفسها من تلك المنتجات المعرفية أنشأت مراكز قوية للترجمة بحيث لا يصدر كتاب جديد في اللغة الإنجليزية إلا وتتم ترجمته فور صدوره، وقد قرأت أن في دولة الكيان الصهيوني يترجمون الكتاب من اللغة الإنجليزية في اليوم التالي لنشره.
ومن المبررات التي يسوقها مؤيدو تدريس العلوم الهندسية والطبية باللغة الإنجليزية المستوى العلمي للخريج، وما يدحض هذا مستوى خريج الجامعات السورية وخاصة جامعة دمشق- التي تدرّس الطب باللغة العربية منذ تأسيسها حتى الآن – ومع ذلك فإن خريجي البكالوريوس فيها يتفوقون عالمياً في نسب القبول في الدراسات العالمية وعلى رأسها الجامعات الأميركية والكندية حيث يحتلون المراكز العشرة الأولى كما أنهم يعملون في مراكز طبية متقدمة في بريطانيا وأميركا ويحققون نجاحات كبيرة لم يمنعهم من ذلك التلقي باللغة العربية.
إن الدارس لمادة علمية معينة بلغة غير لغته الأم سيقع تحت ضغطين ضغط المادة العلمية نفسها وضغط اللغة الأجنبية خاصة في سنوات التكوين الأولى وهذا يؤثر في المستوى الدراسي ولذلك نجد تسرباً كبيراً في السنة التحضيرية والسنوات الأولى من الدراسة الأكاديمية وفي ذلك خسارة وقتل لكثير من المواهب.
إذاً ونحن نشهد اندفاع جامعاتنا نحو تدريس كثير من التخصصات باللغة الإنجليزية وما لذلك من تأثير سلبي على الثقافة العربية وتهميش للغة العربية وحتى لا نكون بدعاً من الأمم الأخرى التي تدرس العلوم بلغاتها فإنه من الخطأ أن نستمر بذلك بحجة مواكبة العلم في حين أن العلم لا يتطلب التنكر للغة الأم كما أثبتت كثير من الأمم.
لا يعني ذلك بأي حال من الأحوال التقليل من اللغة الإنجليزية بل على العكس فهي مهمة جداً وضرورية جداً، ويلزم إجادتها ولكن من خلال برامج موازية في الجامعة وما قبلها كمادة علمية تقدم بشكل مستقل بعيداً عن المادة العلمية المتخصصة التي يجب أن يدرسها الطالب باللغة العربية من دون تشويش باستثناء المصطلحات لكل علم من العلوم على أن يتواكب مع ذلك إيجاد مراكز للترجمة سواء في الجامعات أو في خارجها تترجم ما تدفع به المطابع من كتب ودراسات وبحوث أولاً بأول بحيث يتوفر الجديد في كل مجال علمي مترجماً إلى اللغة العربية فور صدوره.
وأخيراً أتوجه بطلب لمعالي وزير التعليم العالي لإجراء ورشات ودراسات معمقة قبل أي توجه مستقبلي لتدريس العلوم الطبية باللغة الإنجليزية، على الأقل حتى نضمن عدم تأثير ذلك على الهوية واللغة العربية فضلاً عن وجود جدوى تربوية وعلمية لذلك.