قضايا وآراء

عمرو موسى في مذكراته

| عبد المنعم علي عيسى

بدأت صحيفة «الشرق الأوسط» بنشر كتاب على حلقات قالت إنه سيصدر قريباً عن «دار الشروق» وهو بعنوان «سنوات الجامعة العربية»، والكتاب عبارة عن مذكرات لأمينها العام السابق عمرو موسى، وهو، فيما نشر منه حتى الآن، يبدو مثيراً للجدل في رصده للعديد من الأحداث التي عرض لها، أقله وفق رواية موسى التي أراد من خلالها تسجيل شهادته على تلك الأحداث التي عاصرها، بل كان رقيباً على «علبة الاتصالات» التي تتشابك فيها الخطوط عادة متيحة للعامل الذي يملك مفتاحها فرصة الاستماع على الأحاديث التي تدور بين الأطراف المشتركين.
تضمنت الحلقة الأولى التي نشرت في 5 كانون الأول الجاري العديد من الأحداث مثل اغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري شباط 2005، ولقاء موسى الذي تلا هذا الفعل الأخير مع الرئيس بشار الأسد الذي أبلغه فيه استعداد دمشق لسحب قواتها بشكل كامل من لبنان بعد أن جرى تخفيض عديد تلك القوات من 60 ألف جندي في عام 2000 إلى 35 ألفاً حين حدوث اللقاء، إلا أن الحدث الأهم الذي عرض له موسى في تلك الحلقة كان موضوع حرب تموز على لبنان 2006.
يقول الأمين العام السابق لجامعة الدول العربية إن الكويت كانت قد سارعت، بعيد وقوع العدوان، إلى طلب اجتماع عاجل للجامعة العربية على مستوى وزراء الخارجية الذي التأم في القاهرة 15 تموز، واللافت هو أن الراوي يشير إلى أن القاهرة والرياض كانتا قد أصدرتا بياناً اعتبرتا فيه ما قام به حزب اللـه فجر 12 تموز عبر خطف جنديين إسرائيليين «مغامرة من جانب الحزب»، وهذا مهم في معرفة وتحديد المناخ العام السائد الذي سبق اجتماع وزراء الخارجية العرب السابق الذكر.
في رواية موسى لتفاصيل الجلسة المغلقة من ذلك الاجتماع، يقول إنها شهدت مشادة حامية ما بين وزير الخارجية السوري وليد المعلم وبين وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل، وفي التفاصيل، كان الأول قد بدأ كلمته بالقول «حلمت بأن اجتماعنا سيبدأ بدقيقة صمت على أرواح شهداء غزة ولبنان، وأن الأمين العام سيدعو إلى اجتماعنا هذا في غزة، حلمت بأن نجتمع في إحدى قرى الجنوب اللبناني في منزل أم سمير القنطار لنعرف منها معنى الصبر والانتظار طوال ثلاثين عاماً لتحرير ابنها»، فجاء رد الفيصل على اتهامات المعلم التي طاولت تموضعات جل العرب الذين كانوا أقرب إلى الجلاد منهم إلى الضحية على النحو التالي: «في بعض ما قيل عن المواقف التي أعلنت من بعض الدول العربية إنها ساعدت إسرائيل في هجومها على لبنان فإن ذلك مستغرب»، ثم أضاف: «أنا لا أتصور فعلاً كيف سيكون موقف الأخ وليد المعلم لو أن منظمة من المنظمات قامت بعدوان (نعم بعدوان هكذا وردت في مذكرات موسى التي قال إنه ينقلها عن محاضر رسمية) على إسرائيل من الجولان؟ ماذا سيكون الموقف؟»، ثم مضى الفيصل إلى ختم تساؤلاته بواحد هو الأعجب «هل إسرائيل هجمت لأننا أصدرنا بياناً؟ قبل أن يجيب: لا إسرائيل هجمت بسبب ما قام به حزب اللـه في المنطقة».
انتهى الاستشهاد بما ورد في رد الوزير الفيصل، ولربما من المؤكد أن المصطلحات الواردة فيه كافية لنضح ما في الإناء، فإن تقوم إحدى المنظمات بعمل ما في الجولان فذاك مدعاة لتسمية ذلك الفعل بـ«العدوان»، ثم إن إسرائيل لم تقم بعدوانها على لبنان بسبب البيان السعودي المصري؟ وإن كان من المؤكد أن جزءاً من هذا القول الأخير فيه وجه حق، فإسرائيل لم تقم بالتأكيد بما قامت به بسبب ذلك البيان، وهذا مدعم بعشرات التصريحات، وكذا الوثائق التي أطلقها قادة الاحتلال والتي جاء فيها أن العدوان على لبنان كان مبيتاً منذ أيار 2000 الذي شهد اندحار قوات هذا الأخير من الجنوب اللبناني، لكن ذلك لا يلغي أن الفعل، أي صدور البيان وما يشي به في الكواليس، كان قد منح مشروعية عربية للعدوان، في وقت كان المحور المصري السعودي هو المظلة الوحيدة الباقية من النظام الإقليمي العربي، بعدما جهد الغرب، ومعهم بعض العرب لتحجيم دور دمشق، عبر تأييد القرار 1559 الصادر في أيلول من عام 2004.
قد تشكل هذه اللوحة السابقة تفسيراً لما جرى من ربيع عام 2011 فصاعداً، فمشهد الانهيارات الكبرى التي حدثت ما بعد تموز 2006 فصاعداً، يوحي بأن الرياض كانت تسعى إليها، بل في الكواليس، مما تنضح به الظلال، كانت تسعى حتى إلى تحجيم دور القاهرة أو إلى إلحاقها بها، تمهيداً لحدوث انزياح نهائي في مركز الثقل العربي الذي كان محور دمشق القاهرة الرياض تقليدياً يمثل بيضة القبان فيه، ولو أدى ذلك إلى تدمير النظام الإقليمي العربي برمته، الأمر الذي حصل فعلاً كتكرار لتدمير مركز بغداد الحاصل ربيع عام 2003.
السؤال الآن هو لمصلحة من كان ذلك الفعل؟ وما الجدوى منه؟ والسؤال هنا مشروع ما دمنا لم نجد مكاسب سعودية ما بعد تضعضع مراكز دمشق والقاهرة وبغداد، بل على العكس فإن الرياض هي اليوم في حال من الوهن ما كان لها أن تصل إليها لولا أن حال ذلك الثالوث هو غير الحال الذي هو عليه الآن.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن